مركبة فضائية تجمع عينات من الماء من أحد أقمار زحل

«ناسا» تجهز موقعًا لها لترسو فيه «تاكسي الفضاء»

تاكسي الفضاء
تاكسي الفضاء
TT

مركبة فضائية تجمع عينات من الماء من أحد أقمار زحل

تاكسي الفضاء
تاكسي الفضاء

قالت إدارة «ناسا» إن مركبة فضائية أميركية تستعد لأخذ عينات من ينابيع على قمر انسيلادوس الصغير الذي يدور في فلك كوكب زحل ينبعث منها الماء والجليد والمواد العضوية، في محاولة للوقوف على ما إذا كانت هذه المياه مؤشرا على وجود حياة على هذا الجرم الكوني.
وسيجري أخذ عينة صغيرة خلال مهمة المركبة التي ستغوص في هذه الينابيع وهي تقترب من القمر بسرعة 30600 كيلومتر في الساعة.
ويقول العلماء إن ذلك يكفي للرد على أسئلة مهمة عن قمر انسيلادوس الذي يوجد محيط على سطحه يختفي أسفل غطاء جليدي.
وقال كورت نيبور مدير برنامج «مهمة كاسيني» التابعة لـ«ناسا» إلى زحل: «إنها خطوة كبيرة للغاية في عصر جديد من استكشاف عالم المحيطات في مجموعتنا الشمسية... وهي أجرام ذات إمكانية كبيرة لتوفير واحات للحياة».
ولا تحتفظ هذه المركبة بمعدات كي ترصد بصورة مباشرة الحياة على هذا القمر، لكن العلماء يأملون في اكتشاف تفاصيل عن هذا المحيط الجوفي الذي يعتقد أنه مصدر هذا النبع المائي بينما يشك العلماء في أن قوى مد وجزر تجعل هذا المحيط يحتفظ بسيولة الماء في جوف القمر.
واكتشفت «مهمة كاسيني» هذه المياه الفوارة التي تنطلق من الينبوع والتي تندفع إلى الفضاء لارتفاع مئات الكيلومترات عام 2005، أي بعد عام من الوصول إلى زحل. وخلال مهام فضائية حول القمر انسيلادوس، وهو سادس أكبر أقمار زحل ويصل قطره إلى 500 كيلومتر، أكد العلماء أن هذا القمر يحتفظ بمحيط ملحي سائل أسفل قشرته الخارجية.
ويبلغ حجم زحل - وهو كوكب غازي يعتبر ثاني أكبر كواكب المجموعة الشمسية - مثل كوكب الأرض بنحو تسع مرات، وهو سادس أبعد كوكب عن الشمس بعد كواكب عطارد والزهرة والأرض والمريخ والمشترى. ويلي زحل كوكبا أورانوس ثم نبتون وأخيرا بلوتو الذي صنف على أنه كوكب قزم.
وخلال اقتراب المركبة من القمر انسيلادوس على مسافة 50 كيلومترا فوق المنطقة القطبية الجنوبية منه، يتعشم العلماء إجراء اختبارات كيميائية للمواد المنطلقة من الينابيع لتحديد ما إذا كان القمر يحتفظ بعيون مائية حرارية. وتنتهي «مهمة كاسيني» عام 2017.
وقال علماء في الآونة الأخيرة إن القمر ميماس الذي تكثر على سطحه الحفر ويدور حول الكوكب زحل قد يكون به محيط مدفون على عمق أميال تحت سطحه الجليدي مما يثير احتمال وجود موطن آخر صالح للحياة في المجموعة الشمسية. إلى ذلك، اختتم رائدا فضاء أميركيان مهمة سير في الفضاء خارج المحطة الفضائية الدولية تضمنت مهام للصيانة وإصلاح معدات كهربية، وذلك في إطار تجهيز مواقع بالمحطة ترسو فيها مركبات فضائية تجارية جديدة أو ما يطلق عليها «تاكسي الفضاء».
كان سكوت كيلي قائد المحطة وكيل ليندجرين مهندس الرحلات الجوية قد غادرا المحطة الساعة 30.‏8 صباحا بتوقيت شرق الولايات المتحدة (1230 بتوقيت غرينتش) في أول مهمة من نوعها بالنسبة إلى رائدي الفضاء.
وتهدف إدارة الطيران والفضاء الأميركية «ناسا» من وراء مهمة السير التي نفذت إلى تجهيز موقعين قبل نهاية العام الحالي لرسو والتحام مركبات فضائية جديدة «تاكسي الفضاء» تطورها شركتا بوينغ وسبيس إكسبلوريشن تكنولوجيز «سبيس إكس». لكن إقامة موقع الرسو الأول تعطل في أعقاب مهمة لسفينة الشحن دراغون التابعة لسبيس إكس في يونيو (حزيران) الماضي.
وقال كينيث تود مدير العمليات المتكاملة بالمحطة للصحافيين الأسبوع الماضي: «لم نتمكن من إتمام كل ما نسعى إليه». وقال تود إن «ناسا» تتوقع تجهيز موقعي الرسو قبل أن تبدأ بوينغ وسبيس إكس في تسيير رحلات تجريبية لكبسولاتها المأهولة عام 2017.
واستفاد رائدا الفضاء من آخر مهمة للسير للفضاء أجرتها ناسا منذ نحو ثمانية أشهر وقاما بتركيب كابلات للكهرباء وأخرى للمعلومات على الجسم الخارجي للمحطة، حسب «رويترز».
وقال تود إن من المتوقع وصول أول معدات للرسو على المحطة الفضائية في مستهل عام 2016، بينما تسعى «ناسا» لتجهيز معدات بديلة لتلك التي فقدت في يونيو الماضي بحلول أبريل (نيسان) عام 2017.
وقام الرائدان أيضًا بتشحيم الذراع الآلية للمحطة وتركيب غطاء حراري لجهاز المطياف المغناطيسي لرصد الجزيئات، وهي تجربة دولية تكلفت نحو ملياري دولار على المحطة بهدف إلقاء مزيد من الضوء على المادة المعتمة والأشعة الكونية وظواهر الجسيمات الفلكية الأخرى ذات السرعات الفائقة.
ومن المتوقع أن يقوم الرائدان بمهمة أخرى في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل لإصلاح جهاز التبريد الخاص بالمحطة. ومحطة الفضاء الدولية التي تشارك في ملكيتها 15 دولة مختبر بحثي تكلف مائة مليار دولار يطير على ارتفاع 418 كيلومترا فوق الأرض، ومن المتوقع أن تظل تعمل حتى عام 2024.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».