جيورجيو أرماني يحول حملات دعائية إلى أفلام سينمائية قصيرة

تغيرت المدن والزوايا وبقي البطل واحدًا.. نظارات طبية وشمسية

لقطة من فيلم بعنوان «منتصف الليل» (ميدنايت) المستوحى من قصة سندريللا، النظارات كانت هي البطل في كل الأفلام
لقطة من فيلم بعنوان «منتصف الليل» (ميدنايت) المستوحى من قصة سندريللا، النظارات كانت هي البطل في كل الأفلام
TT

جيورجيو أرماني يحول حملات دعائية إلى أفلام سينمائية قصيرة

لقطة من فيلم بعنوان «منتصف الليل» (ميدنايت) المستوحى من قصة سندريللا، النظارات كانت هي البطل في كل الأفلام
لقطة من فيلم بعنوان «منتصف الليل» (ميدنايت) المستوحى من قصة سندريللا، النظارات كانت هي البطل في كل الأفلام

علاقة أرماني بالسينما ليست حديثة العهد، فقد بدأت في السبعينات عندما ظهر النجم ريتشارد غير في بدلة أنيقة من تصميمه في فيلم «أميركان جيغولو».
بعدها أصبح بطلا في كثير من الأفلام من دون أن يظهر فيها، فقد كانت تصاميمه فيها جزءا من الحبكة والسيناريو. وسرعان ما امتدت سطوته إلى مناسبات السجاد الأحمر، حيث كان هو الذي أجج الاهتمام بما تلبسه النجمات عند حضورهن حفل توزيع جوائز الأوسكار مثلا. بيد أن أرماني الشاب ليس هو أرماني اليوم، فقد كبر على كل المستويات، بما في ذلك اتساع إمبراطوريته وتفرعها في كل أنحاء العالم. بعبارة أخرى، لم يعد بحاجة إلى الانتشار والتعريف بنفسه، ومع ذلك لا تزال تلك العلاقة الحميمة التي تربطه بالسينما، وتشده إليها قوية، فهي بالنسبة له «نوع من السحر يتملكه ويصعب مقاومته إلى الآن، رغم توفر أشكال جديدة وقوية للتواصل مثل الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي» حسب قوله. ما قام به أن حول حملات دعائية إلى أعمال فنية. خامرته الفكرة في عام 2010 عندما قرر أن يحول فكرة «فرايمز أوف لايف» من حملة ترويجية تقليدية إلى حملة مصورة بالفيديو بالأبيض والأسود، بحيث تستحضر حقبة الأربعينات من القرن الماضي، تطورت لتصبح بالألوان. قوبلت الفكرة بترحيب كبير من كل الأوساط، مما شجعه على تطويرها إلى أعمال سينمائية قصيرة، كان أولها في العام الماضي خلال مهرجان السينما العالمي بتورنتو، وثانيها في مهرجان السينما الأخير بلندن. أطلق عليها عنوان «فيلمز أوف سيتي فرايمز» Films of City Frame، لا بد من التنويه هنا أن كلمة «فرايمز» تعني الإطار، والمقصود بها إطار نظارة شمسية، بحكم أن أحد أهم المشاركين في المشروع شركة «لوكسوتيكا» المتخصصة في صناعة النظارات، ومجموعات دار «أرماني» تحديدا. بموجب هذه المبادرة، يُقدم أرماني تمويلا لأربعة معاهد سينمائية تقوم باختيار ألمع موهبة شابة لديها، يُطلب منها تصوير فيلم قصير يُطلقون فيه العنان لخيالهم وإمكانياتهم على شرط أن يكون البطل هو النظارة، طبية كانت أم شمسية من مجموعته «فرايمز أوف لايف»، وهي فكرة ذكية تجمع الإبداع السينمائي بالتسويق التجاري لإكسسوار يدر الملايين على صناع الموضة، لكن الجميل في الأمر هو كيف تتحول حملة دعائية من التجاري إلى الفني حسب نظرة كل مخرج. فكل واحد منهم تناولها من زاوية مختلفة تمامًا، وصورها في المدينة التي يعيش فيها، وهي سيول، وساو باولو، وتورين وسيدني بتقنيات وزوايا جديدة تنفذ الكليشيهات المرسومة في الأذهان عن هذه المدن، الأمر الذي أثار إعجاب الكل بمن فيهم النجمة المخضرمة هيلين ميرين، سفيرة هذه الدورة التي نوهت بمواهبهم جميعًا. ما شد الانتباه أنهم ابتعدوا عن المحلية وركزوا على قصص إنسانية عالمية بحبكات بسيطة تمس الوجدان، بعضها شخصي تمامًا يتناول إما الحب أو فقدان إنسان عزيز، وبعضها يتناول فكرة الإبداع نفسه بأسلوب مثير وصادق، بحيث تشعر أن كل مخرج صب فيها الكثير من حياته الخاصة وبيئته من دون أن يقع في النمطية والمتوقع.
وهذا ما انتبهت له النجمة هيلين ميرين التي ترأست لجنة ناقشت هذه الأفلام ووصفته بـ«الشاعرية والجميلة لأنها تنبع من القلب». وأضافت: «رائع أن ترى على الشاشة أحاسيس إنسانية بسيطة وصادقة، لأن صناعة الأفلام عملية باهظة الثمن، وأن تكون مخرجا شابا، فأنت تواجه عدة صعاب وعراقيل، لهذا أعتقد بأن تدخل جيورجيو أرماني بكل ثقله لتقديم الدعم لمخرجين مغمورين لم يسمع بهم أحد من قبل، يعد خطوة نبيلة».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».