ما يجري هو قنبلة صنعها إهمال السلطة الفلسطينية والتجاهل الإسرائيلي

محللو الجيش الإسرائيلي يتوقعون استمرار هبة الشباب الفلسطيني لفترة طويلة

جندي إسرائيلي يفتش شابا فلسطينيا عند أحد الحواجز الإسمنتية التي استحدثتها قوات الاحتلال في أماكن عدة في القدس (أ.ب)
جندي إسرائيلي يفتش شابا فلسطينيا عند أحد الحواجز الإسمنتية التي استحدثتها قوات الاحتلال في أماكن عدة في القدس (أ.ب)
TT

ما يجري هو قنبلة صنعها إهمال السلطة الفلسطينية والتجاهل الإسرائيلي

جندي إسرائيلي يفتش شابا فلسطينيا عند أحد الحواجز الإسمنتية التي استحدثتها قوات الاحتلال في أماكن عدة في القدس (أ.ب)
جندي إسرائيلي يفتش شابا فلسطينيا عند أحد الحواجز الإسمنتية التي استحدثتها قوات الاحتلال في أماكن عدة في القدس (أ.ب)

في الوقت الذي تتعاطى فيه القيادة السياسية الإسرائيلية مع الهبة الشعبية الفلسطينية على أنها «رد فعل ناتج عن حملة تحريض كاذبة يديرها الرئيس الفلسطيني محمود عباس وحماس والحركة الإسلامية في إسرائيل»، يحاول عدد من القادة العسكريين توصيل رسائل مخالفة، توضح أن السبب الحقيقي للانفجار هو اليأس والإحباط السائدان في صفوف الشعب الفلسطيني، خصوصا جيل الشباب، لا سيما العاطلين عن العمل منهم. وأنذر هؤلاء بأن الهبة ستستمر طويلا.
ونقل الكاتب والخبير في الشؤون العسكرية، أليكس فيشمان، الذي يعد مقربا من قيادة الجيش والاستخبارات، بعضا من الأجواء السائدة في قيادة الأجهزة الأمنية، فقال إنهم يرون أن الحل الفوري يجب أن يكون «استخدام منسوب عال جدا من القوة»، لكنهم يعرفون أن هذا الحل مؤقت، وأن القضية لن تحل بشكل جوهري إلا بحل سياسي يغير الواقع الفلسطيني بشكل حاد نحو السلام والاستقرار والازدهار الاقتصادي. وقال فيشمان: «أنا لا أتحدث عن احتلال الضفة الغربية أو فرض حصار شامل على المناطق. ولكن لا يمكن إخماد هذه النار إلا عن طريق إغراق المنطقة بالقوات، والوجود المتواصل في مراكز الاحتكاك والمواقع الحساسة، والقيام باعتقالات جماعية للمشاغبين، وعقوبات قاسية تتضمن معاقبة أولياء أمور القاصرين المتورطين بأعمال العنف. ووجود متواصل ولفترة طويلة من الزمن بالتوازي مع هذه الخطوات القاسية. فقد يؤدي (هذا كله) في نهاية المطاف، إلى إخماد الحريق، لكنه لن يخمد الجمرة التي ستشتعل مجددا كلما قام أحدهم بسكب الوقود».
ويضيف فيشمان: «هذه الانتفاضة تقاد من قبل الشباب والشابات دون جيل الـ20، الذين يخرجون إلى الشوارع لقتل اليهود. ولا يأخذ احتمال مقتلهم حيزا كبيرا في اعتباراتهم، مثل الحيز الذي تأخذه إمكانية تحولهم إلى أبطال قوميين والحصول على التقدير من بيئتهم القريبة، التي تعد أكثر إغراءً. لكن هنا، نواجه صعوبة في قبول حقيقة أن هبة الكراهية والغضب الموجودة عند هذه الشريحة من الشبان والشابات في المجتمع الفلسطيني لا يمكن وقفها بشكل فوري. من الصعب علينا أن نفهم أن ما يجري هو ليس مجرد هبة بسبب الضائقة السياسية، التي ستختفي في حال أرغمنا السلطة الفلسطينية على وقفها، أو إذا توصلنا إلى نوع من الاتفاق مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس حول استئناف المحادثات. وحتى إيجاد حل ما حول قضية الحرم القدسي فإننا لن نضمن هدوءا فوريا، لأن (انتفاضة الشباب) أخرجت إلى الشوارع، حتى الآن، ممثلين عن جيش العاطلين عن العمل الكبير ممن يعيشون في المناطق».
ويوضح فيشمان «هذا التحليل يأتي من خلال عرض معطيات موجودة لدى الجيش الإسرائيلي تفيد بأن مئات آلاف الشباب، غالبيتهم من المثقفين والعديد منهم أكاديميون، لا يعملون ويتجولون طوال اليوم ويعانون من الملل، وهم مسممون من دون أي أمل يلوح في الأفق. وتتحدث الإحصائيات الجافة عن 31.4 في المائة من الشباب في السلطة الفلسطينية لا ينتمون لأي منظومة، لكن على الأغلب أن النسبة الحقيقية أعلى من ذلك. هؤلاء الأكاديميون، الذين لم ينجحوا في العثور على وظيفة تلائمهم في السلطة الفلسطينية، يعملون في مجالات الزراعة والبناء، مما يزيد من الشعور بأن حياتهم لا قيمة لها. وهذا الخراج (الدمل)، الذي كان يتقيح منذ سنوات، انفجر الآن في شوارعنا (في إسرائيل). في هذه الأثناء، تحاول كل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية منع شرائح أوسع من الانضمام إلى موجة العنف. لذلك، ما زالت إسرائيل مستمرة بمنح تصاريح دخول للعاملين الفلسطينيين، وتمتنع عن فرض عقوبات اقتصادية على الضفة الغربية، وإقامة حواجز أو فرض حصار وحظر تجول. الهدف هو التمييز بين المشاغبين وبقية السكان في الضفة الغربية. الطاعنون بالسكاكين والقتلة الذين يجتاحون الشوارع ليسوا مجانين من هوامش المجتمع. جميعهم تقريبا دون سن العشرين، طلاب مدارس ثانوية وجامعات، دونأية سوابق أمنية. هذه القنبلة نشأت نتيجة سنوات من الإهمال في السلطة الفلسطينية وتجاهل إسرائيلي. هؤلاء الشباب لا يأبهون للسلطة الفلسطينية التي استخدمت مليارات الدولارات التي حصلت عليها من العالم، لكي تعبئ جيوب المنظومات الأمنية والإدارية من أجل الحفاظ على إخلاصها. وهم لا يجتاحون الشوارع للقيام بعمليات طعن بسبب المشاكل السياسية الإقليمية. في حين أن ما يصيب الكرامة القومية من ضرر في الحرم القدسي يعد سببا أساسيا لهذه الأحداث، إلا أنه يشكل محركا يدفع هؤلاء الشباب إلى الانفجار في وجه عناصر الشرطة، والجنود والمواطنين الإسرائيليين».
ويقول فيشمان: «إن خبراء المؤسسة العسكرية الإسرائيلية كانوا يتابعون هذه الظاهرة ويكتبون عنها ويحذرون منها منذ سنوات، لكن لا أحد – في إسرائيل ولا في السلطة الفلسطينية – قام بأي شيء حيال ذلك. إذ إن ذلك يتطلب عملية طويلة الأمد مع استثمارات ضخمة، ومن في الشرق الأوسط لديه الوقت للاستثمار في عمليات طويلة الأمد؟ فهناك 36 في المائة من شباب الضفة الغربية أنهوا تعليمهم الثانوي، أو أعلى من ذلك. 11 في المائة منهم حائزون على لقب جامعي أول على الأقل. في غزة، مستوى التعليم أعلى من ذلك: 45 في المائة أنهوا التعليم الثانوي على الأقل، وأكثر من 14 في المائة حائزون على اللقب الأول. في الضفة الغربية، نحو 30 في المائة من شريحة الأعمار 19 - 24 سنة عاطلون عن العمل. في غزة، هذه النسبة تصل إلى 63 في المائة. قنبلة الهيجان هذه لا يمكن وقفها بشكل فوري. ولها عواقب وخيمة على المجتمع الفلسطيني أيضا. نسبة الجرائم في هذا المجتمع، خصوصا في غزة، تصل إلى أحجام لم تشهدها من قبل من ناحية مداها وخطورتها. خطاب بنيامين نتنياهو أمام الكنيست يوم الاثنين الماضي - الذي دعا فيه الجمهور العربي إلى النظر في عواقب الربيع العربي في الدول المجاورة، مقارنة مع الوضع الرائع هنا - تظهر أن رئيس الوزراء والذين من حوله لا يعون، ولا يهتمون حقًا، بما يحدث في المجتمع الفلسطيني».



3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
TT

3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)

قدمت الحكومة اليمنية عبر سفارتها في واشنطن 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية في مواجهة الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، في حين تحدثت الجماعة، الأحد، عن غارة ضربت موقعاً لها في جنوب محافظة الحديدة.

ووصف الإعلام الحوثي الغارة بـ«الأميركية - البريطانية»، وقال إنها استهدفت موقعاً في مديرية التحيتا الخاضعة للجماعة في جنوب محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، دون إيراد تفاصيل عن آثار الضربة.

مقاتلات أميركية من طراز «إف 35» شاركت في ضرب الحوثيين باليمن (أ.ب)

وفي حين لم يتبنَّ الجيش الأميركي على الفور هذه الغارة، تراجعت خلال الشهر الأخير الضربات على مواقع الحوثيين، إذ لم تسجل سوى 3 غارات منذ 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكانت واشنطن أنشأت تحالفاً بقيادتها سمّته «حارس الازدهار» وبدأت - ومعها بريطانيا في عدد من المرات - في شن ضربات على مواقع الجماعة الحوثية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، في مسعى لإضعاف قدرة الجماعة على مهاجمة السفن.

وإذ بلغت الغارات أكثر من 800 غارة غربية استأثرت محافظة الحديدة الساحلية بأغلبها، كانت الجماعة تبنت مهاجمة نحو 215 سفينة منذ نوفمبر 2023، وأدت الهجمات إلى غرق سفينتين وإصابة أكثر من 35 سفينة ومقتل 3 بحارة.

وتزعم الجماعة الموالية لإيران أنها تشن هجماتها ضد السفن إلى جانب عشرات الهجمات باتجاه إسرائيل مساندة منها للفلسطينيين في غزة، في حين تقول الحكومة اليمنية إن الجماعة تنفذ أجندة طهران واستغلت الأحداث للهروب من استحقاقات السلام.

تصنيف ودعم وتفكيك

في وقت يعول فيه اليمنيون على تبدل السياسة الأميركية في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب، لتصبح أكثر صرامة في مواجهة الحوثيين الذين باتوا الذراع الإيرانية الأقوى في المنطقة بعد انهيار «حزب الله» وسقوط نظام بشار الأسد، قدم السفير اليمني لدى واشنطن محمد الحضرمي 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ لدعم بلاده.

وتتضمن المقترحات الثلاثة إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، ودعم الحكومة اليمنية لتحرير الحديدة وموانئها، واستهداف قيادات الجماعة لتفكيك هيكلهم القيادي.

محمد الحضرمي سفير اليمن لدى الولايات المتحدة ووزير الخارجية الأسبق (سبأ)

وقال السفير الحضرمي إن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية على غرار تصنيف «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني، من شأنه أن يبعث برسالة قوية مفادها أن أفعال الحوثيين (ترويع المدنيين، واستهداف الأمن البحري، وزعزعة استقرار المنطقة) غير مقبولة.

وبخصوص دعم الحكومة اليمنية لتحرير ميناء الحديدة، أوضح الحضرمي في مداخلته أمام مجلس الشيوخ الأميركي أن تأمين هذا الميناء الحيوي على البحر الأحمر، من شأنه أن يمكن الحكومة من حماية البحر الأحمر وإجبار الحوثيين على الانخراط في السلام، وكذلك منع وصول الدعم الإيراني إليهم.

وأكد الحضرمي أن تحرير الحديدة لن يكلف الحكومة اليمنية الكثير، وقال: «كنا على مسافة قليلة جداً من تحرير الحديدة في 2018، وتم إيقافنا من قبل المجتمع الدولي. وأعتقد أنه حان الأوان لتحرير هذا الميناء».

وفيما يتعلق باستهداف قيادات الحوثيين لتفكيك هيكلهم القيادي، شدد السفير اليمني في واشنطن على أهمية هذه الخطوة، وقال إن «محاسبة قادة الميليشيات الحوثية على جرائمهم ستؤدي إلى إضعاف عملياتهم وتعطيل قدرتهم على الإفلات من العقاب».

وأضاف: «ستعمل هذه التدابير على تعزيز أمن البحر الأحمر، وحفظ دافعي الضرائب وهذا البلد (الولايات المتحدة) للكثير من المال، ومحاسبة الحوثيين على أفعالهم، وتوفير الضغط اللازم لإجبار الجماعة على الانخراط في المفاوضات، مما يمهد الطريق لسلام دائم في اليمن».

ورأى السفير اليمني أن الدبلوماسية وحدها لا تجدي نفعاً مع النظام الإيراني ووكلائه، وقال: «حاولنا ذلك معهم لسنوات عديدة. (السلام من خلال القوة) هو المجدي! وأنا واثق بأن الشعب اليمني والإيراني سيتمكنون يوماً ما من تحرير أنفسهم من طغيان النظام الإيراني ووكلائه».

اتهام إيران

أشار السفير الحضرمي في مداخلته إلى أن معاناة بلاده كانت النتيجة المتعمدة لدعم إيران للفوضى وعدم الاستقرار في المنطق، وقال: «منذ أكثر من 10 سنوات، قامت إيران بتمويل وتسليح جماعة الحوثي الإرهابية، وتزويدها بالأسلحة الفتاكة لزعزعة استقرار اليمن وتهديد خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر».

وأوضح أنه من المأساوي أن الدعم الإيراني مكّن الحوثيين من أن يصبحوا خطراً ليس فقط على اليمن، بل على المنطقة والعالم، إذ يعدّ البحر الأحمر ممراً مهماً للشحن التجاري، حيث يمر منه أكثر من 10 في المائة من التجارة العالمية و30 في المائة من شحن البضائع السنوي، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة وحدها تنفق مليارات الدولارات للتصدي لهجمات لا تكلف إيران إلا القليل.

صاروخ وهمي من صنع الحوثيين خلال تجمع في صنعاء دعا له زعيم الجماعة (إ.ب.أ)

وخاطب الحضرمي أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بالقول: «يجب إيقاف الحوثيين، ويمكن لليمنيين إيقافهم! فنحن نمتلك العزيمة والقوة البشرية لمواجهة الحوثيين والتهديد الإيراني في اليمن والبحر الأحمر. ولكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بمفردنا؛ نحن بحاجة لدعمكم».

وأشار السفير اليمني إلى أن الحوثيين يحصلون على النفط والغاز مجاناً من إيران، وباستخدام الأسلحة الإيرانية يمنعون اليمن من تصدير موارده الطبيعية، مما أعاق قدرة الحكومة على دفع الرواتب، أو تقديم الخدمات، أو شن هجوم مضاد فعال ضد الجماعة. وقال: «يمكن أن يتغير ذلك بدعم الولايات المتحدة».

وأكد الحضرمي أن اليمنيين لديهم العزيمة والقدرة على هزيمة الحوثيين واستعادة مؤسسات الدولة وإحلال السلام، واستدرك بالقول إن «وجود استراتيجية أميركية جديدة حول اليمن يعدّ أمراً بالغ الأهمية لمساعدتنا في تحقيق هذا الهدف».

ومع تشديد السفير اليمني على وجود «حاجة ماسة إلى نهج جديد لمعالجة التهديد الحوثي»، أكد أن الحوثيين «ليسوا أقوياء بطبيعتهم، وأن قوتهم تأتي فقط من إيران وحرسها الثوري، وأنه بوجود الاستراتيجية الصحيحة، يمكن تحييد هذا الدعم».