مهرجان «بيروت ترنّم» يرفع الصوت عاليًا مع نجوم الفن الكلاسيكي

يتضّمن 22 حفلة موسيقية يتخللها مقطوعات لموزار وبوتشيني

اللبنانية غادة شبير تشارك في المهرجان  -   عازف البيانو العالمي ألكسندر غندن
اللبنانية غادة شبير تشارك في المهرجان - عازف البيانو العالمي ألكسندر غندن
TT

مهرجان «بيروت ترنّم» يرفع الصوت عاليًا مع نجوم الفن الكلاسيكي

اللبنانية غادة شبير تشارك في المهرجان  -   عازف البيانو العالمي ألكسندر غندن
اللبنانية غادة شبير تشارك في المهرجان - عازف البيانو العالمي ألكسندر غندن

في أجواء كلاسيكية بامتياز ينطلق مهرجان «بيروت ترنّم» في شهر ديسمبر (كانون الأول) المقبل، ليقدّم نسخته الثامنة على التوالي من برنامجه الحافل بأمسيات موسيقية منوعة.
وفي هذه المناسبة عقد مؤتمر صحافي في «نادي اليخوت» وسط بيروت، حضره وزير السياحة ميشال فرعون والنائبة بهيّة الحريري، بالإضافة إلى سفيرة النمسا لدى لبنان أورسولا فاهرينغر، تم خلاله الإعلان عن برنامج المهرجان الذي يبدأ في الأول من الشهر المقبل ديسمبر ويستمر حتى 23 منه.
وبذلك سيكون اللبنانيون على موعد مع نجوم عالميين ومحليين، لمع اسمهم في مجال الفنّ الموسيقي، من خلال أصواتهم الأوبرالية أو عزفهم المميّز على آلات البيانو والهارب والتشيللو وغيرها.
كما سيكتمل المشهد الموسيقي هذا، من خلال مشاركة عدد من فرق الأوركسترا، وبينها الفيلهارمونية اللبنانية، والإيطالية، والنمساوية الآتية من فيينا.
وسيتسنّى لهواة سماع الموسيقى الكلاسيكية بكلّ أوجهها، فرصة حضور أمسيات لعازف الهارب العالمي كزافييه دو ميستر، وعازف البيانو جوليان ليبار، والروسي الشهير بعزفه على آلة التشيللو بوريس أندريانوف، ومواطنه ألكسندر غندن الحائز على جائزة تشايكوفسكي للعزف على البيانو وغيرهم.
وسيتم افتتاح المهرجان بحفلة تتضمن مقطوعات موسيقية لجاكومو بوتشيني، تم اختيارها من العمل الفنّي العالمي، ويشارك فيها سالفاتوري غريغولي (باريتون) وكارلو ماليفيرنو (باس) والتينور بشارة مفرّج وجوقتا الجامعة الأنطونية وجامعة اللويزة، وذلك في وسط بيروت (كنيسة مار جرجس).
ومن الأصوات الأوبرالية التي سيصدح صوتها في أماكن دينية، موزّعة ما بين وسط بيروت وضواحيها، كمناطق مار مخايل والجميزة وميناء الحصن والقنطاري وغيرها، السوبرانو الإيطالية أرتميزا ريبا، واللبنانيان غادة شبير صاحبة الأداء المحترف في الغناء الشرق أوسطي التقليدي، والتينور إيليا فرنسيس.
ومن الحفلات المنتظرة في الثاني من ديسمبر، تلك التي ستحييها مجموعة «أصيل» الموسيقية. فتحت عنوان «أمسية من موسيقى الفصحى العربية المعاصرة»، ستقدّم هذه المجموعة لوحة فنّية تتضمن عزفا على العود مع فراس العنداري، وعلى الناي مع محمد عنتر وعلى الرق مع علي الحوت، إضافة إلى آلات أخرى مثل القانون والسنطور والكمان والتشيللو، يرافقها صوت مصطفى سعيد غناء.
وسيكون للفنّ الأرمني حصّته من المهرجان، بحيث تقدّم جوقة «غرونغ» مساء السبت الواقع في 6 ديسمبر وبقيادة المايسترو إدوار توريكيان، لوحة (الميلاد الأرمني التقليدي)، والتي سيسبقها إطلالة لجوقة المدرسة اللبنانية للضرير والأصمّ تبرز مواهب هؤلاء في الغناء الجماعي. أما في 13 من الشهر نفسه فسيقف الثلاثي الأرمني هراشيا وسيفاك أفانسيان (كمان وتشيللو) وجوليان ليبار (بيانو) ليتشاركوا في تقديم حفلة موسيقية في منطقة القنطاري (كنيسة مار إلياس).
أما سفارتا سويسرا والنمسا لدى لبنان فسترعيان الحفلين الموسيقيين لأوكسترا و(جوقة شباب بيروت)، اللذين سيقدمان في 3 و19 ديسمبر، أحدهما يقوده المايسترو سيباستيان بانيو ويشارك في أغانيه كورين متني وإليان سعادة وبشارة مفرّج وتيدي نصر، والثانية بقيادة ياسمينا صبّاح تشارك فيها أوركسترا الحجرة النمساوية.
وأشارت سفيرة النمسا لدى لبنان أورسولا فاهرينغر وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن دولتها تفتخر بالمشاركة في حدث من هذا المستوى يجري في بيروت، خصوصا وأنه يحمل دلالة أكيدة على أن الوجه الحقيقي لعاصمة لبنان هو الفنّ الراقي بجميع أشكاله. وتابعت: «هذه هي بيروت التي نعرفها، وكلّنا حماس لانطلاقة هذا المهرجان الشهر المقبل، والذي يتضمن برنامجا فنيّا رائعا».
أما وزير السياحة ميشال فرعون فأعرب عن سعادته لانطلاق هذا المهرجان الذي سيجعل بيروت ترنّم وتغني فرحا وقال في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «سيكون هذا المهرجان فرصة لطبع بيروت بالفن الراقي بعيدا عن الأزمات التي تتخبّط بها، فكل ما نشهده اليوم في العاصمة من مهرجانات وأمسيات موسيقية ونشاطات فنيّة، هو بمثابة اللغة الحقيقية التي يحبّ أهلها أن يحاكي بها العالم».
ولمحبي موسيقى العالمي موزار فهم سيستمتعون بسماع إحدى أشهر مقطوعاته الكلاسيكية، التي ألّفها عام 1779. وفي هذه الحفلة التي ستقام في 22 ديسمبر في الجميزة، سيتشارك في أدائها مجموعة من المغنيين السوبرانو (كورين متني وسمر سلامة وميراندا هلت)، والميزو أنجيلا سميكن والتينور جوليان عيسى، بقيادة توبي بورسر والأب توفيق معتوق.
وأكدت ميشلين أبي سمرا المسؤولة عن تنظيم مهرجان «بيروت ترنّم» لـ«الشرق الأوسط»، أن هدف هذا المهرجان هو جمع شمل اللبنانيين دون أي تفرقة اجتماعية أو دينية، وأن هذا الأمر نلمسه على أرض الواقع من خلال اللوحات الفنيّة المقدّمة فيه، والتي تحتضن تحت جناحها لبنان بجميع أطيافه. وقالت: «سنؤكّد مرة أخرى للعالم أجمع أن اللبنانيين هم في جذورهم أهل سلام ومحبة واعتدال. فبيروت سترنّم لتتصدّى لضجيج السياسة ولتقول: لا للعنف والبغض والتطرّف».
وكانت النائبة بهيّة الحريري قد أشارت خلال المؤتمر إلى أن مهرجان «بيروت ترنّم» في دورته الثامنة يحيي وككل سنة ترانيم عيد الميلاد المجيد؛ إذ في قلب بيروت تلتقي الترانيم بالإنشاد، وفي هذه السنة تتجسّد الروح الوطنية الواحدة بين المسلمين والمسيحيين بالتقاء الميلاد المجيد بالمولد النبوي الشريف.
وسيحمل حفل الختام لمهرجان «بيروت ترنّم» مقطوعات منوعة من الفنّ الأوبرالي، التي سيشارك في تقديمها سينزايا فورتي (سوبرانو) وماريزيو أغوستيني (على آلة البيانو)، وبالتعاون مع مسرح سان كارلو في مدينة نابولي الإيطالية.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».