بناء على نصيحة من ابنتها، قصدت أرملة في السبعينات من عمرها، الدكتور ديفيد غودمان، الأستاذ المساعد في قسم الطب النفسي والعلوم السلوكية في كلية جونز هوبكينز للطب، لكي يشخص حالة النسيان المتكرر التي تعاني منها، حيث كانت تفقد مرارًا حافظتها ومفاتيحها وتجد صعوبة في متابعة الأحاديث، بل وتنسى كثيرا من تفاصيلها بعد 15 دقيقة فقط.
واستبعد غودمان الإصابة المبكرة بمرض ألزهايمر، ثم سأل المريضة عن أدائها في المدرسة خلال فترة المراهقة. وقال غودمان، الذي يعمل أيضًا مديرًا لمركز تشخيصي وبحثي متخصص في متلازمة «قصور الانتباه وفرط الحركة»، إن المرأة أبلغته قائلة: «كنت أخط رسومًا بلا معنى لأنني لم أكن أستطيع الانتباه إلى المعلم، ولم أكن أدري بما يدور حولي، وكان المعلم ينقلني إلى مقدمة الصف».
* قصور الانتباه
وبعد إجراء مقابلات مكثفة مع الأرملة السبعينية، ومع ملاحظته وجود أنماط متكررة من الإعاقة التي امتدت على مدار عقود، شخّص غودمان الحالة على أنها متلازمة «قصور الانتباه وفرط الحركة»، ووصف للمريضة عقار «فيفانز»، وهو محفز سريع المفعول للجهاز العصبي المركزي.
وبعد أسابيع قليلة، كان الفارق لافتًا للنظر. وتقول المرأة: «أنا مندهشة، لأنني لم أعد أضع المفاتيح في غير مكانها، وتحسنت قدرتي على تذكر الأشياء، ولا يتشتت ذهني، وأصبحت قادرة على مواصلة التركيز عند إجراء الأحاديث، ويمكنني مواصلة عمل الأمور حتى أنتهي منها».
لقد ازداد الوعي مؤخرًا بأن «قصور الانتباه وفرط الحركة» يلازم المرء طوال حياته، وليس اضطرابا يصيب الأطفال والمراهقين بالدرجة الأساسية.
وفي دراسة واسعة أجريت عام 2012 على السكان الهولنديين تناولت الانتشار الوبائي لمتلازمة «قصور الانتباه وفرط الحركة» لدى الكبار، رُصد هذا الاضطراب لدى نحو 3 في المائة من الأشخاص فوق سن الستين، ورغم ذلك، فإننا لا نعرف كثيرا عن تأثيره على المسنين أو حتى هوية المصابين به.
ويقول الدكتور توماس براون، المدير المساعد لـ«عيادة يال للانتباه والاضطرابات المرتبطة» في كلية الطب بجامعة يال: «بالكاد لدينا مراجع» في هذا الصدد. ولم تشمل تقريبًا جميع التجارب الإكلينيكية والدراسات الوبائية حول هذه المتلازمة أشخاصا فوق سن الخمسين. ويضيف: «لكن عددًا قليلاً من الذين يعانون من هذه الأعراض يأتون إلى مكتبي، ولذلك من المنطقي أن نفترض أن كثيرا من المسنين يعانون من قصور الانتباه وفرط الحركة».
إن تصاعد الوعي بهذه المتلازمة أدى إلى زيادة عدد الحالات المحولة من كبار السن إلى العيادات المتخصصة. ويقول الدكتور مارتن ويتزل، الأستاذ المساعد في مجال الطب النفسي في «جامعة مركز نبراسكا الطبي»: «يعالج الطفل، ثم أحد الوالدين، فيبدأ الجميع ينتبهون إلى الجد، ويحضرونه إلى الطبيب».
* تشخيص الأعراض
إلا أن كثيرا من الأطباء وخبراء الصحة العقلية يخطئون في تشخيص الأعراض مثل اضطراب الذاكرة قصيرة الأجل أو العجز عن التركيز على هدف محدد. وقال ويتزل: «إننا لا نوفر التدريب اللازم للمتخصصين في الرعاية الصحية حول (متلازمة قصور الانتباه وفرط الحركة)».
وقال براون: «معظم الأطباء لا يفكرون في المتلازمة بوصفها سمة لشخص في الستين أو أكبر سنًا». وهكذا يتم التغافل عن الحالة لدى رجل ثمانيني يعاني اضطرابًا في الحفاظ على تركيزه بدار المسنين، على الرغم من أن تاريخه المرضي يشير إلى معاناته المزمنة من قصور الانتباه.
وحتى نحو 3 أعوام مضت، لم تكن معظم الدراسات حول الإدراك والذاكرة في الشيخوخة تشمل أي أشخاص يعانون من متلازمة «قصور الانتباه وفرط الحركة»، على الأقل بشكل متعمد وواع. وقال ويتزل: «هناك أعداد كبيرة من المصابين بالمتلازمة في الأعماق الدفينة لكل الدراسات التي تناولت القصور الإدراكي الطفيف ومرض ألزهايمر المبكر.. ولا نعرف في هذه الدراسات من كان مصابًا بالمتلازمة ومن لم يكن، لأنه لم يطرح أحد السؤال أصلاً».
لكن اكتشاف «قصور الانتباه وفرط الحركة» ليس بالأمر السهل؛ إذ لا يوجد تحليل للدم أو أشعة يمكن أن تقدم تمييزًا قاطعًا، لذا فإن تشخيص المتلازمة عملية إكلينيكية بالأساس. وقال غودمان: «وهنا مكمن الصعوبة في المرضى المسنين. ويتعين على المرء أن يفرق بين الأعراض المميزة للمتلازمة، والتدهور الإدراكي المرتبط بالمرحلة العمرية، ويمكن للشخص أن يعاني من الاثنين بشكل متزامن».
ويقول الدكتور لينارد إدلر، مدير برنامج متلازمة «قصور الانتباه وفرط الحركة» لدى البالغين في كلية لانغون للطب بجامعة نيويورك، والرئيس السابق للجمعية المهنية الأميركية لمتلازمة «قصور الانتباه وفرط الحركة» والاضطرابات المتصلة، إن «المسألة الأساسية هي الوصول إلى التشخيص الصحيح، ووصف الدواء الصحيح للأفراد الذين يحتاجون إليه، والتأكد من إجراء المسح المناسب للتاريخ المرضي قبل تلقي العلاج».
* نجاح العلاج
ويتلقى المسنون المصابون بمتلازمة «قصور الانتباه وفرط الحركة» العلاجات نفسها التي توصف للأطفال، وهي محفزات مثل «أديرال» أو «ريتالين»، لكنها تمثل تحديات خاصة للمرضى من كبار السن.
وقال براون: «لو كانوا يعانون من مشكلات في القلب أو ضغط الدم، فسيتعين على الطبيب أولاً التركيز على حل هذه المشكلات أو السيطرة عليها، وبعدها يمكنه أن يصف المحفز». وأضاف أنه نجح في علاج عدد من الأشخاص في أوائل أو منتصف السبعينات من أعمارهم بهذه المحفزات.
لكن لماذا تعالج الناس في سن متقدمة من شيء كانوا يعانون منه طوال حياتهم؟
ويقول غودمان: «فلنفترض أنك أمضيت حياتك بأسرها لا تعمل على مستوى هو داخل حدود قدراتك، وكنت تعتقد أن ذلك نابع من شخصك، وفجأة تلقيت تشخيصًا ودواء كشف لك أن كل الانتقادات التي كانت توجه إليك من محيطك ليست بسبب طبيعة شخصيتك، ولكن بسبب شيء ما كنت تعاني منه.. هذه تجربة محررة للنفس، حتى لو كنت في سن الـ65 أو 72 أو 83 عاما».
* خدمة «نيويورك تايمز»
توجهات حديثة للتمييز بين مرضي ألزهايمر وقصور الانتباه
أكثر المسنين يعانون من تشتت الذهن وليس من الخرف
توجهات حديثة للتمييز بين مرضي ألزهايمر وقصور الانتباه
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة