استبعاد تزويد فصائل من المعارضة السورية بأنظمة دفاع جوي تلافيًا لاستفزاز موسكو

مصادر فرنسية قالت لـ «الشرق الأوسط» إن موسكو لن تتحرك سياسيًا قبل تحقيق إنجازات ميدانية

استبعاد تزويد فصائل من المعارضة السورية بأنظمة دفاع جوي تلافيًا لاستفزاز موسكو
TT

استبعاد تزويد فصائل من المعارضة السورية بأنظمة دفاع جوي تلافيًا لاستفزاز موسكو

استبعاد تزويد فصائل من المعارضة السورية بأنظمة دفاع جوي تلافيًا لاستفزاز موسكو

بينما يبحث الغربيون وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية ودول خليجية في كيفية الرد على التدخل العسكري الروسي المباشر في الحرب الدائرة في سوريا منذ الأول من الشهر الحالي، استبعدت مصادر فرنسية رسمية أن يتضمن الرد تزويد المعارضة السورية المسلحة أو بعض فصائلها «المعتدلة» بدفاعات جوية صاروخية.
وقالت هذه المصادر التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أمس، إن إقدام المناهضين للنظام السوري والداعمين للمعارضة على خطوة كهذه «يعني فتح باب المواجهة العسكرية المباشرة مع روسيا»، الأمر الذي يدخل الحرب في مسارات جديدة «لا أحد يستطيع التكهن منذ اليوم بما يمكن أن تفضي إليه من تداعيات».
وأضافت هذه المصادر أن الجميع «يعي» أن الضربات المكثفة التي يقوم بها سلاح الجو الروسي في سوريا «من شأنها تغيير مسار الحرب عسكريا ليس على المدى القريب بل على المدى المتوسط». لكنه يعرف، في الوقت نفسه، تماما أن وصول أسلحة صاروخية مضادة للطائرات كصواريخ «ستينغر» أميركية الصنع أو ما شابهها، من شأنه أن «يخلق واقعا جديدا في الشرق الأوسط» وأن «يشكل تهديدا للطيران المدني والعسكري بما في ذلك لسلاح الجو الإسرائيلي».
وبرأي هذه المصادر، فإن تطورا من هذا النوع «سينظر إليه في موسكو على أنه استهداف مباشر لها وهو ما لا يمكن أن تسمح به»، خصوصا أن أحد أهداف الحملة الجوية الروسية هو «عرض عضلات لسلاح وإظهار أن موسكو عادت بقوة إلى مسرح الشرق الأوسط، وأنها استعادت الإمكانات العسكرية التي تمكنها من الدفاع عن مصالحها في المنطقة بما في ذلك توفير قواعد جوية وبحرية في شرق البحر الأبيض المتوسط تكون ركيزتها في المنطقة». وتذكر هذه المصادر بما جرى في أفغانستان حيث وصلت للمقاومة الأفغانية وقتها صواريخ «ستينغر» لتعطيل عمل سلاح الجو السوفياتي وقتها وحرمانه من التفوق الجوي. كذلك فإنها تشير إلى أن واشنطن سعت، بعد الانسحاب السوفياتي، لاستعادة الصواريخ غير المستخدمة عارضة شراءها بمبالغ كبيرة. ولذا فإنها «لن تعيد ارتكاب الخطأ نفسه» بعد 26 عاما على انسحاب القوات السوفياتية من هذا البلد.
وتعتبر المصادر الفرنسية أن ما يصح على واشنطن والبلدان الغربية يصح أيضا على الدول الخليجية التي تبحث هي الأخرى عن رد على التصعيد العسكري. وباتت هذه الأطراف كلها متيقنة من خلال التواصل مع موسكو ومن خلال ما تدل عليه الضربات الجوية أن الأهداف الروسية التي يروج على أنها عسكرية ثم سياسية «غير مقنعة» وبالتالي يتعين توفير الرد عليها.
في أي حال، تبدو المصادر الفرنسية «واثقة» من أن الطرف الروسي «لن يكشف أوراقه في الوقت الحاضر» بانتظار أن تحقق الضربات الجوية بعض أهدافها، أقلها العسكرية، حتى يتم استثمارها لاحقا على طاولة المفاوضات. ومن هذه الزاوية، لا ترى باريس وجود تناقض بين الأهداف المختلفة التي يمكن تصورها للتدخل الروسي أكان ذلك، من جهة، إعادة إيقاف النظام السوري على قدميه وتمكينه من استعادة بعض المواقع التي فقدها في الأشهر الأخيرة وتحصينه من السقوط أو خسارة ما يعتبرها «مناطق حيوية» أو من جهة أخرى، دفاع موسكو عما تعتبره مصالحها الاستراتيجية في سوريا والشرق الأوسط والمتوسط.
هذه الأسباب جميعها تدفع باريس لاعتبار أن تحركات المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا الذي زار موسكو الثلاثاء وينوي إجراء محادثات مشابهة مع المسؤولين الأميركيين في واشنطن «لن تفضي في الوقت الحاضر إلى أي نتيجة».
وترى باريس أن ما يكشف عدم اكتراث موسكو بالجوانب الدبلوماسية والسياسية، أنها قدمت مشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي بخصوص تشكيل جبهة عريضة لمحاربة الإرهاب منذ ما يزيد على شهر. والحال، أنها حتى الآن لم تدع أبدا إلى أي اجتماع تشاوري بشأنه كما جرت العادة في المجلس. كذلك تطرح باريس تساؤلات حول امتناع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، حتى الآن، عن السعي لتشكيل «مجموعة الاتصال» التي أقرها مجلس الأمن إلى جانب اللجان الأربعة المتخصصة للحوار بين الأطراف السورية، علما بأن هذه المجموعة يفترض أن تشكل «المظلة السياسية» المشرفة على الحراك السياسي والدبلوماسي.
كل هذه العناصر تدفع للاعتقاد أن القادم من الأيام لن يشهد أي تحرك سياسي جدي وأن الكلمة الفصل متروكة لما يجري ميدانيا، بحيث إن «الدينامية الجديدة» التي تحدث عنها دي ميستورا هي اليوم عسكرية وميدانية ولن تصبح سياسية إلا بعد أن توجد حقائق جديدة على الأرض.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.