تخرج ليلى أغراضها من داخل حقيبة، ومع كل حركة تبديها أو قطعة «أدباش» تخرجها تأتي الذكريات من كل حدب وصوب، فلا تجد من حل سوى إعادة تشكيل منزل لجدتها دارا لرعاية المسنين في واشنطن.
وخلال هذه العمليّة، تتنقّل ليلى بين صوتها وصوت جدتها، حيث يكافح الصوتان للعثور على ما ينقصهما، ويصطدمان بالحقيقة المأساوية للحلم الأميركي، وما فقده الجدان مع انتقالهما من بيروت عاصمة السحر الشرقي إلى واشنطن عاصمة الجد والحسم وقوة الفرد وسحر الثروة.
في ليلة من إحدى ليالي ألف ليلة وليلة، قدمت الفنانة الأميركية ليلى باك ليلة السبت عرضا فنيا مونودراميا في المركز الثقافي محمد معروف بمدينة سوسة (وسط شرقي تونس) حمل اسم «احكيلي»، وذلك بالتعاون مع السفارة الأميركية في تونس.
وحمل عرض باك استكشافا سياسيّا وشخصيّا لمفاهيم الغربة والعائلة والذاكرة، ومعنى أن تصبح أميركيا في بلد غير بلدك. وتستلهم باك في عرض «احكيلي» تجربة جديها اللذين تركا لبنان وانتقلا إلى العيش في الولايات المتحدة الأميركية وتنتقل القصص بسلاسة بين بيروت وواشنطن بدءا من سنة 1930 إلى حتى التاريخ الحالي.
واستند العرض الذي جرى في أجواء يطغى عليها الحنين إلى الماضي والتوق إلى المستقبل، في هيكلته العامة على تركيبة عادت بالجمهور الحاضر إلى مناخات «ألف ليلة وليلة» وحكايا شهرزاد وأختها دنيازاد، حيث تصبح الجدة الشخصية الحكواتية الرئيسية وهي تسرد ذكرياتها وقصصها قبل أن تفقد قدرتها على التذكّر لتظل الحكاية مفتوحة على أقصى درجات التأويل، ويفرخ السؤال الواحد عدة أسئلة من قبيل: كيف تكون أميركيا بخلفية عربية؟ وما شعورك وأنت العربي حين تجد نفسك في أميركا المختلفة عنك في كل مناحي الحياة؟ وكيف تدير حوار الغربة والألفة في داخلك؟ وما حدود محاورتك مع ذاتك؟
وخلال هذا العرض قامت الفنانة الأميركية الجنسية اللبنانية الأصول بأداء أدوار عدة شخصيات، من بينها أصوات من أفراد العائلة التي تتصارع مع خرف الجدة، وأصوات القنوات الإعلامية المتدافعة على كل خبر جديد، بالإضافة إلى قصص العمال المهاجرين التي تتقاطع روايات غربتهم مع رواية الجدة، فيكون المشهد مؤلما، فالمشاهد يكون أمام حتمية المشاركة في الآلة الأميركية السائرة على الدوام إلى الأمــــــام.
وأثناء العرض اتخذّ الجمهور دور أفراد العائلة المنصتة لقصص الشخصيات، أو أصدقاء من عاصمة الأرز بيروت خلال دعوات عشاء، أو تلاميذ يقفون في صف الجدة ويرغبون في تعلم أصول المواطنة.
هكذا تطلب كل شخصية في العرض من الجمهور مساعدتها في رحلتها، ويقوم المشروع على تركيبة تستغني عن النص، وتتغير مع كل عرض بتغير من يوجد في قاعة العرض. إنه أسلوب حكي مختلف عن السائد ولكنه يخفي ألما دفينا لمغادرة الشرق النائم في سحره في اتجاه غرب الجلبة والبحث عن الذهب والثروة.
فنانة أميركية تعرض لأول مرة مونودراما «احكيلي» في تونس
بين الشرق النائم في سحره وغربة باحثة عن الذهب والثروة
فنانة أميركية تعرض لأول مرة مونودراما «احكيلي» في تونس
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة