مهرجان «أندلسيات أطلسية» يواصل رحلة الاحتفاء بالتمازج الثقافي في المغرب

الدورة الـ12 تلتئم بالصويرة تحت شعار «الانفتاح، الشباب والإبداع»

لحظات فنية روحانية مع طوائف مدينة الصويرة خلال مهرجان «أندلسيات أطلسية»
لحظات فنية روحانية مع طوائف مدينة الصويرة خلال مهرجان «أندلسيات أطلسية»
TT

مهرجان «أندلسيات أطلسية» يواصل رحلة الاحتفاء بالتمازج الثقافي في المغرب

لحظات فنية روحانية مع طوائف مدينة الصويرة خلال مهرجان «أندلسيات أطلسية»
لحظات فنية روحانية مع طوائف مدينة الصويرة خلال مهرجان «أندلسيات أطلسية»

تحتضن مدينة الصويرة المغربية ابتداءً من يوم الخميس المقبل، وعلى مدى ثلاثة أيام، فعاليات مهرجان «أندلسيات أطلسية»، في دورته الـ12.
ويتضمن برنامج التظاهرة، التي تنظم، في دورة هذه السنة، تحت شعار «الانفتاح، الشباب والإبداع»، 15 عرضا موسيقيا، وتعرف لائحة المشاركين، حضور فرق فنية شابة، كـ«شباب الأندلس»، والفنانات عبير العابد (طنجة) ونبيلة معن (فاس) وزينب أفيلال (تطوان)، اللواتي ينتمين لجيل ملتزم وواعد، فضلا عن أيقونة أخرى من الفنانين المشتغلين على التراث الموسيقي اليهودي - الإسلامي المغربي، الفنانة سناء مرحتي التي تبصم على مسار متميز، خاصة ما تعلق منه بإعادة أداء ريبرتوار كل من المغنيين اليهوديين المغربيين سليم الهلالي وسامي المغربي.
كما يشارك في دورة هذه السنة فنانون أكدوا قيمتهم وحضورهم، يتقدمهم بنيامين بوزاغلو، فضلا عن فنانين شباب ينتمون إلى مدينة الصويرة كالإخوة أفريات وكوكو توردجمان وحسام غينيا وعبد الحق الكابي، وأوركسترا رشيد أوشاهد والإخوة عبدلاوي، ممن يسعون، من خلال فنهم، إلى حماية وإشعاع موروث فني وحضاري، اختارت الصويرة، من خلال «مهرجان أندلسيات أطلسية»، أن تخصص له عنوانا وموعدا سنويا يجتمع خلاله عشاق موسيقى عريقة وخالدة، وفضلا عن مشاركة الفنانين المغاربة، من المسلمين واليهود، يعرف المهرجان حضور فرقة «مدرسة فلامنكا» من إشبيلية بإسبانيا، برئاسة جيريمو سيغورا، الاسم الصاعد في مجال هذا الفن بالأندلس، مرفوقا بالراقصة أنابيل فيلوسو، الفائزة بالدورة الـ16 لسباق الرقص الإيقاعي والرقص الإسباني والفلامنكو، التي نظمت، في وقت سابق، بمدريد. وكما جرت العادة، في الدورات السابقة، سيكون جمهور المهرجان على موعد مع أمسيات فنية تحييها مجموعات عيساوة ودرقاوة بفضاء «دار الصويري» التاريخي. كما ستخصص صباحيات التظاهرة لنقاش فكري، يشارك فيه مثقفون ورجال فكر، يتناولون بالعرض والنقاش مضمون وتوجه الأفكار التي سعت التظاهرة، منذ انطلاقتها، إلى طرحها والاحتفاء بها.
وتتخذ صباحيات دورة هذه السنة شعار «حين تستقبل الصويرة الثقافة على مائدة الفكر والتقاسم»؛ حيث ينتظر أن يتخلل هذه المأدبة الفكرية عرضان فنيان، الأول لفيلم قصير (12 دقيقة)، تحت عنوان «يا لحمامة»، يستحضر لحظات تألق فني من فعاليات دورة 2014. لكل من نطع القيام وماهر ديبة وإيلعاد ليفي وفاتن الكرتي وشادي فتحي والشاعر الصويري عبد الرحمن الحامولي. فيما يتعلق العرض الثاني بفيلم «عايدة»، في حضور مخرجه إدريس المريني، على أن يتبع بنقاش يتناول المكانة التي يحتلها المكون اليهودي - المغربي، على صعيد الإنتاج والخزانة السينمائية المغربية المعاصرة.
ويعيد وصول مهرجان «أندلسيات أطلسية» إلى محطته الـ12. تركيز الحديث عن قيمة العمل المنجز والأهداف من تنظيم تظاهرة، ببعد ثقافي وفني، تحتفي بالتعدد والتنوع والتسامح والتعايش بين الديانات والثقافات، سواء عبر مد الجسور بين فضاء جغرافي عريض يضم البحر الأبيض المتوسط، ويمتد حتى الضفة الأخرى للمحيط الأطلسي، والذي يشكل الإرث الأندلسي الرابط الذي يجمع بين مكوناته، أو التشديد على أهمية الاحتفال بالذاكرة ونقل التراث ضمن ثقافة الاختلاف، والتعبير بصوت واحد عن غنى وعمق المغرب المتعدد، الذي يتفاعل، في انسجام، على أنغام موحدة لموسيقى بلا حدود.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».