لماذا يذكرنا خروج راف سيمونز من دار «ديور» بتجربة جون غاليانو؟

الضغوط وإيقاع الموضة المتسارع يؤثر على الإبداع

لماذا يذكرنا خروج راف سيمونز من دار «ديور» بتجربة جون غاليانو؟
TT

لماذا يذكرنا خروج راف سيمونز من دار «ديور» بتجربة جون غاليانو؟

لماذا يذكرنا خروج راف سيمونز من دار «ديور» بتجربة جون غاليانو؟

الفرق بين خروج البلجيكي راف سيمونز وخروج جون غاليانو من دار «ديور»، أن الأول خرج بقراره الخاص، بينما الثاني خرج مطرودا ومغضوبا عليه. لكن مع ذلك، هنا وجه تشابه واحد على الأقل بينهما وهو ضغوط العمل في دار كبيرة تتطلب التفرغ التام لها إلى حد تناسي الذات. وفي بعض الحالات يتطلب هذا التفاني الاستعانة بمنشطات، على اختلاف أنواعها، للتغلب على الضغوط، كما هو الحال بالنسبة لغاليانو، الذي أفرط في تعاطي الكحول الأمر الذي تسبب في سقوطه.
راف سيمونز، في المقابل، خرج مرفوع الرأس، فقد حقق نجاحا كبيرا للدار منذ أن التحق بها في عام 2012، ورغم شكوك البعض في رومانسيته ومدى مناسبته لها، فإن هذه الشكوك قد تلاشت بعد أن أطلق العنان لخياله، وعبر عن رومانسية معاصرة، دائما بالورود التي تعتبر واحدة من أهم رموز الدار الفرنسية. لكن كأي دار أزياء كبيرة فإن «ديور» لا تكتفي بنجاح تشكيلة واحدة في موسم معين، والأمر بالنسبة لها وللموضة عموما مثل الطاحونة: لا تتوقف عن الدوران. ففي شهر يناير (كانون الثاني) على المصمم أن يقدم عرضا خاصا بخط الـ«هوت كوتير» للربيع والصيف، وفي مارس (آذار) عرض الأزياء الجاهزة، وفي شهر مايو (أيار) عرض خط الـ«كروز»، وفي يوليو (تموز)، عرض الـ«هوت كوتير» للخريف والشتاء، وفي سبتمبر (أيلول) عرض الأزياء الجاهزة مرة أخرى، وفي نوفمبر (تشرين الثاني) عرض خط الـ«ريزورت». وهكذا بعد أن كان السيد كريستيان ديور وأبناء جيله يقدمون تشكيلتين في العام، أصبح لزاما على المصممين الشباب تقديم ما لا يقل عن ست أو ثمان تشكيلات حتى يتمكنوا من مواكبة متطلبات السوق. فإيقاع الحياة منذ أربعينات القرن الماضي إلى الآن تسارع بشكل مخيف، ومعه تسارع إيقاع الموضة والدور المناط بالمصمم.
وهذا ما سلط عليه جون غاليانو الضوء عند محاكمته، وجعل كثيرا منا يتعاطفون معه، وهذا ما نستنتجه من قرار راف سيمونز أيضا. كان مهما بالنسبة لسيمونز أن يعرف الناس بأن القرار كان قراره وكان نابعا من رغبته الخاصة. فبعد ثلاث سنوات ونصف، اكتفى بالتجربة الناجحة والانسحاب وهو في قمة نجاحه، بهدف التركيز على داره الخاصة، وربما على هوايات لم يعد يسعفه الوقت بممارستها والاستمتاع به مثلما كان الأمر عندما كان مصمما صاعدا أو يعمل في دار «جيل ساندر». حينها ربما كان له وقت أكبر للإبداع والتفكير واختبار هذه الأفكار قبل طرحها. ما يُحسب لراف سيمونز البالغ من العمر 47 عاما أنه استطاع أن يأخذ القرار الصعب في وقت وجيز، ثلاث سنوات ونصف فقط رغم إغراءات النجاح والعمل مع دار بحجم «ديور» تتوفر لها ورشات خاصة وأنامل ناعمة متمرسة في صنع أجمل الفساتين وأكثرها رومانسية، وهو ما نستشفه من تصريحه: «بعد تفكير طويل قررت أن أترك وظيفتي مديرا إبداعيا في دار (ديور).. الدافع هو رغبتي الخاصة في أن أركز على اهتمامات أخرى في حياتي، بما في ذلك خطي الخاص. كريستيان ديور، شركة مدهشة، وكان لي الشرف أن تسمح لي أن أكتب بضع صفحات في كتابها العظيم، وأنا شاكر لها وللفريق الذي لم أكن أحلم بالعمل مع مثله من قبل».
فقد يكون ترف الزبائن هو المنتجات التي يقترحها لنا المصممون في كل موسم، إلا أن ما نفهمه من قرار راف سيمونز، أن الترف الأول والأخير بالنسبة لأي مصمم يبقى الوقت، لا سيما إذا كان مبدعا ويهتم بالجانب الفني أكثر من الجانب التجاري. ففي هذه الحالة يصبح الوقت سيفا بحد واحد. ويزيد هذا السيف حدة عندما يعملون تحت جناح مجموعة كبيرة، مثل «كيرينغ» أو «إل في آم آش»، تهتم في آخر السنة بالأرقام أكثر من أي شيء آخر.
«ديور» تشهد لسيمونز بالنجاح وبأنه استطاع أن يحقق لها الأرباح في فترة وجيزة. فقبل إعلان انسحابه بوقت وجيز، أعلنت ارتفاعا في أرباحها بنسبة 18 في المائة، أي ما يعادل 1.94 مليار دولار أميركي، إضافة إلى أنه جعل الـ«هوت كوتير» التي كانت تعتبر مجرد «بريستيج» لتلميع صورتها أكثر منها وسيلة لجني الربح، تحقق مبيعات عالية بعد أن استقطبت زبونات شابات من الأسواق النامية استهوهن أسلوبه العصري الذي أنزل أزياء هذا الخط من برجه العالي. قام بكل هذا من دون أن يتجاهل إرث الدار وجيناتها المتمثلة في الفساتين الرومانسية والجاكيت المحدد عند الخصر، وطبعا الورود التي ركز عليها خصوصا في الديكورات. ففي الموسم الأول له في الدار استعمل مليون وردة لتغطية جدران قاعات أطلق على كل واحدة منها اسم اللون الذي استعمل فيها.
من سيخلفه في «ديور»؟ هو السؤال المطروح حاليا. فبينما هناك أسماء كثيرة تتداولها الإشاعات، إلا أن الدار ستأخذ وقتها للبحث عن مصمم مناسب يستطيع أن يحمل ثقل إرثها بسهولة. فقد استغرقتها العملية بعد خروج جون غاليانو في عام 2011 أكثر من عام، وبالتالي فهي مستعدة أن تأخذ وقتها وعدم التسرع هذه المرة أيضا.
بالنسبة لراف سيمونز، فلن يستطيع الالتحاق بأي دار أزياء نسائية أخرى إلا بعد سنة تقريبا، حسب المتعارف عليه، وهو ما سيسمح له بالتقاط أنفاسه والتركيز على خطه الرجالي الخاص. فأوساط الموضة تشهد له بأنه واحد من أهم مصممي الأزياء الرجالية في العقود الأخيرة، إلى جانب هادي سليمان، مصمم دار «ديور أم» سابقا و«سان لوران» حاليا، لما يتميز به أسلوبه من ابتكار وتميز. وليس معروفا حتى الآن ما إذا كان عمله مع «ديور» قد فتح شهيته لإطلاق خط نسائي يحمل اسمه أم لا في المستقبل. في كل الأحوال فإن القصة لم تنته بعد ولا يزال التشويق مستمرا.



غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
TT

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره ومستقبله. ولحد الآن لا يُحدد المصمم هذا المستقبل. لكن المؤكد أنه ضاعف مبيعات «سيلين» خلال الست سنوات التي قضاها فيها مديراً إبداعياً. غادرها وهي قوية ومخلفاً إرثاً لا يستهان به، يتمثل في تأسيسه قسماً جديداً للعطور ومستحضرات التجميل. فهو لم يكن يعتبر نفسه مسؤولاً عن ابتكار الأزياء والإكسسوارات فحسب، بل مسؤولاً على تجميل صورتها من كل الزوايا، ومن ثم تحسين أدائها.

العطور ومستحضرات التجميل جزء من الحياة ولا يمكن تجاهلهما وفق هادي سليمان (سيلين)

نجح وفق تقديرات المحللين في رفع إيراداتها من 850 مليون دولار حين تسلمها في عام 2018، إلى ما يقرب من 3.27 مليار دولار عندما غادرها. الفضل يعود إلى أسلوبه الرشيق المتراقص على نغمات الروك أند رول من جهة، وإدخاله تغييرات مهمة على «لوغو» الدار وإكسسواراتها من جهة أخرى. هذا عدا عن اقتحامه مجالات أخرى باتت جزءاً لا يتجزأ من الحياة المترفة تعكس روح «سيلين» الباريسية، مثل التجميل واللياقة البدنية.

اجتهد في رسم جمال الدار في عام 2023 وكأنه كان يعرف أن الوقت من ذهب (سيلين)

بعد عام تقريباً من تسلمه مقاليد «سيلين» بدأ يفكر في التوسع لعالم الجمال. طرح فعلاً مجموعة من العطور المتخصصة استوحاها من تجاربه الخاصة والأماكن التي عاش أو عمل فيها. استعمل فيها مكونات مترفة، ما ساهم في نجاحها. هذا النجاح شجعه على تقديم المزيد من المنتجات الأخرى، منها ما يتعلق برياضة الـ«بيلاتيس» زينها بـ«لوغو» الدار.

يعمل هادي سليمان على إرساء أسلوب حياة يحمل بصماته ونظرته للجمال (سيلين)

مستحضرات التجميل كان لها جُزء كبير في خطته. كان لا بد بالنسبة له أن ترافق عطوره منتجات للعناية بالبشرة والجسم تُعزز رائحتها وتأثيرها. هنا أيضاً حرص أن تشمل كل جزئية في هذا المجال، من صابون معطر يحمل رائحة الدار وكريمات ترطيب وتغذية إلى بخاخ عطري للشعر وهلم جرا.

في عام 2019 طرح مجموعة عطور متخصصة أتبعها بمنتجات للعناية بالبشرة والجسم (سيلين)

كانت هذه المنتجات البداية فقط بالنسبة له، لأنه سرعان ما أتبعها بمستحضرات ماكياج وكأنه كان يعرف أن وقته في الدار قصير. كان أول الغيث منها أحمر شفاه، قدمته الدار خلال أسبوع باريس الأخير. من بين ميزاته أنه أحمر شفاه يرطب ويلون لساعات من دون أن يتزحزح من مكانه. فهو هنا يراعي ظروف امرأة لها نشاطات متعددة وليس لديها الوقت الكافي لتجدده في كل ساعة.

بدأ بأحمر شفاه واحد حتى يجس نبض الشعر ويُتقن باقي الألوان لتليق باسم «سيلين» (سيلين)

حتى يأتي بالجودة المطلوبة، لم تتسرع الدار في طرح كل الألوان مرة واحدة. اكتفت بواحد هو Rouge Triomphe «روج تريومف» على أن تُتبعه بـ15 درجات ألوان أخرى تناسب كل البشرات بحلول 2025 إضافة إلى ماسكارا وأقلام كحل وبودرة وظلال خدود وغيرها. السؤال الآن هو هل ستبقى الصورة التي رسمها هادي سليمان لامرأة «سيلين» وأرسى بها أسلوب حياة متكامل يحمل نظرته للجمال، ستبقى راسخة أم أن خليفته، مايكل رايدر، سيعمل على تغييرها لكي يضع بصمته الخاصة. في كل الأحوال فإن الأسس موجودة ولن يصعب عليه ذلك.