بوتين.. «الورقة القومية» في مواجهة المعارضة الروسية

استغل ارتباط بعضها بالغرب.. واستوعب مشاعر الرأي العام

بوتين.. «الورقة القومية» في مواجهة المعارضة الروسية
TT

بوتين.. «الورقة القومية» في مواجهة المعارضة الروسية

بوتين.. «الورقة القومية» في مواجهة المعارضة الروسية

سلط تدخل موسكو في سوريا، في أعقاب ضم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شبه جزيرة القرم ورعايته الانتفاضة المؤيدة لروسيا في شرق أوكرانيا، الأضواء على تصاعد ثقة القيادة الروسية بنفسها وبقدراتها، واقتناعها بأن الغرب، بقيادة الرئيس الأميركي باراك أوباما، ليس في وارد التصدي لتنامي لطموحها. وفي سياق «الثأر» من الغرب على دور في إنهاك الاتحاد السوفياتي السابق وتقسيمه، راهن بوتين على «الورقة القومية» في وجه خصومه من اليمين الليبرالي المدعوم من الغرب والقوى الشيوعية المناوئة للغرب، وبالنتيجة نجح أولاً في تهميش اليمين، وثانيًا كسب الشيوعيين والاشتراكيين والقوميين في صفه تحت سقف مواجهة العدو الغربي القديم - الجديد. وهو الآن يخطط للذهاب أبعد في مشروعه «القومي» عبر دعوته لتشكيل تكتل جديد تحت عنوان «الجبهة الشعبية لعموم روسيا».

ما شهدته الساحة السوفياتية، وتحديدًا الروسية، من زخم وحركة عارمة في أعقاب إعلان ثورة «البيريسترويكا والغلاسنوست» في منتصف ثمانينات القرن الماضي صار في ذمة التاريخ. لكن ما كان يعتمل آنذاك في نفوس الملايين من مشاعر سخط وغضب واحتجاج مكتومة، لم يكن ليمضي دون تبعات سرعان ما فرضت نفسها على واقع ذلك الزمان وهو ما كشفت عنه القوى السياسية «الكامنة» القادمة من الجمهوريات والأقاليم في «مؤتمر نواب الشعب» الذي افتتح أولى دوراته في مايو (أيار) 1989.
ولعل ما شهدته جلسات ذلك المؤتمر من نقاشات حادة جرت في مثل تلك الأجواء من الصراحة والانفتاح لأول مرة في تاريخ الاتحاد السوفياتي وروسيا كان عمليًا نقطة الانطلاق نحو عالم أكثر رحابة وتحركات أشد فعالية سرعان ما أسفرت عن ظهور الحركات المعارضة التي تلفحت بتسميات على غرار «روخ» الأوكرانية و«سايوديس» الليتوانية ورفعت شعارات دعم «البيريسترويكا» في محاولة لإخفاء أهدافها الحقيقية التي كانت تستهدف الانفصال عن الدولة السوفياتية.

حقبة يلتسين
ولئن كانت تلك الحركات والتحركات كشفت لاحقا عن نياتها وراحت تتلمس السبل المناسبة والمقدمات التي سرعان ما أطاحت بالدولة وأركانها مع نهاية تسعينات القرن الماضي وحتى الإعلان رسميًا عن أفول شمسها في ديسمبر (كانون الأول) 1991، فإن ما شهدته روسيا الاتحادية إبان حكم الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين كان أشد وطأة وأكثر حمية بما حملته من فوضى عارمة أصابت مختلف جوانب الحياة السياسية والاجتماعية وكذلك المجالات الاقتصادية والثقافية، وبلغت حد تهديد روسيا الاتحادية بمصير مشابه كانت واشنطن أعدته لها حسبما كشفت مصادر الإدارة الأميركية مؤخرًا في معرض كشفها عن مخطط كان يستهدف تقسيم روسيا إلى ما يزيد عن تسعين ولاية وإقليمًا في مطلع تسعينات القرن الماضي.
وهنا نذكر أن «الحركة الديمقراطية» التي تزعمها بوريس يلتسين - ودعمها الغرب - في مطلع تسعينات القرن الماضي لم تستطع الصمود طويلاً أمام عودة الشيوعيين إلى صدارة الساحة السياسية بعد إعادتهم تنظيم صفوفهم وإعلان قيام حزبهم الجديد بزعامة غينادي زيوغانوف مستفيدين من الأخطاء الفادحة التي ارتكبها يلتسين وفريقه. ولذا كان من الطبيعي أن يعود هؤلاء إلى صدارة الساحة ويفوزوا بغالبية مقاعد مجلس «الدوما» (البرلمان) في انتخابات 1995. بل، وكاد زعيمهم زيوغانوف يفوز برئاسة الدولة في الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة في عام 1996 على يلتسين لو لم يقدم الأخير على كل صنوف التزوير، فضلا عن الترهيب والوعيد واللجوء إلى كل صنوف البلطجة الانتخابية والجنائية.
آنذاك كان مجلس «الدوما»، رغم كل الفوضى والانهيار الذي أصاب كل مناحي الحياة، في توقيت مواكب لاندلاع الحرب الشيشانية الأولى وتفشّي ظاهرة الحركات الاستقلالية أو الانفصالية، ساحة للمبارزات الكلامية ولمحاولات تصفية حسابات الماضي، وهو ما كان يقابل بكل الحسم والحزم من جانب الكرملين دفاعًا عن الرئيس الذي كان غير مرة قاب قوسين أو أدنى من الإطاحة به دستوريًا بعد دوران عجلة «الإمبيتشمينت» (أو سحب الثقة) منه في البرلمان. كانت القوى السياسية آنذاك قد تبعثرت بين يمين الوسط، الممثل في تنظيمات حزبية فوقية حملت تباعًا أسماء «روسيا بيتنا» بزعامة ييغور غايدار ثم «خيار روسيا» بزعامة فيكتور تشيرنوميردين رئيس الحكومة الروسية الأسبق، وحتى حزب «الوطن - الوحدة الروسية»، وبين الأحزاب اليمينية مثل حزب «يابلوكو» بزعامة غريغوري يافلينسكي وحزب «اتحاد القوى اليمينية» بزعامة بوريس نيمتسوف وعدد من نجوم «الحركة الديمقراطية» وغيرهما من الأحزاب الصغيرة التي طالما ارتمت في أحضان الحزب الحاكم بحثًا عن دفء الامتيازات مقابل ما تقدم من دعم معنوي وفكري و«تنازلات» حسمًا من رصيد الوطن والمواطن.
ولم يكن بعيدًا عن تلك الأحزاب وتوجهاتها حزب فلاديمير جيرينوفسكي الشعبوي المسمى بـ«الحزب الليبرالي الديمقراطي» الذي يمثل يسار الوسط، وكان فاز بالأغلبية في انتخابات أول دورة لمجلس «الدوما» عام 1994 في مواجهة المعارضة اليسارية، التي كان يمثلها بكل القوة الحزب الشيوعي الروسي بزعامة زيوغانوف زعيم الأغلبية في المجلس، ومعه الحزب الزراعي وتنظيمات أخرى لم يستطع مرشحوها الفوز بأية مقاعد نيابية.

تغييرات في الخارطة
على أن هذه الخارطة الحزبية الروسية سرعان ما طرأت عليها التغييرات التي نجمت عن تغير القيادة السياسية في نهاية عام 1999 ورحيل بوريس يلتسين وتولي فلاديمير بوتين لمقاليد السلطة في الكرملين في مايو 2000. وكان بوتين قد اضطر إلى موائمة أوضاعه وتوجهاته مع البرلمان، الذي تركه له سلفه يلتسين مع بقايا أركان حكمه في إدارة الكرملين والحكومة، حتى استطاع الإمساك بزمام الأمور مع نهاية فترة ولايته الأولى.
ويذكر المراقبون أن ما جرى تباعًا ولاحقًا من أحداث خلال سنوات الولاية الأولى للرئيس بوتين كان ينبئ بتغييرات جذرية عاصفة نجمت عما أحرزه من نجاح في حسم المواجهة مع الإرهاب وضربه الحركات الاستقلالية والانفصالية والانتهاء من الحرب الشيشانية الثانية، فضلا عن حسمه لمصلحته معركته مع المحافظين ممن كانوا صدّقوا الرئيس الأسبق «وأخذوا من الاستقلال ما استطاعوا أن يبتلعوه» - حسبما دعاهم على سبيل الغزل في مدينة قازان (عاصمة جمهورية تتارستان الروسية ذات الحكم الذاتي) في محاولة لاستمالتهم إلى جواره بعيدا عن خصمه التاريخي ميخائيل غورباتشوف. ولم تكن أحزاب ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي قد غادرت الساحة بعد رغم كل ما لقيته غالبيتها من الضربات والإخفاقات.
في الحقيقة، الأحزاب المعارضة كانت تفقد مع كل ولاية جديدة لفلاديمير بوتين الكثير من مواقعها وجماهيريتها في الشارع الروسي الذي انصرف عنها، وفي الوقت نفسه كانت هذه الفصائل تتناحر فيما بينها، وكان منها من راح يجنح صوب السقوط طواعية في شرك التمويل الأجنبي تحت ستار ما يسمى بـ«منظمات المجتمع المدني». ويذكر كثيرون من المراقبين المحليين منهم والأجانب، تدافع عدد كبير من شباب وممثلي الأحزاب اليمينية نحو التعاون مع المنظمات الأجنبية بدعوى الحصول على منح تدريبية في الخارج، ومنها ما يتعلق بالتدريب على حشد الأنصار وتنظيم المظاهرات وكيفية رفع حدة ودرجة سخونة الأوضاع السياسية في الساحة الداخلية. وحسب راصدين مطلعين في موسكو، ما كان ذلك ليجري من دون مساهمات السفارات والصناديق الغربية وفي مقدمتها الأميركية، وهو ما كانت السلطات و«الأجهزة البوتينية» رصدته في حينه بما استطاعت معه أن تشهره في الوقت المناسب لها مبرّرًا طبيعيًا لاتخاذ السلطات التشريعية الروسية ما يتناسب من مراسيم وقرارات لمواجهة مثل هذه الأوضاع.
وحين كانت تشتد وطأة المداهمات والاعتقالات بتهمة التعاون مع الخارج ومحاولات نشر التوتر وتأليب الرأي العام ضد السلطة الرسمية، كانت قيادات الأحزاب اليمينية تجأر بأعلى الصوت احتجاجًا على ما تقول إنه اعتداء على حقوق الإنسان، وتطالب بالتصدي لما كانت ولا تزال تصفه بتكميم الأفواه، ووقف الإجراءات التي تصفها بـ«الديكتاتورية».
وفي هذا الصدد نذكر ما شهدته موسكو من حشد للجماهير التي خرجت إلى ساحة «بولوتنويه» غير بعيد عن الكرملين في نهاية عام 2011 تحت سمع وبصر الرئيس السابق ديمتري ميدفيديف، وكذلك في مايو 2012 احتجاجًا على عودة بوتين إلى السلطة في الكرملين. وكانت هذه المظاهرات، ولا سيما التي نظمت في نهاية عام 2011، الأكبر في تاريخ المعارضة منذ تولي بوتين للسلطة في عام 2000، وهي مع ذلك لم تلق آذانًا صاغية كما يقال، لكنها أكدت بما لا يدع مجالا للشك مدى هشاشة مواقع المعارضة الروسية التي انفرط عقدها وتبعثرت وتحوّلت إلى ما يشبه «الدكاكين» التي تبيع الوهم. ومن ثم، عاد عدد من أقطاب رجال الأعمال السابقين ومنهم ميخائيل خودوركوفسكي، الملياردير الذي كان أفرج عنه بوتين بعد قضائه ما يزيد عن العشر سنوات في سجون روسيا في اتهامات جنائية واقتصادية ثمة من حاول التشكيك فيها، وإن كانت تتسم في بعض جوانبها بطابع سياسي. وكان خودوركوفسكي قد قال في تصريحات نشرتها جريدة «لوموند» الفرنسية إنه على استعداد لترشيح نفسه منافسًا لبوتين في الانتخابات الرئاسية المرتقبة، رغم يقينه من عبثية مثل هذا الطرح وانعدام جدواه، في توقيت تبدو فيه المعارضة اليمينية عاجزة حتى عن المنافسة على مستوى الانتخابات المحلية.

صراع بوتين مع اليمين
مع هذا، بدت المعارضة اليمينية وكأنها حسمت موقفها المناهض للرئيس فلاديمير بوتين، الذي ظهرت واضحة توجّهاته القومية المتشددة، ومناهضته السافرة للغرب وسياساته وإصراره على استعادة مواقع روسيا في الساحتين الإقليمية والدولية، ورفضه الصريح هيمنة عالم القطب الواحد على مدى كل سنوات ولايته الثانية التي كان اختتمها بخطابه الناري الشهير في مدينة ميونيخ الألمانية في «مؤتمر الأمن الأوروبي» في فبراير (شباط) 2007، الذي كشف فيه عن استراتيجية العمل وتوجهاته نحو مقارعة عالم القطب الواحد والاهتمام بإعادة بلاده إلى صدارة الساحة الدولية.
وهنا راحت رموز الأحزاب اليمينية من أمثال الزعيم الراحل بوريس نيمتسوف تتجرّأ في إظهار خصومتها للنظام وتتعمد الظهور مع أركان خصومه في الفضاء السوفياتي السابق، كما فعل نيمتسوف لدى انضمامه إلى «الثورة البرتقالية» في أوكرانيا وقبوله العمل مستشارًا للرئيس الأوكراني الأسبق فيكتور يوشينكو في عام 2004 وهو ما يرى المراقبون الروس أنه كان في صدارة أسباب تراجع مواقعه وحزبه في الساحة السياسية الروسية.
وثمّة ما يشير إلى أن ما فعله نيمتسوف - اغتيل في فبراير الماضي في موسكو - وصحبه من أمثال ميخائيل كاسيانوف، آخر رؤساء الحكومات الروسية في عهد يلتسين، وغاري كاسباروف بطل العالم الأسبق في الشطرنج والكسي نافالني ممّن كانوا يجاهرون في عدائهم لفلاديمير بوتين ويتعمدون انتقاده في المحافل الدولية والإقليمية، لم يعد يلقى قبول من بقي من أنصار وأعضاء حركاتهم وتنظيماتهم السياسية. وهذا ما يفسّر تحول بعض ممثلي الأحزاب اليمينية إلى تأييد قرار الرئيس الروسي حول ضم شبه جزيرة القرم واعتبار ذلك «مسألة» لا مراء فيها، فضلا عن أنه صار أمرًا واقعًا لا مجال لتغييره. ومن هؤلاء نشير إلى ممثلي ما يسمى اليوم بـ«المعارضة اليمينية غير الممنهجة» ومنهم خودوركوفسكي ونافالني، وإن كان ذلك عند البعض لا يمكن إلا أن يندرج تحت بند المداهنات والمناورات السياسية. في أي حال، لا يمكن أن يعني تراجع ممثلي «المعارضة غير الممنهجة» عن آمالهم في الإطاحة ببوتين، وهو الهدف الذي أعلنته صراحة الإدارة الأميركية مع بداية اندلاع الأزمة الأوكرانية. ولذا تشير مصادر في موسكو إلى «الاتصالات التي تتوالى بين ممثلي واشنطن والصناديق الغربية مع من بقي من أنصار اليمين الليبرالي في روسيا».
وكان بوتين، شخصيًا، حريصًا على «كشف» الكثير من خفايا وأسرار هذه الاتصالات فيما أوعز إلى مجلس «الدوما» باستصدار القرارات «المناسبة» لاعتبار «منظمات المجتمع المدني» التي يجرى تمويلها من الخارج، «هيئات أجنبية» وإطلاق تسمية «عميل أجنبي» على كل أعضاء هذه المنظمات والعاملين فيها، وهو ما أثار في حينه موجة احتجاجات واسعة شارك فيها الرئيس السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف بوصفه رئيسًا لمؤسسة الأبحاث والدراسات الاستراتيجية التي تحمل اسمه في موسكو.
ورغم نزول الرئيس الروسي عن إصراره على هذا الموضوع، فإنه عاد أخيرًا في محاولة لمصالحة ممثلي منظمات حقوق الإنسان في روسيا، ليقول بإمكانية إعادة النظر في التسميات، وهو ما لا يمكن أن يكون في تناقض مع إصراره على التمسك بالجوهر.

«المعارضة المُستأنسة»
واتصالا بما سبق، واستئنافًا لاستعراض خارطة المعارضة في الساحة السياسية الروسية نتوقف لنشير إلى أن هناك ما يمكن تسميته بـ«المعارضة المُستأنسة» التي يحرص بوتين على أن تظل «رفيق طريق»، لا يمكن الاستغناء عنه في مواجهة «المعارضة اليمينية غير الممنهجة»، التي تضم بين صفوفها كل ما سبقت الإشارة إليها من أحزاب وقوى وتنظيمات يمينية ليبرالية مثل الأحزاب السياسية القديمة التي كانت ظهرت في تسعينات القرن الماضي مثل «اتحاد القوى اليمينية» الذي طالما ضم نجوم «الحركة الديمقراطية»، وغيره من الأحزاب التي راحت تظهر تباعًا خلال السنوات القليلة الماضية في شكل حركات وتنظيمات شبابية ونقابية وطلابية.
هذا، وكان حزب «اتحاد القوى اليمينية» الذي أسس في نهاية تسعينات القرن الماضي يضم كلا من «خيار روسيا الديمقراطي» برئاسة غايدار، و«القوى الجديدة» وهي الحركة المحافظة برئاسة سيرغي كيرينكو رئيس الحكومة الأسبق الذي انضم اليوم إلى فريق الرئيس بوتين كرئيس لمؤسسة الطاقة النووية، و«روسيا الفتية» بزعامة الراحل نيمتسوف، و«صوت روسيا» برئاسة قسطنطين تيتوف، و«القضية العامة» برئاسة إيرينا خاكامادا وغيرها من القوى السياسية المتناهية الصغر.
ومن الأحزاب اليمينية التي تحرص على المشاركة في كل الانتخابات التشريعية والنيابية من دون نتيجة تذكر حزب «بارناس» الذي يضم كلا من «الحزب الجمهوري» الذي يتزعمه كاسيانوف رئيس الحكومة الروسية الأسبق، وحزب «الإرادة الشعبية» الذي كان يترأسه نيمتسوف. ومن الأحزاب اليمينية أيضًا نشير إلى «حزب يابلوكو» الذي تخلى زعماؤه التاريخيون عن رئاسته ومنهم يافلينسكي ويوري بولدريف وفلاديمير لوكين، وحركة «التضامن» الديمقراطية التي تضم أيضًا ممثلي الأحزاب الأخرى بما فيها المشار إليها عاليه، وغيرها من الأحزاب التي لا يتجاوز عدد أعضائها بضع مئات وهو ما صار يسمح به القانون الروسي الجديد حول تنظيم الأحزاب والحركات السياسية.
أما قائمة الأحزاب المعارضة الأخرى الموالية للكرملين في غالبية توجهاته فيقف على رأسها وبطبيعة الحال «الحزب الشيوعي الروسي» (اليسار) بزعامة زيوغانوف، وحزب «روسيا العادلة» (يسار الوسط) بزعامة سيرغي ميرونوف، وحزب جيرينوفسكي (الليبرالي الديمقراطي)، وهي الأحزاب الثلاثة الوحيدة الممثلة في مجلس «الدوما»، والمحسوبة شكلاً على المعارضة في مواجهة الحزب الحاكم «الوحدة الروسية» بزعامة ديمتري ميدفيديف رئيس الحكومة الروسية الحالي. وبهذه المناسبة نشير إلى ما أعلن عنه بوتين في عام 2011 حول فكرة تشكيل «الجبهة الشعبية لعموم روسيا»، بديلا عن حزب «الوحدة الحاكم» الذي كان تعثر في الانتخابات البرلمانية الماضي وخشية مفاجآت قد تصادفه على طريق عودته للكرملين لولاية ثالثة. وآنذاك قال بوتين إن فكرته تقوم على أساس تجميع القوى السياسية المؤمنة بضرورة التنمية في إطار جبهة فوق حزبية. وتوجه بوتين إلى نشطاء حزب «الوحدة الروسية» باقتراح تشكيل هذه الجبهة على أساس الحزب الحاكم، شريطة أن تضم بين صفوفها غير الحزبيين من ممثلي القوى السياسية المختلفة. وإذ أكد بوتين ضرورة استناد التحالف المرتقب إلى مبادئ التكافؤ والمساواة قال إنه تعمد اختيار «الجبهة الشعبية لعموم روسيا» اسمًا للتحالف لإعلانه قبيل الاحتفال بـ«يوم النصر على الفاشية» من مدينة فولغاغراد - الاسم القديم لستالينغراد - التي سجلت نقطة التحول إلى تحقيق النصر على النازية والفاشية في الحرب العالمية الثانية. ولقد أثار تعمد بوتين لاختيار الزمان والمكان المرتبطين في وجدان شعبه مع أقوى لذكريات وأنصع صفحات التاريخ الكثير من الإيحاءات التي تقول إن تأسيس «الجبهة الشعبية» يعكس رغبته في تعويض قصور سياسات حزب الوحدة الروسية سعيًا نحو المزيد من الأنصار تأهبًا للانتخابات المرتقبة. وهو ما نجح «القيصر» في تحقيقه لتكون «الجبهة الشعبية لعموم روسيا» حصنًا قوميًا ووطنيًا جديدًا في مواجهة المعارضة اليمينية التي لا تزال تعاني حالة الشرذمة والتناحر.



شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
TT

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق السودان هو «الجسر» الذي يمكن أن تعبره قوات أي منهما نحو أرض الجانب الآخر. ومع تأثر الإقليم أيضاً بالصراعات الداخلية الإثيوبية، وبأطماع الدولتين بموارد السودان، يظل الصراع على «مثلث حلايب» هو الآخر لغماً قد ينفجر يوماً ما.

حدود ملتهبة

تحدّ إقليم «شرق السودان» ثلاث دول، هي مصر شمالاً، وإريتريا شرقاً، وإثيوبيا في الجنوب الشرقي، ويفصله البحر الأحمر عن المملكة العربية السعودية. وهو يتمتع بشاطئ طوله أكثر من 700 كيلومتر؛ ما يجعل منه جزءاً مهماً من ممر التجارة الدولية المهم، البحر الأحمر، وساحة تنافس أجندات إقليمية ودولية.

وفئوياً، تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة من نواحي البلاد الأخرى، وبينها تناقضات وصراعات تاريخية، وارتباطات وقبائل مشتركة مع دول الجوار الثلاث. كذلك يتأثر الإقليم بالصراعات المحتدمة في الإقليم، وبخاصة بين إريتريا وإثيوبيا، وهو إلى جانب سكانه يعج باللاجئين من الدولتين المتشاكستين على الدوام؛ ما يجعل منه ساحة خلفية لأي حرب قد تنشأ بينهما.

وحقاً، ظل شرق السودان لفترة طويلة ساحة حروب داخلية وخارجية. وظلت إريتريا وإثيوبيا تستضيفان الحركات المسلحة السودانية، وتنطلق منهما عملياتها الحربية، ومنها حركات مسلحة من الإقليم وحركات مسلحة معارضة منذ أيام الحرب بين جنوب السودان وجنوب السودان، وقوات حزبية التي كانت تقاتل حكومة الخرطوم من شرق السودان.

لكن بعد توقيع السودان و«الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق ما عُرف بـ«اتفاقية نيفاشا»، وقّعت الحركات المسلحة في شرق السودان هي الأخرى ما عُرف بـ«اتفاقية سلام شرق السودان» في أسمرا عاصمة إريتريا، وبرعاية الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2006. ونصّت تلك الاتفاقية على تقاسم السلطة والثروة وإدماج الحركات المسلحة في القوات النظامية وفقاً لترتيبات «أمنية»، لكن الحكومة «الإسلامية» في الخرطوم لم تف بتعهداتها.

عبدالفتاح البرهان (رويترز)

12 ميليشيا مسلحة

من جهة ثانية، اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، فانتقلت الحكومة السودانية إلى بورتسودان «حاضرة الشرق» وميناء السودان على البحر الأحمر، واتخذت منها عاصمة مؤقتة، ووظّفت الحركات المسلحة التي أعلنت انحيازها للجيش، في حربها ضد «الدعم السريع».

وإبّان هذه الحرب، على امتداد 18 شهراً، تناسلت الحركات المسلحة في شرق السودان ليصل عددها إلى 8 ميليشيات مسلحة، كلها أعلنت الانحياز إلى الجيش رغم انتماءاتها «الإثنية» المتنافرة. وسعت كل واحدة منها للاستئثار بأكبر «قسمة حربية» والحصول على التمويل والتسليح من الجيش والحركة الإسلامية التي تخوض الحرب بجانب الجيش من أجل العودة للسلطة.

ميليشيات بثياب قبلية

«الحركة الوطنية للعدالة والتنمية» بقيادة محمد سليمان بيتاي، وهو من أعضاء حزب «المؤتمر الوطني» المحلول البارزين - وترأس المجلس التشريعي لولاية كَسَلا إبان حكم الرئيس عمر البشير -، دشّنت عملها المسلح في يونيو (حزيران) 2024، وغالبية قاعدتها تنتمي إلى فرع الجميلاب من قبيلة الهدندوة، وهو مناوئ لفرع الهدندوة الذي يتزعمه الناظر محمد الأمين ترك.

أما قوات «الأورطة الشرقية» التابعة لـ«الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة» بقيادة الأمين داؤود، فتكوّنت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وسمّت «اتفاقية سلام السودان»، في جوبا، داؤود المحسوب على قبيلة البني عامر رئيساً لـ«مسار شرق السودان». لكن بسبب التنافس بين البني عامر والهدندوة على السيادة في شرق السودان، واجه تنصيب داؤود رئيساً لـ«تيار الشرق» رفضاً كبيراً من ناظر قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك.

بالتوازي، عقدت «حركة تحرير شرق السودان» بقيادة إبراهيم دنيا، أول مؤتمر لها في مايو (أيار) 2024 برعاية إريترية كاملة فوق التراب الإريتري، بعد أيام من اشتعال الحرب في السودان. وتدرّبت عناصرها في معسكر قريب من قرية تمرات الحدودية الإريترية، ويقدّر عدد مقاتليها اليوم بنحو ألفي مقاتل من قبيلتي البني عامر والحباب، تحت ذريعة «حماية» شرق السودان.

كذلك، نشطت قوات «تجمّع أحزاب وقوات شرق السودان» بقيادة شيبة ضرار، وهو محسوب على قبيلة الأمرار (من قبائل البجا) بعد الحرب. وقاد شيبة، الذي نصّب نفسه ضابطاً برتبة «فريق»، ومقرّه مدينة بورتسودان - العاصمة المؤقتة - وهو ويتجوّل بحريّة محاطاً بعدد من المسلحين.

ثم، على الرغم من أن صوت فصيل «الأسود الحرة»، الذي يقوده مبروك مبارك سليم المنتمي إلى قبيلة الرشايدة العربية، قد خفت أثناء الحرب (وهو يصنَّف موالياً لـ«الدعم السريع»)، يظل هذا الفصيل قوة كامنة قد تكون طرفاً في الصراعات المستقبلية داخل الإقليم.

وفي أغسطس (آب) الماضي، أسّست قوات «درع شرق السودان»، ويقودها مبارك حميد بركي، نجل ناظر قبيلة الرشايدة، وهو رجل معروف بعلاقته بالحركة الإسلامية وحزب «المؤتمر الوطني» المحلول، بل كان قيادياً في الحزب قبل سقوط نظام البشير.

أما أقدم أحزاب شرق السودان، «حزب مؤتمر البجا»، بقيادة مساعد الرئيس البشير السابق موسى محمد أحمد، فهو حزب تاريخي أُسّس في خمسينات القرن الماضي. وبعيد انقلاب 30 يونيو 1989 بقيادة عمر البشير، شارك الحزب في تأسيس ما عُرف بـ«التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي كان يقود العمل المسلح ضد حكومة البشير من داخل إريتريا، وقاتل إلى جانب قوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق على طول الحدود بين البلدين، وفي 2006 وقّع مع بقية قوى شرق السودان اتفاقية سلام قضت بتنصيب رئيسه مساعداً للبشير.

ونصل إلى تنظيم «المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة» بقيادة الناظر محمد الأمين ترك. لهذا التنظيم دور رئيس في إسقاط الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، بإغلاقه الميناء وشرق البلاد. ورغم زعمه أنه تنظيم «سياسي»، فإنه موجود في الميليشيات المسلحة بشكل أو بآخر.

وهكذا، باستثناء «مؤتمر البجا» و«المجلس الأعلى للعموديات المستقلة»، فإن تاريخ تأسيس هذه الميليشيات القبلية وجغرافيا تأسيسها في إريتريا، ونشرها في الإقليم تحت راية الجيش وتحت مزاعم إسناده – على رغم «تبعيتها» لدولة أجنبية مرتبطة بالحرب - يعتبر مراقبون أن وجودها يهدّد استقرار الإقليم ويعزّز الدور الإريتري في شرق السودان، وبخاصة أن البناء الاجتماعي للإقليم في «غاية الهشاشة» وتتفشى وسط تباينات المجموعات القبلية والثقافية المكوّنة له.

أسياس أفورقي (رويترز)

مقاتلون من الغرب يحاربون في الشرق

إلى جانب الميليشيات المحلية، تقاتل اليوم أكثر من أربع حركات مسلحة دارفورية بجانب الجيش ضد «الدعم السريع»، ناقلةً عملياتها العسكرية إلى شرق السودان. الأكبر والأبرز هي: «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور)، و«حركة العدل والمساواة السودانية» بقيادة (وزير المالية) جبريل إبراهيم، و«حركة تحرير السودان - فصيل مصطفى طمبور»، ومعها حركات أخرى صغيرة كلها وقّعت «اتفاقية سلام السودان» في جوبا، وبعد سبعة أشهر من بدء الحرب انحازت إلى الجيش في قتاله ضد «الدعم السريع».

الحركات المسلحة الدارفورية التي تتخذ من الشرق نقطة انطلاق لها، أسسها بعد اندلاع الحرب مواطنون سودانيون ترجع أصولهم إلى إقليم دارفور، إلا أنهم يقيمون في شرق السودان. أما قادتها فهم قادة الحركات المسلحة الدارفورية التي كانت تقاتل الجيش السوداني في إقليم دارفور منذ عام 2003، وحين اشتعلت حرب 15 أبريل، اختارت الانحياز للجيش ضد «الدعم السريع». ولأن الأخير سيطر على معظم دارفور؛ فإنها نقلت عملياتها الحربية إلى شرق السودان أسوة بالجيش والحكومة، فجندت ذوي الأصول الدارفورية في الإقليم، ودرّبتهم في إريتريا.

استقطاب قبلي

حسام حيدر، الصحافي المتخصّص بشؤون شرق السودان، يرى أن الحركات المسلحة في الإقليم، «نشأت على أسس قبلية متنافرة ومتنافسة على السلطة واقتسام الثروة والموارد، وبرزت أول مرة عقب اتفاق سلام شرق السودان في أسمرا 2006، ثم اتفاق جوبا لسلام السودان».

ويرجع حيدر التنافس بين الميليشيات المسلحة القبلية في الإقليم إلى «غياب المجتمع المدني»، مضيفاً: «زعماء القبائل يتحكّمون في الحياة العامة هناك، وهذا هو تفسير وجود هذه الميليشيات... ثم أن الإقليم تأثر بالنزاعات والحروب بين إريتريا وإثيوبيا؛ ما أثمر حالة استقطاب وتصفية حسابات إقليمية أو ساحة خلفية تنعكس فيها هذه الصراعات».

تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة

من نواحي البلاد الأخرى وبينها تناقضات وصراعات تاريخية

الدكتورعبدالله حمدوك (رويترز)

المسؤولية على «العسكر»

حيدر يحمّل «العسكر» المسؤولية عن نشاط الحركات المسلحة في الشرق، ويتهمهم بخلق حالة استقطاب قبلي واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية، ازدادت حدتها بعد حرب 15 أبريل. ويشرح: «الحركات المسلحة لا تهدد الشرق وحده، بل تهدد السودان كله؛ لأن انخراطها في الحرب خلق انقسامات ونزاعات وصراعات بين مكوّنات الإقليم، تفاقمت مع نزوح ملايين الباحثين عن الأمان من مناطق الحرب».

وفقاً لحيدر، فإن نشاط أربع حركات دارفورية في شرق السودان، وسّع دائرة التنافس على الموارد وعلى السلطة مع أبناء الإقليم؛ ما أنتج المزيد من الحركات القبلية، ويوضح: «شاهدنا في فترات سابقة احتكاكات بين المجموعات المسلحة في شرق السودان مع مجموعات مسلحة في دارفور، وهي مع انتشار المسلحين والسلاح، قضايا تضع الإقليم على حافة الانفجار... وإذا انفجر الشرق ستمتد تأثيراته هذا الانفجار لآجال طويلة».

ويرجع حيدر جذور الحركات التي تدرّبت وتسلحت في إريتريا إلى نظام الرئيس السابق عمر البشير، قائلاً: «معظمها نشأت نتيجة ارتباطها بالنظام السابق، فمحمد سليمان بيتاي، قائد (الحركة الوطنية للبناء والتنمية)، كان رئيس المجلس التشريعي في زمن الإنقاذ، ومعسكراته داخل إريتريا، وكلها تتلقى التمويل والتسليح من إريتريا».

وهنا يبدي حيدر دهشته لصمت الاستخبارات العسكرية وقيادة الجيش السوداني، على تمويل هذه الحركات وتدريبها وتسليحها من قِبل إريتريا على مرأى ومسمع منها، بل وتحت إشرافها، ويتابع: «الفوضى الشاملة وانهيار الدولة، يجعلان من السودان مطمعاً لأي دولة، وبالتأكيد لإريتريا أهداف ومصالح في السودان». ويعتبر أن تهديد الرئيس (الإريتري) أفورقي بالتدخل في الحرب، نقل الحرب من حرب داخلية إلى صراع إقليمي ودولي، مضيفاً: «هناك دول عينها على موارد السودان، وفي سبيل ذلك تستغل الجماعات والمشتركة للتمدد داخله لتحقق مصالحها الاقتصادية».

الدور الإقليمي

في أي حال، خلال أكتوبر الماضي، نقل صحافيون سودانيون التقوا الرئيس أفورقي بدعوة منه، أنه سيتدخّل إذا دخلت الحرب ولايات الشرق الثلاث، إضافة إلى ولاية النيل الأزرق. وهو تصريح دشّن بزيارة مفاجئة قام بها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لإريتريا 26 نوفمبر الماضي، بحثت بشكل أساسي - وفقاً لتقارير صحافية - قضية الحركات المسلحة التي تستضيفها إريتريا داخل حدودها ومشاركتها في الحرب إلى جانب الجيش، إلى جانب إبرام اتفاقات أمنية وعسكرية.

للعلم، الحركات الشرقية الثماني تدرّبت داخل إريتريا وتحت إشراف الجيش الإريتري وداخل معسكراته، وبعضها عاد إلى السودان للقتال مع جانب الجيش، وبعضها لا يزال في إريتريا. وعلى الرغم من النفي الإريتري الرسمي المتكرر، فإن كثيرين، وبخاصة من شرق السودان، يرون أن لإريتريا أطماعاً في الإقليم.

أما إثيوبيا، فهي الأخرى تخوض صراعاً حدودياً مع السودان وترفض ترسيم الحدود عند منطقة «الفشقة» السودانية الخصيبة بولاية القضارف. وإلى جانب تأثر الإقليم بالصراعات الداخلية الإثيوبية، فهو يضم الآلاف من مقاتلي «جبهة تحرير التيغراي» لجأوا إلى السودان فراراً من القتال مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي في عام 2020، ولم يعودوا إلى بلادهم رغم نهاية الحرب هناك. ويتردد على نطاق واسع أنهم يقاتلون مع الجيش السوداني، أما «الدعم السريع» فتتبنى التهمة صراحةً.

أخيراً، عند الحدود الشمالية حيث مثلث «حلايب» السوداني، الذي تتنازع عليه مصر مع السودان ويسيطر عليه الجيش المصري، فإن قبائل البشارية والعبابدة القاطنة على جانبي الحدود بين البلدين، تتحرك داخل الإقليم. وهي جزء من التوترات الكامنة التي يمكن أن تتفجر في أي وقت.

وبالتالي، ليس مبالغة القول إن شرق السودان يعيش على شفا حفرة من نار. وتحت الرماد جمرات قد تحرق الإقليم ولا تنطفئ أبداً.