يحاول المواطنون الروس التأقلم مع التغيرات التي طرأت على حياتهم نتيجة الأزمة الاقتصادية في البلاد. والأمر بالنسبة لهم لا يقتصر على التفكير في الأساسيات في حياتهم، بل ويسعون إلى الحفاظ على النمط المعتاد حتى في جوانب الرفاهية والتجميل، فيذهبون إلى ابتكار طرق للحصول حتى على المواد التجميلية والعطور التي تدفع الضائقة المالية إلى تخفيض الإنفاق عليها. ومع صدور دراسات حول إنفاق المواطن الروسي في عصر الأزمة تتحدث عن تراجع الإقبال على شراء العطور بنسبة 20 - 40 في المائة، برزت ظاهرة مثيرة لإعجاب والدهشة لدى المواطن الروسي الذي اعتاد على استخدام العطور ويرفض أن يضحي برفاهيته على مذبح الأزمات الاقتصادية والسياسية، حيث يسعى إلى إيجاد بديل عن تلك القوارير المزركشة التي تحمل الرائحة الطيبة بداخلها، لذلك لجأ إلى الإنترنت بحثا عن وصفات لتركيب العطور ضمن الظروف المنزلية.
هذا ما أكده محرك البحث «ياندكس» الذي أظهرت المراقبة فيه أن 30 في المائة من المستخدمين يبحثون بصورة رئيسية عن وصفات لتركيب مختلف أصناف وماركات العطور العالمية في المنزل. «الحاجة أم الاختراع» هي المثل الذي جعل أكثر من 35 ألف مستخدم لموقع «ياندكس» يدخلون إلى صفحات بعنوان «إعداد العطور بنفسك» ويتفرع البحث عن أصناف عطور للسيدات وأخرى للرجال، حسب جنس المستخدم.
لكن الخبراء في مجال صناعة العطور يقولون إن تصنيع أو تركيب عطر مثل «شانيل» غير ممكن ضمن ظروف منزلية، وتقول أكسانا تشيرنيشوفا رئيسة نقابة مصنعي وتجار العطور، إن من يحاولون تركيب العطور منزليا يستخدمون الكحول الذي يبتاعونه من الصيدليات، في الوقت الذي تُستخدم فيه أنواع مختلفة تماما من المركبات خلال تركيب هذه العطور في المختبرات، فضلا عن استخدام مصنعي العطور لمواد ومركبات غير متوفرة بمتناول يد الإنسان العادي، أي الذي لا يعمل في هذا المجال، مثل الألدهيديات التي يتم الحصول عليها مخبريًا.
ورغم هذا لا تنفي أكسانا الخبيرة في الصناعات التجميلية إمكانية تحضير العطور منزليا، لكنها تشير إلى أن المختصين في مجال العطور سرعان ما سيكتشفون أنه «عطر منزلي»، وتقول إن أسباب توسع هذه الظاهرة لا تعود حقيقة إلى الضائقة الاقتصادية، بقدر ما تكمن أسبابها في مستويات أخرى، ذلك أن الناس منهكون من مشاغل الحياة اليومية ويبحثون عن شيء يولد لديهم انطباعات وأحاسيس جديدة. وتتفق معها في هذا الجانب أناستاسيا ميلينتيفا، المخبرية الخبيرة في تصنيع العطور، وتضيف أسبابا أخرى تقف خلف ظاهرة ارتفاع نسبة الراغبين بتصنيع «العطور المنزلية»، فتشير إلى أن كثيرين يعانون من الحساسية اتجاه المستحضرات الكيميائية ويرغبون في الحصول على عطور ومواد تجميلية يتم تركيبها من مكونات طبيعية غير كيميائية.
أما السبب الأهم الذي يجمع الخبراء في مجال تجارة المواد التجميلية ومعهم الخبراء في تصنيع العطور أنه يقف خلف نمو ظاهرة «العطور المنزلية» فهو رغبة طبيعية لدى كل إنسان بالخصوصية، حيث تكون ماركات العطور المعروفة بمتناول أي شخص يملك القدرة على دفع ثمنها، بينما لن يتمكن أحد من امتلاك تلك التركيبة من العطور التي يجري إعدادها منزليا، وباعتماد مكونات خاصة يختارها كل شخص، وكل ذلك بمساعدة مصادر المعلومات المتوفرة على أنواعها حول صناعة تركيب العطور. إلا أن اللافت في هذا الشأن تناسب غريب بين نسبة الباحثين عن وصفات تركيب «العطور المنزلية»، أي من 20 - 40 في المائة، وتراجع حجم المبيعات من العطور في الأسواق الروسية خلال الفترة الزمنية ذاتها التي بلغت كذلك 20 - 40 في المائة، ما يعني أن الأمر على صلة بالاقتصاد بالدرجة الأولى، لكن لا مانع من استغلال الظرف لاكتساب خبرة جديدة تمنح بعض الخصوصية والمزيد من المشاعر الإيجابية، وكل هذا ضمن الانشغال بتركيب العطور لتخفيف الانشغال بالهموم اليومية الناجمة عن الأزمة الاقتصادية.
تركيب «العطور المنزلية» في روسيا إصرار على الرفاهية رغم الأزمة
لجأ البعض إلى الإنترنت بحثًا عن وصفات تركيب الأنواع العالمية
تركيب «العطور المنزلية» في روسيا إصرار على الرفاهية رغم الأزمة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة