«ألف طريقة لرؤية الأشياء».. مزاد يجمع بين الجمال والطرافة والتاريخ

مقعد وينستون تشرشل وإبريق شاي اللورد نيلسون ..من مجموعة جامع التحف ستانلي سيغار

جانب من المعروضات في مزاد «ألف طريقة لرؤية الأشياء» بدار سوذبي
جانب من المعروضات في مزاد «ألف طريقة لرؤية الأشياء» بدار سوذبي
TT

«ألف طريقة لرؤية الأشياء».. مزاد يجمع بين الجمال والطرافة والتاريخ

جانب من المعروضات في مزاد «ألف طريقة لرؤية الأشياء» بدار سوذبي
جانب من المعروضات في مزاد «ألف طريقة لرؤية الأشياء» بدار سوذبي

كهف علاء الدين أم صندوق العجائب؟ أي الوصفين يمكن إطلاقهما بسخاء على المعرض المقام في دار سوذبي بوسط لندن حاليا والذي يسبق المزاد الذي يقام يومي الأربعاء والخميس 5 - 6 مارس (آذار) الحالي. بداية، المزاد يحمل عنوانا يفسر لنا أشياء كثيرة، «ألف طريقة لرؤية الأشياء، المجموعة الخاصة لستانلي جي سيغار» (توفي في عام 2011)، ألف طريقة للرؤية وألف قطعة بالتمام تعرض على عدة قاعات في دار سوذبي.
الدهشة هي أول الانطباعات التي تتكون لدى معاينة القطع المتنوعة، فمن قاعة إلى أخرى يجد المرء نفسه مندهشا ومستمتعا في أغلب الأوقات بمشاهدة ذلك العدد ضخم من القطع الموضوعة أرضا أو على الحائط أو نجدها معلقة من السقف، ما بين القطع التي تعود إلى ما قبل الميلاد وقطع حديثة جدا ومن منحوتات بآلاف الجنيهات إلى قطع بسيطة بمئات الجنيهات.
يلخص لنا ديفيد مكدونالد خبير الدار الذي قام بفحص ومعاينة كل القطع الألف: «الشيء المثير في هذا المزاد هو أننا أمام مجموعة مقتنيات لواحد من أكبر المقتنين في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. في هذا المزاد ندخل إلى عالمه الخاص وإلى القطع التي شغلت حجرات منازله الـ15». يشير ماكدونالد إلى أن سيغار الذي ورث ثروة ضخمة عن والديه دأب على شراء وحدات العقار التاريخية وبعد إجراء الترميمات والإصلاحات عليها كان يمارس هوايته في شراء القطع الفنية والجمالية لتزيين العقار.
الجميل أنه كان يشتري كل ما يراه جميلا ولهذا تتنوع قطعه بشكل كبير: «كان يشتري أي قطعة إذا كانت جميلة وبها جانب طريف»، وكمثال يشير إلى بعض القطع في بداية المعرض: «هنا نرى طاولة زجاجية بقاعدة من البرونز من عمل الفنان دييغو جياكوميتي وإلى جانبها مجسم لسفينة نورماندي الفرنسية نعرف أنه علبة لحفظ البسكويت هناك أيضا 10 بيضات ديناصور متحجرة».

* في حجرة مجاورة نرى
كما ضخما من القطع تشغل جميع المساحات الفارغة أمامنا على الأرض وعلى الحوائط وفي السقف، أينما تنظر هناك قطعة من مجموعة سيغار، وقد يحتاج المهتمون إلى تخصيص أكثر من يوم لمعاينة جميع القطع. وبالنسبة لمن يريد استكشاف عالم أحد أشهر المقتنين في العالم فإن زيارة المعرض ستقدم فرصة لا يجب أن تفوت. ولتسهيل المهمة على الزائر وأيضا المشتري قامت الدار بتقسيم المجموعة إلى 12 قسما، منها قسم للأعمال الكلاسيكية، وآخر للأعمال المعاصرة والحديثة، ثم قسم عن الشرق والغرائب، وقسم آخر عن بريطانيا والتراث، وقسم عن القوة والسياسة وغير ذلك من التصنيفات.
أحد الأقسام حول الطعام والشراب يضم طاولات طعام ومقاعد، يبرز منها مقعد خشبي طويل يعود للقرن الـ18، وعدد كبير من اللافتات المعلقة كلها تعود لحانات ومطاعم، اللافتات عموما طريفة وترسم البسمة على وجه الزائر، فمن يفكر باقتناء لافتة على هيئة خروف أو سمكة تحمل اسم مطعم للسمك أو قبعة كانت فوق محل لصناعة القبعات، لا بد أن يمتلك حسا يستجيب للطرافة والجمال في أي مكان.
وإلى جانب القطع التي تستغني بجمالها وطرافتها عن القيمة التاريخية، هناك الكثير من القطع التي تحمل تاريخا يتعلق بشخصيات شهيرة، فمثلا نجد أمامنا مقعد رئيس الوزراء السابق وينستون تشرشل يعود إلى عام 1880 كان سيغار يدعو زوار منزله للجلوس عليه، وإبريق شاي كان ملكا للقائد البحري لورد نيلسون يعود إلى عام 1700 أيضا كان مستخدما في منزل سيغار، وبرواز من صنع الصائغ فابرجيه يحمل صورة قيصر روسيا الأخير نيكولاس الثاني.
هناك أيضا إبريق زجاجي صنع لسفينة التيتانك، كما نجد حاملا للقبعات كان ملكا لراقص الباليه الروسي رودولف نورييف. في أحد الأركان كرسي نسخة من كرسي توت عنخ آمون الذي وجد في مقبرته، يشير مكدونالد إلى أن الكرسي هو أحد نسختين طبق الأصل ويغلق «اشتري سيغار هذا الكرسي عندما كان في العاشرة من عمره، كان مع والدته ومرا بمحل أنتيكات يعرض الكرسي في نافذته، فما كان من الصبي إلا أن أشار إلى الكرسي قائلا (أريد شراء هذا)».
في نهاية الجولة يعلق ماكدونالد «كل واحدة من القطع الألف، التي تتناوب في سحرها وطرافتها، إما تقدم لنا لمحة تاريخية أو تحمل قصة ما».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».