انطلاق مهرجان الموسيقى العربية بالقاهرة بمشاركة 60 مطربًا وعازفًا عربيًا

تحييه سميرة سعيد وبلقيس وصابر الرباعي وهاني شاكر ومحمد عساف

ملصق مهرجان الموسيقى العربية الـ24
ملصق مهرجان الموسيقى العربية الـ24
TT

انطلاق مهرجان الموسيقى العربية بالقاهرة بمشاركة 60 مطربًا وعازفًا عربيًا

ملصق مهرجان الموسيقى العربية الـ24
ملصق مهرجان الموسيقى العربية الـ24

تحت شعار «الأغنية العربية.. جدلية الموسيقى والشعر»، ينطلق مهرجان الموسيقى العربية بدار الأوبرا المصرية بالقاهرة في دورته الرابعة والعشرين، في الفترة من 1 إلى 9 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، كأكبر تظاهرة فنية غنائية بمشاركة 60 مطربا وعازفا عربيا و13 فرقة موسيقية من 8 دول؛ مهديا دورته لـ«الخال» شاعر العامية المصري الشهير عبد الرحمن الأبنودي، الذي رحل عن عالمنا أبريل (نيسان) الماضي عن عمر يناهز 77 عاما.
يفتتح المهرجان باستعراض غنائي بعنوان «احكي يا خال» يروي مشوار حياة الأبنودي من خلال أعماله التي أثرت الساحة الفنية في مصر والوطن العربي. رئيسة دار الأوبرا المصرية ورئيسة المهرجان، د. إيناس عبد الدايم علقت على المهرجان: «يشارك في المهرجان هذا العام نخبة من ألمع نجوم الطرب في العالم العربي من المشرق إلى المغرب، منهم: العراقي سعدون جابر، والمغربيان سميرة سعيد وفؤاد زبادي والسوري صفوان بهلوان واللبنانية فادية الحاج والتونسيان صابر الرباعي ومنيرة حمدي، واليمنيان أحمد فتحي وبلقيس، والفلسطيني محمد عساف والبحريني حسين أثيري. كما يشارك من مصر أصوات مميزة ولها مكانتها في العالم العربي، ومنهم: أنغام ومحمد محسن وعلي الحجار ومحمد الحلو وهاني شاكر ورامي صبري ومروة ناجي.
وأكدت أن هدف المهرجان محاربة الابتذال الفني والحفاظ على التراث والهوية الموسيقية المصرية والعربية وتعريف الأجيال القادمة بأهمية الإرث الموسيقي والفني العربي، وهو ما حرصت عليه اللجنة التحضيرية للمؤتمر التي تضم الموسيقار حلمي بكر مقرر اللجنة، والمطربة عفاف راضي، والملحن صلاح الشرنوبي، سامي الحفناوي، والشاعر سيد حجاب، والملحن زياد كمال الطويل، مها عجلان، محسن فاروق، وامجد العطافي.
وأعلنت عبد الدايم أن المهرجان سيكرم 16 ممن أثروا الحياة الفنية، تأليفا وتلحينا، ومنهم: الموسيقي الفلسطيني نبيل عزام والعراقي سعدون جابر والمغربية سميرة سعيد، ومن المصريين الملحن صلاح الشرنوبي، وعازف الكمان حازم القصبجي، وعازفة القانون مها العربي، والإعلامي فهمي عمر، وفنان الخط العربي مصطفى عبد الرحيم.
يستمر المهرجان على مدار عشرة أيام، يشهد خلالها إحياء 23 حفلا وتقام عروض المهرجان في معهد الموسيقى العربية بالقاهرة ومسارح دار الأوبرا المصرية بالقاهرة والإسكندرية ودمنهور. وتطلق الفنانة الكبيرة سميرة سعيد ألبومها الجديد «عايزه أعيش» في أولى حفلات المهرجان على المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية بالقاهرة، والذي يضم 12 أغنية جديدة ويأتي بعد آخر ألبوم لها «أيام حياتي»، الذي طرح عام 2008.
وقالت مديرة المهرجان جيهان مرسي، إن الدورة الجديدة ستحمل اسم الأبنودي تقديرا لدوره المؤثر في الحياة الفنية والثقافية في مصر والوطن العربي، حيث ترك تراثا غنائيا يزيد على 700 أغنية لكثير من عمالقة الطرب في العالم العربي، مثل: وردة الجزائرية وماجدة الرومي وصباح، ومن المصريين: شادية ونجاة وعبد الحليم حافظ ومحمد رشدي ومحمد منير. ويقام ضمن فعاليات المؤتمر المصاحب للمهرجان يوميا في العاشرة صباحا على المسرح الصغير بدار الأوبرا بالقاهرة، عدة حلقات نقاشية بمشاركة 35 باحثا، تتناول أبرز القضايا في عالم الفن والموسيقى والأغنية العربية، حيث سيناقش تحت عنوان «عبد الرحمن الأبنودي والأغنية المصرية»؛ قضايا محورية، هي: «الموسيقى وشعر الفصحى وشعر العامية»، و«الموسيقى والشعر في أغنية الطفل العربي»، و«المأثورات الشعبية والأغنية في البلاد العربية»، و«المسرح الغنائي العربي».
كما تتضمن الفعاليات مسابقة للشباب من 17 إلى 35 عاما في العزف على آلات التخت الشرقي؛ القانون والعود والناي والكمان والرق. ومسابقة في الغناء العربي القديم والمعاصر حيث يؤدي المتسابق أغنية تراثية وأخرى من اختياره. وتبلغ الجوائز 22 ألف جنيه مصري لثلاثة فائزين. كما تقام مسابقة مماثلة لها للأطفال من 6 إلى 14 عاما تبلغ جوائزها 10 آلاف جنيه مصري لثلاثة فائزين. وسوف يشارك الفائز الأول من الشباب والأطفال في حفل ختام المهرجان على المسرح الكبير بدار الأوبرا بالقاهرة.
هذا وتتضمن الفعاليات الفنية أيضا معرضين لفنون الخط العربي؛ الأول بقاعة صلاح طاهر للفنون التشكيلية ويضم إبداعات الفنان مصطفى عبد الرحيم، والثاني بقاعة زياد بكير للفنون التشكيلية بالمكتبة الموسيقية لأعمال الفنان حسن حسوبة.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)