«مركز الملك سلمان» يدعم ثقافة التخطيط لدى الشباب بـ4 محاضرات في الدمام

أنهى محطته الثالثة بحضور ألفي شاب وشابة

جانب من الحضور لفعاليات مركز الملك سلمان في جامعة الدمام
جانب من الحضور لفعاليات مركز الملك سلمان في جامعة الدمام
TT

«مركز الملك سلمان» يدعم ثقافة التخطيط لدى الشباب بـ4 محاضرات في الدمام

جانب من الحضور لفعاليات مركز الملك سلمان في جامعة الدمام
جانب من الحضور لفعاليات مركز الملك سلمان في جامعة الدمام

واصل مركز الملك سلمان للشباب مشواره في طريق هدفه المرسوم بتزويد الشباب والشابات السعوديين بثقافة التخطيط والإسهام بشكل فعال في نقل خبرات بيت الشباب، حيث أنهى محطته الثالثة تحت عنوان (ملتقى خطط 3)، التي شهدت تفاعلا كبيرا من أبناء المنطقة الشرقية، بقاعة المؤتمرات بجامعة الدمام نهاية الأسبوع الماضي، وتناول المتحدثون فيها، لمدة 5 ساعات، أربع محطات رئيسية مهمة في حياة الشباب، بحضور نحو 2000 شاب وشابة.
وكانت البداية بمحاضرة حملت عنوان «الحلم صناعة» للدكتور إبراهيم علوي خبير الموهبة والإبداع واستعرض من خلالها قصة أوساهيرا الياباني الذي كان يحلم بصناعة المحركات في اليابان، وكيف تحوّل الحلم إلى واقع، وكيف استطاع أوساهيرا أن ينشئ مصنعًا.
وأوضح أن هناك لعبة مميزة اسمها كرة الرأس ويقصد بها التفكير، مبينًا أهمية الحلم وكيفية كتابته، وأن أكبر خطأ يجري ارتكابه في وضع الأهداف هو وضع أهداف عظيمة، وأن الصحيح توزيع الأهداف إلى مراحل يمكن تحقيقها.
وأشار إلى أن «الإبداع في كتابة الحلم شيء مهم، وأن وضع الهدف يولد الدافعية، وأن ما أبنيه اليوم سأعيشه غدًا»، مبينًا أن هناك 3 أشخاص لن يحققوا أحلامهم، هم: «من يقول سترى ماذا أفعل، ومن لا يستطيع التحكم في نفسه، ومن لا يعرف كيف يضع حلما عظيما»، لافتًا إلى أن استراتيجية تحقيق الحلم تبدأ من خلال وضع هدف ثم توزيعه على خط الزمن، مستشهدًا بعبارة (خطط.. نفذ.. قيم). وختم الدكتور إبراهيم حديثه باستعراض إحدى تجاربه وكانت من خلال كتابته لأحد أحلامه في ورقة بإبداع، ومن ثم وضع الورقة في محفظته، وأصبح كلما فتح محفظته رأى حلمه واستمر ذلك 10 سنوات حتى تحقق.
وفي محاضرة ثانية حملت عنوان «التخطيط مشروع حياة» للدكتور خالد السبر خبير التخطيط الشخصي، بيّن فيها كيفية التعرف على الذات والآخرين من خلال نظرية الأشكال الهندسية، فأي مؤسسة يوجد بها مربعات كثيرة تعتبر ناجحة لأنهم منظمون.
وربط السبر ذلك بالتخطيط من خلال معرفة كل شخص إلى أي شكل هندسي ينتمي ومن ثم يحاول تغييره بما يتوافق وتخطيطه وحلمه، كما طالب بضرورة أن يصف الإنسان نفسه (طالب، موظف.. إلخ) وحلمه (مهندس، طبيب.. إلخ)، وبأي اتجاه يسير «هل تسير على الطريق الصحيح؟».
وتحدث عن التخطيط وأهميته وأن التخطيط أنواع منها بعيد المدى أو ما يسمى التخطيط الاستراتيجي، وقصير المدى ويسمى التخطيط التكتيكي، مشيرًا إلى وجوب أن يضع المخطط تساؤلات لنفسه عن وضع التخطيط.
وفي التخطيط الاستراتيجي الشخصي حدد 3 خطوات هي: وضع الرؤية، وتحديد المدى الزمني، وتحديد الطريق، وأن المشروع يُقصد به مجهود مؤقت، الهدف منه الحصول على منتج أو خدمة أو نتيجة مميزة، وأن للمشروع دورة حياة تتمثل في: التأسيس، والتخطيط، والتنفيذ، والمراقبة، والانتهاء، مستشهدًا بعدد من الأسماء المبدعة في العالم.
تلا ذلك محاضرة ثالثة بعنوان «المال ادخار واستثمار» للدكتور كمال شعبان عبد العال خبير التطوير المالي، قال فيها إن تمتع الفرد بالكرامة المالية يعني أنه يمتلك الموارد المالية الكافية التي تمكنه من عيش حياة ذات جودة مرضية ويشعر فيها بأمان يساعده على تحقيق أحلامه، وأن الإدارة المالية الشخصية تعمل على ضمان بقاء الفرد مستقلاً وبالتالي حماية مبادئه الأخلاقية في السراء والضراء. واستعرض عبد العال أثر امتلاك الكرامة المالية على الأفراد والعائلات والمجتمعات، فيما وضح في جزء من برنامج الوعي الذي يقدمه الفروقات بين المستقل ماليًا والمعتمد على الآخرين من نواح عدة، مضيفًا أن الأهداف الذكية للتخطيط المالي، هي: محددة، وقابلة للقياس، وقابلة للتحقيق، وحقيقية وواقعية، ومحددة بزمن. وحذر الدكتور كمال من الاقتراض إلا بعد دراسة عميقة لكيفية السداد والنتائج المترتبة على عدم السداد، مختتمًا محاضرته بضرورة ادخار ما بين 10 و30 في المائة من دخله الشهري ليسير بها حياته في وقت الظروف الطارئة التي قد تحصل له.
وأخيرًا، تحدث الدكتور فهد السنيدي خبير الاتصال في محاضرة «الاتصال عين التواصل»، التي أكد فيها أن الاتصال هو العملية التي يجري بها نقل المعلومات والمعاني والأفكار من شخص إلى آخر.
وقال الدكتور السنيدي إن العملية الاتصالية تتحقق من خلال وضوح الرسالة، وفهم الرسالة، وإن أكثر من 90 في المائة من الرسائل المفهومة خطأ بسبب المرسل، وفك الشفرة، «هنا يكون الفرق بين الاتصال والتواصل».
وقال إن الفرد العادي يستغرق في الاستماع ثلاثة أمثال الوقت الذي يمضيه في القراءة، وأنه في استطلاع حول ما يتعلمه الطفل عن طريق الاستماع، كانت النتيجة أن من يتعلمون عن طريق القراءة نسبتهم 35 في المائة، وأن من يتعلمون عن طريق الكلام نسبتهم 22 في المائة، ومن يتعلمون عن طريق الاستماع جاءوا بنسبة 25 في المائة، وعن طريق الكتابة بنسبة 17 في المائة.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)