وقف برنامج {صبايا الخير} واستقالة مقدمته بسبب «فتاة المول»

حملات على «فيسبوك» جمعت ملايين المؤيدين تطالب بمحاكمة ريهام سعيد

ريهام سعيد
ريهام سعيد
TT

وقف برنامج {صبايا الخير} واستقالة مقدمته بسبب «فتاة المول»

ريهام سعيد
ريهام سعيد

تلاحقت تطورات أحداث قضية الإعلامية المصرية ريهام سعيد مقدمة برنامج صبايا الخير، ففي الوقت الذي بدأت فيه مجموعة من الشركات الراعية للبرنامج سحب دعمها بعد الضجة التي أثيرت بسبب حلقتها التي هاجمت فيها ما أصبح يعرف باسم فتاة «مول الحرية»، فقد أعلن علاء الكحكي رئيس شبكة قنوات «النهار» التي تبث البرنامج على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» أنه تقرر تعليق إذاعة برنامج صبايا الخير وفتح تحقيق موسع بشأن الحلقة. وأكدت الشبكة اعتذارها لكل من استاء من الحلقة واحترامها «لكل سيدة وفتاة من بناتنا وأهلنا وشعبنا الكريم»، قائلة إن «كل مشاهدينا وأهالينا هم تاج على رؤوسنا سنظل نحترمهم ونقدرهم».
وفي الوقت ذاته أعلنت ريهام سعيد استقالتها من شبكة تلفزيون «النهار». وقالت عبر صفحتها على موقع «فيسبوك»: «أعلن أمام الجميع استقالتي من تلفزيون (النهار). بالتوفيق».
وكان الرأي العام المصري قد تفاعل مع محتوى البرنامج رافضا الابتذال وبعد حملة تشهير قامت بها مقدمة البرنامج ضد فتاة تدعى سمية عرفت إعلاميا بـ«فتاة المول» تم التحرش بها أمام أحد مراكز التسوق في مصر الجديدة، حيث قامت بعرض صور شخصية لها دون إذنها واتهامها أمام الملايين بسوء سمعتها، في إشارة إلى أنها تستحق التحرش.
وتجاوبا مع الحملة الشعبية ضد البرنامج ومذيعته، أعلنت 6 شركات كبرى انسحابها من رعاية البرنامج كرد فعل سريع، بدأت أول من أمس بشركة مستحضرات التجميل «ألو إيفا» التي أعلنت في تدوينة لها بصفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»: «تعلن شركة ألو إيفا عن عدم مسؤوليتها عن محتوى أي من البرامج التي تقوم بإذاعة إعلاناتها على قنواتها، وبشأن برنامج صبايا الخير المثار الجدل حوله فقد قامت الشركة بوقف رعايتها للبرنامج». فيما سارعت شركة «فودافون» بنفي تهمة رعايتها للبرنامج عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعد تلقيها شكاوى واتصالات غاضبة من عملائها تطالبها بالتوقف عن رعاية البرنامج المثير للجدل. وفي الوقت نفسه حذف موقع «يوتيوب» مقطع الفيديو الخاص ببرنامج «صبايا الخير» الذي يعرض صور الفتاة. ودخل الإعلامي باسم يوسف على الخط معلنا بهاشتاج «#إعلانك_عندنا» أنه سيتكفل بالإعلان للشركات المنسحبة من برنامج ريهام سعيد، ومن ورائه آلاف المتابعين أيضا. كما تضامن الرأي العام مع مذيعة برنامج «90 دقيقة» إيمان الحصري التي أغلقت الهاتف أثناء مداخلة ريهام سعيد على الهواء.
كما قدم عدد من الحقوقيين بلاغات قضائية أمام المحاكم المصرية مطالبين بمحاكمة عاجلة لمقدمة البرنامج وقناة «النهار»، ووفقا لأحكام القضاء المصري فإن عقوبة التشهير والسب والقذف تقتضي الحبس ومصادرة الأجهزة التي تم استخدامها في هذه الأغراض.
وكانت الفتاة التي تم التشهير بها قد أعلنت في وسائل الإعلام أن المذيعة ريهام سعيد وفريق عمل البرنامج غافلوها وقاموا بسرقة صور تخصها من على هاتفها الجوال أثناء تركه لإعادة شحنه، في الوقت الذي كانت تسجل فيه مع مقدمة البرنامج، ثم حاولت الانسحاب من البرنامج وعدم التوقيع على ورقة تفيد بأنها موافقة على نشر ما تم تسجيله، وذلك في محاولة لابتزازها والتشهير بها. وكانت الفتاة قد عرضت مقطع فيديو حصلت عليه من كاميرات مراقبة المول الذي تمت الواقعة أمامه تظهر الشاب بعد توقفه أمام الفتاة وبعد حوار قصير دار لثوان، صفعها الشاب بقوة مرتين، بعدها تدخل رجال الأمن للقبض عليه. وتنظر قضيتها حاليا أمام النيابة المصرية وتم تحديد 7 نوفمبر (تشرين الثاني) للنظر في أولى جلسات القضية في انتظار للحكم على الشاب.
وقد أثارت قناة «النهار» غضب ملايين المصريين برفضها وقف البرنامج معلنة أن الصحافي خالد صلاح سوف يقوم بتقديمه بدلا عن ريهام سعيد. ودشن على موقع «فيسبوك» وحده أكثر من 10 حملات للمطالبة بمحاكمة ريهام سعيد جمعت كل حملة ملايين المؤيدين من بينهم حملة «مقاطعة الشركات المعلنة في البرنامج» فيما تصدر هاشتاج «#ريهام_ماتت» موقع «تويتر».
ولم تكن موجة الغضب الشعبية ضد ريهام سعيد وبرنامجها هي الأولى بل أثار البرنامج حفيظة قطاعات كبيرة من المشاهدين بسبب محتواه الذي يتعرض لقضايا الشرف والنسب والاغتصاب وعرضه لحوارات مع المجني عليهن من دون مواراة لوجوههن، كأبسط أخلاقيات العمل الإعلامي، وأيضا بسبب محتواه الذي يروج للدجل والشعوذة وسيطرة الجن على البشر ومحاولة «فبركة» أو تزوير قصص حول ذلك يكون عادة أبطالها من الأسر الفقيرة في الريف المصري. كما أثارت مؤخرا حلقتان من برنامج «صبايا الخير» عن «بيت دعارة» وأخرى عن «اللاجئين السوريين في مصر» سخطا واسعا حيث استنكرهما عدد كبير من المواطنين والإعلاميين من بينهم الإعلامي يسري فودة ما أدى إلى نشوب معركة افتراضية بين ريهام وفودة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)