15 ألف زائر لمتحف الإنسان في باريس بعد تجديده

700 ألف قطعة من الهياكل تروي تاريخ البشرية وتنوع أجناسها

الحيوانات التي رافقت الإنسان في الطبيعة
الحيوانات التي رافقت الإنسان في الطبيعة
TT

15 ألف زائر لمتحف الإنسان في باريس بعد تجديده

الحيوانات التي رافقت الإنسان في الطبيعة
الحيوانات التي رافقت الإنسان في الطبيعة

لم تكن عطلة نهاية الأسبوع الماضية عادية في ساحة تروكاديرو المطلة على برج إيفل في باريس. فقد تجمع الآلاف منذ ساعات الصباح الأولى، على مدى ثلاثة أيام، أمام القصر التاريخي لمتحف الإنسان الذي يقع في صدر الساحة. ولم يأتِ كل أولئك الرجال والنساء للتظاهر والمطالبة بزيادة الأجور وتحسين شروط العمل، على غرار مظاهرات الشرطة والممرضات والمحامين خلال الأيام الماضية، بل للاستفادة من مجانية الدخول إلى المتحف خلال الأيام الثلاثة الأولى من فتح أبوابه للجمهور بعد أكثر من 6 سنوات من الإغلاق للتجديد.
عائلات كاملة جاءت مع أطفالها للتمتع بكنوز من المعروضات التي تستهوي الصغار وتثير فضولهم مثل الكبار: جماجم للإنسان الأول، وهياكل كبيرة لديناصورات منقرضة، وطيور وحيوانات محنطة من مختلف الأنواع، وتاريخ الجنس البشري، من كل الأعراق والألوان والأجناس والأعمار، متاح للناظرين في أسلوب عرض مدروس وبالغ الجاذبية، مع شروح وصور وأفلام وأدلة بعدة لغات. وحسب إدارة المتحف فإن عدد الزوار في فورة الافتتاح بلغ 15 ألفًا خلال 3 أيام. على أمل أن يصل العدد إلى 400 ألف زائر في العام. بينما كان العدد لا يتجاوز 150 ألفًا قبل التجديد. ولا شك أن الدعاية التي رافقت إعادة الافتتاح والتقارير التي نشرتها الصحف والأفلام التي عرضت في نشرات التلفزيون، كان لها أثر في حشد كل هؤلاء الناس لرؤية مرفق يهتم بتاريخ الكائن البشري منذ فجر السلالات وحتى اليوم.
متحف تتسلل إليه أشعة الشمس وتغمر صالاته الجديدة إنارة جيدة بعد أن كانت القتامة تخيم عليه وعلى موجوداته. كما أن العرض ليس مجرد فرجة على مقتنيات على لقى تخلفت من العصور الجليدية، بل جرى اختيار المعروضات وتنظيمها وفق نظرة علمية وتاريخية وفنية وجمالية اشترك فيها العشرات من المتخصصين. وكان هناك هدف رفيع يضعونه نصب أعينهم وهو الاحتفاء بالتعددية وبالتنوع الجميل بين الأقوام والحضارات والسلالات القديمة. كما يمكن للزائر أن يشاهد برج إيفل، من خلال النوافذ العريضة الممتدة بارتفاع الجدران، من إطلالة رائعة يشعر معها وكأنه قادر على أن يلمس حديد البرج لو مد يده من الشباك.
يسمح المتحف لزائريه بأن يتعرفوا على المنابع التي ظهرت فيها البشرية، وماهية الكائن الإنساني وأشكاله على الأرض، وتطوراته خلال الحقب المختلفة، منذ أن كان يمشي على أربع حتى استقام وصار يسير على قدميه فحسب. ولتيسير ذلك، تقف 700 ألف قطعة من المعروضات العائدة لما قبل التاريخ، و30 ألفًا من المجاميع الدالة على علم الأجناس، مع 6 آلاف وسيلة من وسائل الشرح والإيضاح تصور أشكال الطبيعة والمجتمعات الإنسانية. ولعل أكثر قاعات العرض جاذبية تلك الصالة التي تمتد بطول 19 مترًا ولها سقف بارتفاع 11 مترًا، وتتجمع فيها مجسمات نصفية لـ90 صدرًا من البرونز والجبس، أنجزها العلماء في القرن التاسع عشر بالاستناد إلى قوالب لسكان أصليين من أفريقيا وآسيا والقارة الأميركية.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».