العاصمة الهندية تستضيف «مهرجان دلهي الدولي للفنون»

شهد معظم ألوان الأعمال الإبداعية العالمية.. بعضها عربي

عرض «بابا زولا» التركي
عرض «بابا زولا» التركي
TT

العاصمة الهندية تستضيف «مهرجان دلهي الدولي للفنون»

عرض «بابا زولا» التركي
عرض «بابا زولا» التركي

شهدت العاصمة الهندية افتتاح «مهرجان دلهي الدولي للفنون» في نسخته التاسعة، الذي حفل بنشاطات ثقافية كلاسيكية ومعاصرة. شمل المهرجان عروضًا للفنون المرئية، والرقص، والموسيقي، والمسرح، وتحريك الدمى، والشعر، والأدب، والسينما، والمعارض. كما شهد عروضًا لفرق فنية، منها «باب زولا» التركية و«ملوي» المصرية، إضافة إلى نحو عشرين فرقة فنية من مختلف دول الشرق الأوسط، وأفريقيا، وأوروبا، وآسيا، ومنطقة المحيط الهادي، وجنوب آسيا، كلها أثرت العاصمة الهندية على امتداد أيام المهرجان.
لاقت العروض استحسان الجماهير الذين تعالت هتافاتهم بالتشجيع مع كل عرض ورافقوا «الكورس» في الغناء في الكثير من الأحيان، في تعبير عن اندماجهم وتشجيعهم لما يقدم من فنون وثقافات الدول المشاركة. وقدمت فرقة ملوي عرضًا بعنوان «الدرويش»، ويعود تاريخ تأسيس الفرقة لعام 1994 على يد عامر التوني، واستمرت الفرقة منذ ذلك الحين تعرض التراث المصري محليا وعالميا. وقال التوني: «نقدم عروضًا شرقية وأخرى تعتمد على الآلات الموسيقية، وتضم الفرقة أربعة راقصي فنون شعبية».
كانت أول أغنية قدمتها الفرقة «ابتهال إلى الله»، وكانت الأغنية الثانية عن النبي محمد، في حين بدأ العرض الشعبي بإيقاع بطيء قبل أن يتسارع في نهايته.
وأفاد التوني: «استغرق العرض الفعلي من ثلاث إلى أربع ساعات، لكن هنا في المهرجان ليس أمامنا سوى 40 دقيقة لنقدم العرض».
وقالت لارز، مواطنة ألمانية حضرت العرض: «قضيتُ عدة سنوات في مصر ولذلك أتطلع إلى مثل هذه العروض، وفي الحقيقة أراها عظيمة، فالموسيقي وجو العمل مدهشان». ضم المهرجان كذلك عروضًا ذات مذاق شرقي خالص من الصين قدمتها فرقة أوبرا شونغونغ الوطنية، وفرقة فنون القتال والدرامز من تايوان، وفرقة رقص ليغونغ وسوماترا من إندونيسيا، وفرقة للموسيقى متعددة الثقافات من سنغافورا كلها سحرت لب الحضور.
ومن الغرب، شاهد الجمهور عروضًا لفرق شهيرة من الولايات المتحدة، وإسرائيل، وجمهورية التشيك، وبولندا، وتركيا، وموسيقى الفلامنكو الإسبانية، والصلصا من المكسيك، وعروضًا للمسرح المعاصر من البرتغال وفرنسا، والرقص النقري من المملكة المتحدة.
وأفاد رجيش أحد الحضور خطف عرض (بابا زولا) التركي الأنظار بأدائه المنوم، حيث يقدم مزيجًا من العناصر العربية مع الصوت الإلكتروني الحديث: «في المرة الأولي التي تسمع فيها (بابا زولا)، تشعر بالموسيقي تقتحم رأسك وجسدك وتبدأ على الفور في الحركة مع الإيقاع، وسوف تشعر بالعاطفة حتى وإن لم تتحدث التركية».
بمزيج من الموسيقى الهادئة المنومة، وموسيقي الريجي، والفنون الشعبية التركية، قدمت الفرقة عرضا لـ«ليفين أكمان» على الآلات النحاسية، والدربوكا (الطبل)، إضافة إلى عدد آخر من الآلات الموسيقية مثل عرض العازف مورات ارتيل على الغيتار، والعازف كوزار كماسي على الدرمز، في صحبة راقصات شرقيات تمايلن على أنغام موسيقاهم المنومة.
وكلمة «بابا زولا» تعني «السر الكبير»، وحسب العازف ارتيل، يعكس الاسم طريقة عمل الفريق «فكل أغنية تؤدَّى بشكل مختلف في كل مرة، ولذلك لا يستطيع الجمهور توقع ما سيسمعه في كل مرة».
وأضاف ارتيل: «تكمن مشكلة الموسيقى التركية في أنها غير موثقة بشكل سليم، ولذلك فكل ما وصل إلينا عنها جاء من خلال ما سمعناه من حكايات متوارثة، ونحاول أن نخلط ذلك مع موسيقى الريجي والموسيقى المخدرة». أضاف ارتيل أن أغلب أعضاء الفرق الفنية تأثرت بالألحان التركية، إضافة إلى الموسيقى الإلكترونية وموسيقي الريجي: «نحن فقط نقوم بمزج كل هذا لنخرج بموسيقى مرتجلة نؤديها على المسرح».
وقام الموسيقي الغاني إيمانيويل أوكو بعمل مزيج من موسيقى الطبل الأفريقية التقليدية مع الرقص الهندي التقليدي (بوليوود)، في توليفة سحرت المشاهدين الذين شاركوا بالرقص على أنغام أغنية «أيك دين بيك جايجا»، و«يه دوستي» وأغنية «غاندي بات». وسهر الجمهور على أنغام الموسيقى والفنون الأفريقية التي خصص لها أمسية بالكامل. وأقيم عرض راقص من إثيوبيا حضرته سفيرة إثيوبيا في دلهي، جينين زويدي، التي لم تكتفِ بالتشجيع بل شاركت أيضًا بالغناء في حضور مواطني الدول المشاركة من المقيمين في الهند.
وصرحت السفيرة الإثيوبية قائلة: «تأثرت كثيرًا بالعرض للدرجة التي شعرت أنهم قد أحضروا أفريقيا معهم إلى المسرح. أشعر بالسعادة لأن أصدقائي الهنود شاهدوا لمحة من تراث بلادي، وهذا هو نوع الدبلوماسية الذي نحتاجه. الدولتان بالفعل تتمتعان بعلاقات جيدة، لكن من خلال الفنون، يستطيع الشعبان الاستمتاع بتلك العلاقة أيضا».
وحسب بارتيبا براهالد مؤسس المهرجان، يعتبر اختيار الفنانين المشاركين أمرا مرهقا بالنسبة للقائمين على المهرجان «فأنا أتجول حول العالم وأشاهد الكثير من العروض الدولية، وأدعوهم للحضور إلى هنا كما تدعوهم سفاراتهم ومراكزهم الثقافية»، كذلك نشاهد مقاطع مصورة لتلك الفرق على موقع «يوتيوب» لنقرر إذا كان ما يقدمونه من فنون يتناسب مع طبيعة مهرجان دلهي.
نجح المهرجان في أن يعكس حقيقة أن الفن يرتقى بإحساس وآدمية الإنسان، ويساعد كذلك في إقامة علاقات صداقة تدوم مدى الحياة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».