ميخائيل بوغدانوف مبعوث {الضرورة}

من هو رجل الكرملين الخاص في الشرق الأوسط؟

ميخائيل بوغدانوف مبعوث {الضرورة}
TT

ميخائيل بوغدانوف مبعوث {الضرورة}

ميخائيل بوغدانوف مبعوث {الضرورة}

المعارف والخبرات التي تراكمت على مدى عشرات السنين تحدد كثيرا من ملامح شخصية ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي المولج ملفات الشرق الأوسط وموفد الكرملين إلى المنطقة. وحسب المقربين منه والمعجبين بكفاءاته، تكشف الجولات المكوكية التي يواصل القيام بها في مختلف العواصم الأوروبية والعربية في إطار مهمته مبعوثا شخصيا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عن تفرّد واضح، وقدرات فائقة على الإمساك بكل تلابيب المشكلات التي كانت ولا تزال تؤرق العالم، ومنها ما يهدد بالانفجار. ويقولون إن بوغدانوف لطالما سار على حد السيف لدى محاولات تقريب المواقف انطلاقا من دراسات مستفيضة وإلمام بكل جوانب القضايا موضع البحث، وإدراكا وتداركا لطبيعة الحسابات والتقديرات.
تسلط «الشرق الأوسط» الضوء اليوم على شخصية ميخائيل بوغدانوف، الرجل الذي يتابع أولاً بأول قضايا الشرق الأوسط في العاصمة الروسية موسكو، بصفته نائب وزير الخارجية الروسي المولج إدارة ملفات الشرق الأوسط، والمبعوث الشخصي للرئيس فلاديمير بوتين إلى المنطقة.
بوغدانوف سياسي ودبلوماسي من مدرسة الدبلوماسيين الذين يقرأون الماضي ليستشرفوا منه أبعاد المستقبل، معتمدين على مؤهلات مهنية رفيعة، وملكات فطرية، ومعايشة طالت لسنوات مع قيادات كثير من البلدان العربية، واستطاع عبر السنين كسب ثقتها واحترامها بفضل إجادته اللغة العربية وإلمامه بالثقافة العربية وعادات شعوب المنطقة وتقاليدها.
قدرة ميخائيل بوغدانوف، تدعمها سيرته الذاتية، فقادته إلى واحد من أبرز المؤسسات التعليمية السياسية في روسيا، ألا وهو «معهد العلاقات الدولية» التابع لوزارة الخارجية السوفياتية، في نهاية ستينات القرن الماضي. وهناك عرف وزامل عددًا من أشهر الخبرات الدبلوماسية؛ منهم سيرغي لافروف وزير الخارجية و«عميد» الدبلوماسية الروسية، وكوكبة أخرى من أبرز رجال الدولة والسياسة في روسيا وخارجها.
وما يجدر ذكره أن الرئيس الروسي بوتين عندما تولى مقاليد الحكم قصر مهمته في البداية على منطقة الشرق الأوسط وبلدانها العربية، لكنه سرعان ما ضم إليها أفريقيا بكل مشكلاتها وقضاياها، وهي مهام معقدة تنوء بحملها الجبال. ولعل الرئيس الروسي كان يدرك أن بوغدانوف خير من يضطلع بها، لا سيما أنه خبره جيدًا من خلال متابعة مسيرته قبل أن يقع عليه خيار لافروف، زميل الدراسة وصديق العمر، في عام 2011 لتولي منصب نائب وزير الخارجية المسؤول عن ملف البلدان العربية.

السيرة الشخصية
ولد ميخائيل بوغدانوف في موسكو لعائلة جنرال سوفياتي في 2 مارس (آذار) 1952، وتخرج عام 1974 في «معهد العلاقات الدولية» في موسكو الذي فجر كثيرا من طاقاته. ومن الطريف الذي نجده في سيرة بوغدانوف نشاطه الاجتماعي والرياضي خلال سنوات دراسته في هذا المعهد؛ إذ كان قائدا لفريق منتخب المعهد لكرة السلة، مما يفسر ولعه بمتابعة هذه اللعبة. كذلك كان سنوات فتوته لاعبًا محترفًا في فريق نادي لوكوموتيف في العاصمة موسكو. غير أن مسيرته مع الرياضة انتهت، عند اختياره السير على طريق العمل الدبلوماسي، وإن كان نقل معه إلى مجال الدبلوماسية.. كل المهارات الدقيقة للاعب كرة السلة المحترف.

البداية من اليمن.. ثم لبنان
واستهل بوغدانوف حياته العملية في وزارة الخارجية السوفياتية – قبل انهيار الاتحاد السوفياتي، طبعًا – من أولى درجات السلم الدبلوماسي عبر العمل ضمن جهاز سفارة بلاده في اليمن. وفي اليمن أمضى ثلاث سنوات جاب فيها البلاد من أقصاها إلى أقصاها، وتعرف على كثير من زعماء قبائلها وقياداتها السياسية والحزبية، تسنده إجادته الرفيعة للغتين العربية والإنجليزية، ويفتح له الأبواب إلمامه بجانب كبير من تاريخه، وهو ما يساعده اليوم في حواره مع مختلف أطراف الأزمة الراهنة ولقاءاته المتكرّرة مع الوفود اليمنية من الحكومة ومناوئيها بكل أطيافهم.
ومن جنوب الجزيرة العربية، انتقل بوغدانوف إلى شاطئ المتوسط للعمل في سفارة الاتحاد السوفياتي في العاصمة اللبنانية بيروت عام 1977، في أوج احتدام الحرب الأهلية، مما كان فرصة جديدة للإلمام بكل جوانب المشكلة اللبنانية. وإلى أن حان موعد عودته إلى جهاز الخارجية السوفياتية في موسكو، كان الاتحاد السوفياتي السابق أخذ يعيش بدايات مرحلة جديدة خطيرة واجهت فيها موسكو مشكلات «الغزو السوفياتي» لأفغانستان وتبعاته. ولمّا كان بوغدانوف ابن جنرال - كما سبقت الإشارة - فلنتوقف برهة هنا لنشير إلى أن «بوغدانوف الأب» ليس إلا الجنرال ليونيد بوغدانوف، الضابط الكبير الذي كان كانت قد أسندت إليه في حينها مهمة الإشراف على ممثلية جهاز أمن الدولة (كي جي بي)، في أفغانستان منذ 1978. ولعل هذا ما قد يكون وراء اهتمام الابن، الذي كان لا يزال دبلوماسيًا فتيًا، بمشكلات العصر وقضايا المنطقة في تلك الحقبة البالغة الحساسية.

8 سنوات «سوريا»
وحقًا، لم يمض وقت طويل حتى عاد ميخائيل بوغدانوف ثانية إلى «بلاد الشام»، ولكن هذه المرة مبعوثًا دبلوماسيًا في سفارة الاتحاد السوفياتي في العاصمة السورية دمشق لفترتين متواليتين؛ الأولى من 1983 - 1989، والثانية من 1991 - 1994. ولعل هذا ما يفسر اليوم الدور المؤثر الذي يلعبه في بحث ومتابعة تفاصيل الموقف والأحداث الجارية في سوريا.. ذلك أنه لما لا يقل عن ثماني سنوات ارتبط بعلاقات شخصية وثيقة مع أبرز نجوم الساحة السياسية الرسمية والحزبية والأوساط الاجتماعية والدينية في كل من سوريا ولبنان، ولم تنقطع علاقاته بها منذ وطأت قدماه أرض ذلك الجزء من المشرق العربي في منتصف سبعينات القرن الماضي وحتى اليوم.
وبعد ذلك، مع ارتقائه سلم المسؤوليات، قيّض له أن يعود إلى جهاز الخارجية الروسية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ليرأس لمدة سنتين متواليتين أحد أقسام إدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومن ثم يتولى لأول مرة منصب سفير. ولعل خبرته العميقة بقضايا المنطقة المتشابكة المعقدة، من أهم ما شجّع القيادة الروسية على تعيينه سفيرًا لدى إسرائيل.
والحقيقة أن ميخائيل بوغدانوف لم يكن مقيدًا بحساسيات العمل في دولة مثل إسرائيل، وهي التي كانت شهدت آنذاك تدفقا غير مسبوق لهجرة اليهود من مواطني روسيا وبلدان الاتحاد السوفياتي السابق وانخراط كثرة منهم في عالم السياسة الإسرائيلية الذي ولجوه من أوسع أبوابه؛ إذ شكل هؤلاء حزبهم «إسرائيل بيتنا» بزعامة ناتان شارانسكي، المنشق اليهودي السوفياتي السابق الذي شغل كثيرا من المناصب الوزارية في إسرائيل، ومعه كثيرون من وجوه تلك الحقبة، مثل أفيغدور ليبرمان، وزير الخارجية الإسرائيلي الحالي، الذي كان هاجر من مولدوفا (مولدافيا) السوفياتية السابقة.

التجربة المصرية
ومن إسرائيل عاد بوغدانوف إلى موسكو مرة أخرى ليرأس إدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في عام 2002، في توقيت مواكب لبدايات الولاية الرئاسية الأولى لفلاديمير بوتين. وفعلاً، ما إن تولى سيرغي لافروف، صديق بوغدانوف ورفيق عمره وزميل دراسته، منصب وزير الخارجية عام 2004 حتى استقر عليه خياره لإيفاده عام 2005 إلى القاهرة سفيرًا لروسيا لدى مصر، وأول مبعوث لروسيا لدى الجامعة العربية. وفي القاهرة، صال بوغدانوف وجال، وارتبط بعلاقات نسجها بكل حذق وبراعة مع نجوم المجتمع وقيادات الدولة ورموز مصر الأدبية والثقافية والفنية، ناهيك بعلاقاته الوثيقة من كبار رجال الاقتصاد والصناعة في مصر والمنطقة.
ومن ثم انطلق في شتى الاتجاهات، نجمًا متميزًا بين أقرانه من قادة السلك الدبلوماسي الأجنبي، بما يكفل لروسيا استعادة مكانتها المرموقة السابقة، التي كان أصابها بعض الاهتزاز إبان سنوات حكم الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسن في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي السابق. ولم يكتف بوغدانوف بذلك، بل ألحق ابنه الوحيد بافيل بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة. ومن واقع متابعته دراسة ابنه الجامعية في القاهرة، أتيحت الفرصة للسفير المحنك للإلمام أيضًا بأجواء الأوساط الشبابية والميول الطلابية، وبالمناهج التعليمية والجامعية لتكتمل الصورة لديه تعززها رؤيته الثاقبة وتجربته العميقة.
وسرعان ما ابتسم له القدر حين كان مع ألكسندر سلطانوف - مبعوث بوتين آنذاك - آخر من التقى الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في 10 فبراير (شباط) بعد اندلاع ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011. ولا نستطيع في هذا المجال فض مكنون ذلك اللقاء، أو الإلمام بتفاصيل ما جرى آنذاك خلف الأبواب المغلقة التي أوصدت دون أي من المصريين حتى من مساعدي الرئيس وجهاز حكمه.
إذن كان ميخائيل بوغدانوف على مقربة من أجواء «25 يناير»، بل ونزل مع صديقه لافروف وزير الخارجية الروسي إلى ميدان التحرير في مارس. ومن ثم تيسر له إعداد لقاء حضره لافروف مع «كوكبة» من القيادات الشبابية لهذه الثورة في مقر إقامته على ضفاف النيل لمحاولة الإلمام بما لا يزال الغموض يكتنف كثيرا من جوانبه. ولذا لم يكن غريبًا أن يكون مرجعًا لمن غمضت عليه في موسكو وخارجها بعض أطياف الصورة.
باختصار شديد؛ ليست منطقة الشرق الأوسط بالنسبة لميخائيل بوغدانوف «سرًا مدفونًا وراء أقفال سبعة» كما يقال. وننقل على لسانه ما يلي بهذا الشأن: «لقد عكفت على دراسة شؤون هذه المنطقة منذ سبعينات القرن الماضي. كما أنني قبل تولي منصب سفير روسيا لدى إسرائيل، شغلت منصب رئيس قسم إسرائيل وفلسطين في عام 1989، وهو القسم الذي أسس لأول مرة لدى إدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا». ومن اللافت أن هذه الإدارة كان يترأسها آنذاك غينادي تاراسوف، الذي اختاره وزير الخارجية السوفياتي – آنذاك إدوارد شيفارنادزه – ليكون أول سفير للاتحاد السوفياتي لدى السعودية بعد إعادة العلاقات الدبلوماسية معها في عام 1990.
ومن الطريف في هذا الشأن أن تاراسوف، الذي عاد إلى موسكو بعد انتهاء مهمته في الرياض ليرأس إدارة الصحافة والإعلام ويغدو المتحدث الرسمي باسم الخارجية الروسية، أوفدته موسكو ليكون بديلا لبوغدانوف لدى إسرائيل بعد انتهاء مهمة الأخير هناك في عام 2002.
عودة إلى ميخائيل بوغدانوف، لنشير إلى أن السفراء العرب في موسكو سعدوا كثيرًا بعدما ذاع نبأ عودته إلى جهاز الخارجية الروسية، وذلك لأنه كان ولا يزال قريبًا إلى الجميع؛ إذ لم يكن يتاح لكثيرين منهم التردد على الطابق الخامس في مبنى الخارجية الروسية حيث مكتب نائب الوزير المسؤول عن العلاقات مع الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
كذلك اتسمت علاقة بوغدانوف بعدد من الصحافيين بـ«صداقة شخصية» امتدت في بعض الحالات لسنوات طويلة خلت. وفي شهادة لأحد كبار المراسلين العرب في موسكو عن بوغدانوف، قال: «لم يبخل علينا يوما بمعلومة أو إجابة عن تساؤل أو سؤال. لقد كان ولا يزال دوما في متناول الأسئلة والتساؤلات، واللقاءات إذا أتاح له جدول حِلّه وترحاله ذلك. وأستطيع أن أجزم أن بوغدانوف يبدو، بما يملكه من خصال رائعة فضلاً عن موضوعية الدبلوماسي القدير والخبير بشؤون المنطقة وناسها، الشخص المؤهل ليشغل في العقول والقلوب مكانة ذلك الذي رحل عنا بالأمس القريب، يفغيني بريماكوف، أفضل من خبر قضايانا ومنطقتنا على مدى عشرات السنين».
وفي الواقع، يتمتع بوغدانوف بثقافة موسوعية مدهشة، وذاكرة تتسع لأدق التفاصيل؛ فهو على سبيل المثال، يعرف مختلف أسماء قادة وقياديي التنظيمات والفصائل المتناحرة في المنطقة العربية، في سوريا ولبنان واليمن وإسرائيل، وكذلك في إيران وأفغانستان وتركيًا، ولديه إلمام يستحق الإعجاب بكل مسألة عايشها واطلع على تفاصيلها واهتم بمتابعتها على امتداد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو ما جعله يحتفظ بمكانة متميزة بين أجيال الدبلوماسيين والمستعربين سواء كانوا من روسيا أو غيرها من البلدان، أسهمت فيها أيضًا مرونته وموضوعيته، وهو ما تؤكده جولاته المكوكية في المنطقة العربية والقارة الأفريقية فضلا عن إيران وأفغانستان. وختاما قد لا يليق بهذا الدبلوماسي لقبًا أصدق من اللقب الذي أطلقه عليه أحد عارفيه ومتابعي مسيرته.. وهو: «المبعوث الضرورة في السياق المناسب».



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.