الفنون الأدائية وسيلة مهرجان «الشوارع الخلفية» لبث البهجة في القاهرة والإسكندرية

يضم 15 عرضًا مسرحيًا وأفلامًا سينمائية وورشًا تدريبية بمشاركة 12 دولة

عرض {آمنت بالله} من كينيا يمزج الفنون الأدائية والسيرك والرقص المعاصر
عرض {آمنت بالله} من كينيا يمزج الفنون الأدائية والسيرك والرقص المعاصر
TT

الفنون الأدائية وسيلة مهرجان «الشوارع الخلفية» لبث البهجة في القاهرة والإسكندرية

عرض {آمنت بالله} من كينيا يمزج الفنون الأدائية والسيرك والرقص المعاصر
عرض {آمنت بالله} من كينيا يمزج الفنون الأدائية والسيرك والرقص المعاصر

الإبهار البصري والخروج بالفن للجمهور في الشارع وبث روح البهجة والمرح هي السمات المميزة لمهرجان «الشوارع الخلفية Backstreet Festival» للفنون الأدائية منذ انطلاقه عام 2012. هذا العام اتخذت الدورة الثالثة للمهرجان شعار «مشروع البهجة» ليعكس هدف المهرجان في إعطاء دفقة أمل وتفاؤل بالفنون في مساحات غير تقليدية بعيدا عن الأماكن والمسارح المغلقة، والارتكان إلى قدرة الفنون الباهرة على الوصول إلى كل البشر والتفاعل معهم بعيدا عن حواجز اللغة والعرق.
وقد انطلقت الدورة الثالثة يوم الجمعة الماضي وتجري فعالياتها في مدينتي الإسكندرية والقاهرة وتختتم يوم الخميس 22 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي. ويشتمل البرنامج على 15 عرضا مسرحيا متنوعا تقام في أماكن متعددة في المدينة مثل مركز الجيزويت الثقافي وتياترو الإسكندرية وستوديو جناكليس ومركز ريزودانس ومكتبة الإسكندرية والمعهد الثقافي الفرنسي والمعهد السويدي، كما تعرض بعض العروض في مسرح الفلكي بالجامعة الأميركية وتياترو المعادي بمدينة القاهرة.
الدكتور محمود أبو دومة مؤسس المهرجان ورئيسه، وأستاذ المسرح بالجامعة الأميركية بالقاهرة، هو صاحب عدد من المبادرات الثقافية التي تسعى للحوار بين الثقافات ودمج الفنون في الحياة اليومية للمصريين وإحياء الثقافة المصرية التي أصابها الركود، من بينها مهرجان المسرح الدولي بالإسكندرية، وهو أيضًا مؤسس تياترو الإسكندرية وتياترو المعادي، حيث يتيح من خلالهما مساحة لإطلاق الطاقات الإبداعية للشباب.
وحول هذا المهرجان قال أبو دومة لـ«الشرق الأوسط»: «استغرق تنظيم هذه الدورة عاما كاملا، وحرصنا على أن تركز الدورة الثالثة على تدوير المساحات الثقافية، وتوجيه الشباب لمدى تعدد مجالات استخدام الأماكن العامة وإمكانية تحويلها إلى مساحة للعروض الفنية بجانب استخدامها في أغراضها الأساسية التي أنشأت من أجلها». وأضاف: «المهرجان يخلق فضاء لتدريب الشباب على تقديم مواهبهم من خلال عدد من الورش التدريبية المتنوعة التي سوف تركز على تقنيات الفيديو والرسم الضوئي على الحوائط والمباني القديمة، والإسقاط وتكوين الرؤى البصرية باستخدام فنون الضوء، وهي تقنيات أصبحت مستخدمه في العروض الفنية حول العالم».
ولا تقتصر الفعاليات على العروض الفنية الحركية فقط، بل يتضمن البرنامج عدد من الأفلام السينمائية العالمية عن بعض العروض المسرحية وعروض السيرك وعروض التعبير الحركي وعروض الشارع من فرنسا وأميركا. كما يستضيف المهرجان هذا العام أيضًا برنامج مؤسسة «تدريب رواد الأعمال» ونشر النسخة العربية من كتاب «كيف تطلق مشروعا ابتكاريا ناجحا؟» بدعم من المجلس الثقافي البريطاني في مصر.
وتشارك في المهرجان هذا العام 12 دولة، هم: مصر وكينيا وألمانيا والنمسا وفرنسا وهولندا وسويسرا والمجر وبلغاريا واليابان وفنلندا وأميركا. وتشارك سويسرا بثلاثة عروض هي: «من دون لويس» الذي تقدمه فرقة روكوڤا، وهو يدور في إطار ثلاثة أفراد تجمعهم عاطفة بأداء فكاهي صامت. وعرض «الرجل اللمبة» لفرقة لينجا، هذا العرض المثير للتفكير والمقاربة يثيره راقص يتجول برأس هي «لمبة» أو مصباح كهربي، هو أشبه بـ«سايكلوب العصر الحديث» يتفاعل مع الجمهور والمارة في الطريق باحثًا في غرابة الوجود ويعكس تساؤلات المارة كالمرآة المشوشة، ويثير التفكير في تحول الإنسان لكائن مقيد بالتكنولوجيا، فهو يطل على العالم بضوئه، وقدم العرض من قبل بشوارع بيروت وليما ورام الله. أما العرض الثالث فهو عرض «متطاير» لمجموعة «لايز» أو أكاذيب، وهو مشروع مسرح جسدي مستوحى من «منطق الطير» ويمزج بين لغة الجسد وتقنيات المسرح، وهي منظومة من قصائد القرون الوسطى كتبها الشاعر الفارسي فريد الدين عطار. ومجموعة «لايز» انبثقت عن مبادرة من بروهلتفسيا القاهرة بالتعاون من فرقة لينجا وفرقة دريفت، وهم مجموعة من الممثلين يبحثون ويطورون منحى جماليا جديدا في المسرح.
من بين العروض المميزة في المهرجان، يبرز عرض «الغرافيتي الراقص» لفرقة «باند آرت» للإنتاج المسرحي من دولة المجر، وهو ينتمي إلى عروض مسرح الشارع المركبة والفريدة من نوعها ويدور العرض حول الأدوار، التي تلعبها الجدان الخاصة والعامة وجدران الشخصية الداخلية، التي تجمع بين الرقص وفن الغرافيتي الرقمي المتحرك. وتشارك مصر بعرض «بلالايكا» لمدرسة الدرب الأحمر للفنون بالقاهرة، وهو عبارة عن أمسية من الفن الخالص في عرض يخلط الأكروبات بفن الجاز والسير على الحبل مع اللعب بالكرة والغناء بألعاب بهلوانية. وأيضًا بعرض «نبض الشارع Street Beat» الذي يقوم على إيقاعات الطبول وآلات النفخ بمختلف أنواعها ويعتمد على التفاعل الحي مع جمهور الشارع. وشاركت كينيا بعرض رائع يجمع بين الحركات البهلوانية والسيرك والرقص المعاصر في عرض «آمنت بالله»، بينما قدمت فرقة براكسا من النمسا عرض سيرك بالضوء يركز على الإبهار البصري عبر الإيقاع الحركي للراقصين.
وفي عرض يتسم بالدقة والتعقيد والبساطة قدم الفنان الياباني يوسوكو إيكيدا عرض «أهلاً.. مع السلامة» ولمدة 25 دقيقة لم يخفت فيها الإبهار، قدم مزيجا من فن الإيمائية الصامتة «البانتومايم» مع الفنون السمعية والتصويرية بكلمات مستوحاة من أغنية «البيتلز» الشهيرة، حيث تظهر كلمات الأغنية في عدة مواضع متناغمة مع الموسيقى، أثناء تلاعبه بحرفية عالية بالكرات وخدع سحرية فأضفت التفاصيل الصغيرة المتناثرة هنا وهناك جمالاً خاصًا على العرض الذي خلق لغة تواصل خاصة مع الجمهور.
ورغم ما يقدمه المهرجان من فرصة مجانية للترفيه للشعب المصري الذي يعاني ظروفا اقتصادية صعبة لا تكفل فرص الترفيه والمرح لغالبيته العظمى، فإن المهرجان واجه عدة عوائق كان أغربها منع إدارة الجمارك بمطار الإسكندرية دخول الديكور المسرحي للعرض الهولندي «دوشة في المطبخ» للفنان برام غرافلاند، الأمر الذي يمنع صناع العرض من تقديم عرضهم ضمن فقرات المهرجان، فقد تسببت غرابة الآلة الرئيسية التي يقوم عليها العرض وهي أشبه بطبلة ضخمة بها مطبخ متحرك تطهو وتعزف في آن واحد، حيث يمزج العرض بين المسرح والسيرك والحفل الموسيقي، لإعداد فطيرة واحدة فريدة في النهاية وسط المكونات المتناثرة والموسيقى الساحقة وسكين الطهي الحاد.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».