التشكيليون العراقيون يلونون حياة بغداد اليومية رغم ظروفهم الصعبة

معارضهم في جميع أرجاء العاصمة تعكس الإبداع والتطور الفني

الفنانة ضحى الكاتب أمام لوحتها المعروضة  -  الفنانة الخزفية زينب الركابي
الفنانة ضحى الكاتب أمام لوحتها المعروضة - الفنانة الخزفية زينب الركابي
TT

التشكيليون العراقيون يلونون حياة بغداد اليومية رغم ظروفهم الصعبة

الفنانة ضحى الكاتب أمام لوحتها المعروضة  -  الفنانة الخزفية زينب الركابي
الفنانة ضحى الكاتب أمام لوحتها المعروضة - الفنانة الخزفية زينب الركابي

بين كل ركام فوضى الحياة اليومية في بغداد تبرز إبداعات الفنانين التشكيليين العراقيين لتلون المشهد اليومي دون كلل أو تراجع أو تأخير، وذلك من خلال أعمالهم التي تمجد الحياة، وترسخ لدى المتلقي فكرة أن بغداد مدينة حية على الدوام وعصية على اليأس والنسيان والإهمال، حسبما يؤكد الفنان التشكيلي عبد الرحيم ياسر الذي يتصدى لهموم الناس والأحداث اليومية برسومه الكاريكاتيرية المعبرة، التي تنشر في صحف محلية وعربية وعالمية.
يقول ياسر لـ«الشرق الأوسط»: «لم أترك بغداد في أكثر الظروف صعوبة وتعقيدا وما زلت أصر على البقاء هنا في بيئتي وبيتي.. البيئة التي أستمد منها مواضيعي وتمنحني سر الإبداع الفني»، مؤكدا على أن «الفن التشكيلي العراقي وفي جميع المدن يتطور ولم يشهد أي تراجع رغم ما ألم بالحياة اليومية من مصاعب مستحيلة.. وهذا سر بقاء بغداد متألقة وماضية نحو إشراقتها الأزلية».
ورغم ركام الخراب الذي يزداد منذ عبث قوات الاحتلال الأميركي في عام 2003 وإهمال الحكومات المتعاقبة لمرافق مدينة أبو جعفر المنصور، وخصوصا العمارة والثقافة بكل صنوفها.. «بل إن الجانب الثقافي هو أكثر المجالات إهمالا من قبل الحكومة»، حسبما يؤكد ياسر، منبها إلى أن «مشروعا رائدا على مستوى العراق والوطن العربي مثل دار ثقافة الأطفال، الذي كان ينتج المئات من كتب الأطفال وأعداد (مجلتي) و(المزمار) التي كانت تصل إلى أغلب دول العالم العربي، تم إهماله عن قصدية وهو اليوم (مشروع ثقافة الأطفال) في طريقه إلى النسيان بسبب عدم إدارته من قبل متخصصين وتخفيض ميزانياته».. رغم كل هذا تجذبنا عناوين المعارض التشكيلية المقامة في أكثر من مكان في العاصمة العراقية.
ويعبر الفنان التشكيلي بلاسم محمد التدريسي في كلية الفنون الجميلة عن تفاؤله «بوجود فنانين شباب مبدعين في الفن التشكيلي العراقي بينهم طالبات وطلاب في كلية الفنون الجميلة أدرسهم وأحرص على متابعتهم بدقة»، مشيرا إلى أسماء بعينها، منهم الفنانة ضحى الكاتب التي عرضت عملاً مهمًا للغاية في موضوعه وأسلوب تنفيذه في معرض جمعية الفنانين التشكيليين، إلى جانب أسماء ستكون لها أهميتها في الحركة التشكيلية العراقية».
يضيف الدكتور بلاسم محمد قائلا لـ«الشرق الأوسط» أن «تقاليد تدريس الفن التشكيلي في العراق راسخة ومنذ تأسيس معهد الفنون الجميلة في ثلاثينات القرن الماضي، وتتلخص في أن يمنح الأستاذ جل تجربته لطلبته ويتابعهم حتى بعد أن يتخرجوا وتكون لهم مكانة بارزة بين أسماء المبدعين»، مشيرا إلى أن «هذا ما يجعلنا متفائلين بأن الحركة التشكيلية في العراق تتقدم باستمرار».
غاليري جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين، التي تأسست عام 1956 وكان أول رئيس لها المعماري الشهير البروفسور محمد مكية، يستضيف حاليا معرض الفن التشكيلي العراقي المعاصر، الذي عرض أعمالاً للرسم والنحت لأجيال متفاوتة من الفنانين التشكيليين وأعمال لجيل السبعينات والثمانينات والجيل الجديد، وأبرزهم: محمد مسير، ضحى الكاتب، نادية فليح، محمد الكناني، رياض هاشم، حارث مثنى، رضا فرحان، زياد غازي، حسن إبراهيم، حليم قاسم، عقيل خريف، وضاح مهدي الورد، وهادي ماهود. ويعلق الفنان التشكيلي قاسم سبتي، رئيس جمعية الفنانين التشكيليين قائلا لـ«الشرق الأوسط» إن «هذا المعرض، وعلى الرغم من إقامته في ظروف حياتية قاسية، فإن أعماله تعبر عن تطور الإنجاز الإبداعي للفن التشكيلي في العراق سواء على مستوى الرسم أو النحت»، مشيرا إلى أن «الفن التشكيلي في العراق ورغم كل الظروف بدءا بالحرب العراقية الإيرانية 1980 - 1988 ومرورا بحرب الكويت وما تبعها من حصار، حيث كان من الصعب جدا على الفنان الحصول على مستلزمات الرسم من فرشاة وألوان وأقلام وكنفاص وورق، وليس انتهاء باحتلال العراق من قبل القوات الأميركية عام 2003، لم يتراجع أو يتوقف عن منجزه الإبداعي، بل على العكس ترجم ولا يزال ما بداخله من غضب أو حزن أو فرح أو حبه لبلده من خلال لوحاته أو منحوتاته، وهذا ما جعل الفن التشكيلي العراقي يبقى في المصاف الأول عربيا ويجد له موقعًا متميزًا دوليًا».
يضيف سبتي، وهو صاحب غاليري حوار في منطقة الوزيرية بجانب الرصافة من بغداد: «معرض الفن التشكيلي العراقي المعاصر سوف ينتقل قريبًا إلى باريس، وسوف تضاف أعمال للفنان الراحل رافع الناصري وسالم الدباغ ولي أنا».
وليس ضربا من الخيال، وأيضا، رغم ما يعيشه الفنان التشكيلي العراقي من مصاعب حياتية مقلقة وباعتباره أكثر حساسية في تلقي الأحداث، فقد اجتمع أمس مئات الفنانين التشكيليين العراقيين من جميع أنحاء البلاد للمشاركة في انتخابات الهيئة الإدارية للجمعية، التي حضرتها «الشرق الأوسط»، حيث شهدنا التعامل الراقي والنزيه لمجريات عملية ديمقراطية غاب نموذجها عن الحياة السياسية العراقية، التي تمخضت عن فوز تسعة أعضاء.. وكان مشهدًا يرسم التفاؤل في الحياة الثقافية خاصة مشاركة الفنانات التشكيليات واللواتي قدمت بعضهن من مدن بعيدة مثل الفنانة ندى عسكر التي قدمت من كركوك، مؤكدة «الحرص على إثبات وجودنا من خلال الإدلاء بأصواتنا ومن أجل أن تبقى القيم الديمقراطية سائدة في هذه الجمعية العريقة»، حسبما أوضحت، إضافة إلى حضور العشرات من زميلاتها المبدعات مثل: إيمان الدوغرمجي، ندى طالب، منى ميري وزينب الركابي، وهن فنانات لهن بصماتهن في الإنجاز التشكيلي.
يعلق سبتي الذي فاز بأغلبية كرئيس للجمعية: «لقد بذلنا جهدنا ومنذ أشهر من أجل أن تكون عملية الانتخابات نزيهة وتعبر عن إرادة الفنانين في انتخاب ممثليهم بالجمعية التي تأسست في العهد الملكي»، مشيرا إلى أن «هذه الانتخابات تجري كل 4 سنوات حسب النظام الداخلي الجديد للجمعية».
ويقول الفنان التشكيلي الدكتور حسام عبد المحسن مدرس في كلية الفنون الجميلة، الذي فاز بعضوية الهيئة الإدارية للجمعية، إن «مهمتنا تنحصر في دعم الفنانين التشكيليين لتقديم منجز إبداعي حضاري يتناسب وسمعة الفن التشكيلي العراقي»، مشيرا إلى أن «جمعية الفنانين التشكيليين ومنذ تأسيسها حافظت على مستوى راقٍ من العلاقات بين أعضائها وعلى مستوى متطور لمعارضها، وأن جزءًا كبيرًا من مهمتنا هو تعريف العالمين العربي والغربي بمنجزات فنانينا التشكيليين».
وعلى قاعة وزارة الثقافة بجانب الكرخ التي كانت تحمل اسم «مركز صدام للفنون» حيث كان أهم مركز للفنون التشكيلية على مستوى العالم العربي يقام اليوم معرضان للخزف (السيراميك) للفنانين قاسم حمزة ومحمود عجمي. تقول فنانة الخزف زينب الركابي، المسؤولة عن متحف الفنون التشكيلية في دائرة الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة: «على مدى أيام السنة تزدحم هذه القاعة بمعارض الفنانين التشكيليين سواء في مجالات الرسم أو النحت أو الخزف، وهناك حجوزات مسبقة لأن يعرض الفنانون أعمالهم هنا، حيث تقدم وزارة الثقافة الكثير من التسهيلات لهم بالإضافة إلى أن لهذه القاعة أهميتها الثقافية».
وتشير زينب في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «ما يجعلنا سعداء ومتفائلين هو إقبال الجمهور الواسع ومن مختلف شرائح المجتمع العراقي على تلك المعارض على الرغم من ظروفهم الحياتية الصعبة». وتقول: «أنا كفنانة تشكيلية أدرك ما يشعر به زملائي الفنانون المبدعون حيث لا مجال أمامهم سوى العمل من أجل تقديم منجز إبداعي يعيد لبغداد نبضها الثقافي الذي عُرفت به على مر العصور، فهناك وباستمرار معارض تشكيلية سواء في القاعات التي يمتلكها فنانون تشكيليون، مثل قاعة حوار، أو في المركز الثقافي البغدادي التابع لأمانة بغداد».



الذكاء الصناعي يهدد مهناً ويغير مستقبل التسويق

روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
TT

الذكاء الصناعي يهدد مهناً ويغير مستقبل التسويق

روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)

في السنوات الأخيرة، أثّر الذكاء الصناعي على المجتمع البشري، وأتاح إمكانية أتمتة كثير من المهام الشاقة التي كانت ذات يوم مجالاً حصرياً للبشر، ومع كل ظهور لمهام وظيفية مبدعةً، تأتي أنظمة الذكاء الصناعي لتزيحها وتختصر بذلك المال والعمال.
وسيؤدي عصر الذكاء الصناعي إلى تغيير كبير في الطريقة التي نعمل بها والمهن التي نمارسها. وحسب الباحث في تقنية المعلومات، المهندس خالد أبو إبراهيم، فإنه من المتوقع أن تتأثر 5 مهن بشكل كبير في المستقبل القريب.

سارة أول روبوت سعودي يتحدث باللهجة العامية

ومن أكثر المهن، التي كانت وما زالت تخضع لأنظمة الذكاء الصناعي لتوفير الجهد والمال، مهن العمالة اليدوية. وحسب أبو إبراهيم، فإنه في الفترة المقبلة ستتمكن التقنيات الحديثة من تطوير آلات وروبوتات قادرة على تنفيذ مهام مثل البناء والتنظيف بدلاً من العمالة اليدوية.
ولفت أبو إبراهيم إلى أن مهنة المحاسبة والمالية ستتأثر أيضاً، فالمهن التي تتطلب الحسابات والتحليل المالي ستتمكن التقنيات الحديثة من تطوير برامج حاسوبية قادرة على إجراء التحليل المالي وإعداد التقارير المالية بدلاً من البشر، وكذلك في مجال القانون، فقد تتأثر المهن التي تتطلب العمل القانوني بشكل كبير في المستقبل.
إذ قد تتمكن التقنيات الحديثة من إجراء البحوث القانونية وتحليل الوثائق القانونية بشكل أكثر فاعلية من البشر.
ولم تنجُ مهنة الصحافة والإعلام من تأثير تطور الذكاء الصناعي. فحسب أبو إبراهيم، قد تتمكن التقنيات الحديثة من إنتاج الأخبار والمعلومات بشكل أكثر فاعلية وسرعة من البشر، كذلك التسويق والإعلان، الذي من المتوقع له أن يتأثر بشكل كبير في المستقبل. وقد تتمكن أيضاً من تحديد احتياجات المستهلكين ورغباتهم وتوجيه الإعلانات إليهم بشكل أكثر فاعلية من البشر.
وأوضح أبو إبراهيم أنه على الرغم من تأثر المهن بشكل كبير في العصر الحالي، فإنه قد يكون من الممكن تطوير مهارات جديدة وتكنولوجيات جديدة، تمكن البشر من العمل بشكل أكثر فاعلية وكفاءة في مهن أخرى.

الروبوت السعودية سارة

وفي الفترة الأخيرة، تغير عالم الإعلان مع ظهور التقنيات الجديدة، وبرز الإعلان الآلي بديلاً عملياً لنموذج تأييد المشاهير التقليدي الذي سيطر لفترة طويلة على المشهد الإعلاني. ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه مع تقدم تكنولوجيا الروبوتات، ما يلغي بشكل فعال الحاجة إلى مؤيدين من المشاهير.
وأتاحت تقنية الروبوتات للمعلنين إنشاء عروض واقعية لعلاماتهم التجارية ومنتجاتهم. ويمكن برمجة هذه الإعلانات الآلية باستخدام خوارزميات معقدة لاستهداف جماهير معينة، ما يتيح للمعلنين تقديم رسائل مخصصة للغاية إلى السوق المستهدفة.
علاوة على ذلك، تلغي تقنية الروبوتات الحاجة إلى موافقات المشاهير باهظة الثمن، وعندما تصبح الروبوتات أكثر واقعية وكفاءة، سيجري التخلص تدريجياً من الحاجة إلى مؤيدين من المشاهير، وقد يؤدي ذلك إلى حملات إعلانية أكثر كفاءة وفاعلية، ما يسمح للشركات بالاستثمار بشكل أكبر في الرسائل الإبداعية والمحتوى.
يقول أبو إبراهيم: «يقدم الذكاء الصناعي اليوم إعلانات مستهدفة وفعالة بشكل كبير، إذ يمكنه تحليل بيانات المستخدمين وتحديد احتياجاتهم ورغباتهم بشكل أفضل. وكلما ازداد تحليل الذكاء الصناعي للبيانات، كلما ازدادت دقة الإعلانات وفاعليتها».
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الصناعي تحليل سجلات المتصفحين على الإنترنت لتحديد الإعلانات المناسبة وعرضها لهم. ويمكن أن يعمل أيضاً على تحليل النصوص والصور والفيديوهات لتحديد الإعلانات المناسبة للمستخدمين.
ويمكن أن تكون شركات التسويق والإعلان وأصحاب العلامات التجارية هم أبطال الإعلانات التي يقدمها الذكاء الصناعي، بحيث يستخدمون تقنياته لتحليل البيانات والعثور على العملاء المناسبين وعرض الإعلانات المناسبة لهم. كما يمكن للشركات المتخصصة في تطوير البرمجيات والتقنيات المرتبطة به أن تلعب دوراً مهماً في تطوير الإعلانات التي يقدمها.