انسحاب جمهوري من سباق رئاسة مجلس النواب الأميركي يهز الكونغرس

الجمهوريون يبحثون عن مسؤول توافقي في ظل غياب أي مرشح يفرض نفسه بقوة

جون باينر من الحزب الجمهوري (وسط) أثناء توجهه لحضور الاجتماع المخصص لانتخاب زعيم جديد للحزب في كابيتول هال بواشنطن مساء أول من أمس (إ.ب.أ)
جون باينر من الحزب الجمهوري (وسط) أثناء توجهه لحضور الاجتماع المخصص لانتخاب زعيم جديد للحزب في كابيتول هال بواشنطن مساء أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

انسحاب جمهوري من سباق رئاسة مجلس النواب الأميركي يهز الكونغرس

جون باينر من الحزب الجمهوري (وسط) أثناء توجهه لحضور الاجتماع المخصص لانتخاب زعيم جديد للحزب في كابيتول هال بواشنطن مساء أول من أمس (إ.ب.أ)
جون باينر من الحزب الجمهوري (وسط) أثناء توجهه لحضور الاجتماع المخصص لانتخاب زعيم جديد للحزب في كابيتول هال بواشنطن مساء أول من أمس (إ.ب.أ)

فشل الجمهوريون في الكونغرس الأميركي ليلة أول من أمس في اختيار زعيم جديد لكتلتهم النيابية، بعد انسحاب كيفن ماكارثي، مساعد الزعيم السابق عند فشله في حل الأزمة الداخلية للحزب، مما تسبب في حالة من عدم اليقين بشأن مستقبل الحزب وقيادة الكونغرس.
وفي محاولة لتبرير هذا الفشل قال ماكارثي (50 عاما) «لقد بات من الواضح في الأسابيع الأخيرة أن كتلتنا تعاني من انقسام عميق، ولا بد أن تتحد وراء زعيم... ونحن على الأرجح بحاجة إلى وجه جديد».
وكان ماكارثي مساعد الرئيس السابق للمجلس جون باينر، المرشح الأوفر حظا لتولي هذا المنصب، الذي يعد الشخصية الثالثة في الولايات المتحدة بعد رئيس البلاد ونائبه. وكان باينر قد أعلن في سبتمبر (أيلول) الماضي أنه سيتقاعد في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، لكنه قال إنه سيواصل تولي مهامه حتى انتخاب خلف له.
وفشل كل من باينر وماكارثي في حشد ما يكفي من أصوات حزب الشاي، الجناح المتشدد للجمهوريين، وبقية نواب الكتلة الذين يشار إليهم بـ«التقليديين». وقد عقد النواب الجمهوريون الـ247 اجتماعا مغلقا ظهر أول من أمس لانتخاب زعيم جديد عندما أعلن ماكارثي انسحابه.
وإذا كان ماكارثي سيحصل على الغالبية بسهولة في الاقتراع الداخلي، إلا أنه لم يشأ أن يغامر بأن يتم انتخابه رئيسا للمجلس بفارق ضئيل، أو حتى أن يمنى بخسارة في التصويت العام للمجلس بمشاركة الجمهوريين والديمقراطيين. وهذا التصويت مقرر مبدئيا في 29 من أكتوبر الحالي.
وبعد انتهاء الاجتماع أعرب الجمهوريون عن مفاجأتهم وخيبة أملهم.
إلا أن المحافظين في الحزب اعتبروا انسحاب ماكارثي النتيجة المنطقية لوضعه كخلف لباينر. فيما صرح النائب الجمهوري المعتدل تشارلي دينت للصحافيين إنه «لا بد من تهميش أعضاء المجموعة التي ترفض كل شيء».
وبات الحزب يبحث عن مسؤول توافقي، إذ ليس هناك أي مرشح يفرض نفسه بقوة، بينما يتم في الخفاء تداول بضعة أسماء.
وسارع بول راين، المرشح لمنصب نائب رئيس الجمهورية في انتخابات 2012، الذي تتوفر فيه الشروط المطلوبة، إلى إعلان عدم اهتمامه بالمنصب، ولو أن عددا من النواب سعى إلى إقناعه بالعدول عن موقفه، إذ قال النائب الجمهوري هال رودجرز لوكالة الصحافة الفرنسية إن «هناك على الأرجح الكثير من الضغوط عليه».
بينما صرح ماكارثي في مقابلة مع صحيفة «بوليتيكو»، متحدثا عن الحزب الجمهوري «أحيانا لا بد من بلوغ القاع قبل الصعود مجددا. وهذا يمنحنا انطلاقة جدا».
بيد أن الانقسامات الداخلية في مجلس النواب ليست وليدة اليوم، بل إنها كانت جلية ومستمرة منذ انتزاع الجمهوريين الغالبية من الديمقراطيين قبل نحو خمس سنوات. وما زال الأميركيون في هذا الصدد يتذكرون الإغلاق الجزئي للإدارات في سنة 2013 الذي نجم عن تعنت حزب الشاي بشأن الميزانية. وبهذا الخصوص قال جوش إيرنست، المتحدث باسم البيت الأبيض، إن «هناك أقلية من السياسيين الجمهوريين المحافظين الذين يضعون آيديولوجيتهم المتطرفة فوق كل شيء».
وتكمن المفارقة في أن حزب الشاي، الذي يعود إليه الفضل أيضا في الانتصار الكبير للجمهوريين في الانتخابات التشريعية في 2010 و2014 يشعر بأنه مهمش داخل الحزب.
ويتهم نواب ضمن مجموعة الحرية أو «فريدوم كوكس» الجديدة مسؤولي الحزب بالرضوخ غالبا لضغوط الرئيس باراك أوباما، وبخيانة الناخبين الذين اختاروهم لمواجهة هيمنة الإدارة الديمقراطية. فيما يجعل الفصل بين السلطات من مجلس النواب عاجزا أمام رئيس يمتلك حق الفيتو. وهذه الفوضى تعكس الضغوط العامة داخل الحزب الجمهوري.
وفي حملة الانتخابات التمهيدية للرئاسة داخل الحزب طغى مرشحون مستجدون يعدون بتنشيط الطبقة السياسية، مثل الملياردير دونالد ترامب، والطبيب السابق بن كارسن على المرشحين «التقليديين». لكن الأزمة داخل الحزب ليست سياسية فحسب، إذ إن أمام الكونغرس مهلة حتى الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل لرفع سقف الدين الفيدرالي، وتفادي التخلف عن السداد. ويمكن أن تثير الفوضى داخل مجلس النواب قلق الأسواق المالية.
وبينما لا يزال الغموض يكتنف سير المنافسة لاختيار رئيس المجلس، قال المتحدث باسم البيت الأبيض جوش ارنست إن هذا التطور أظهر «صدعا» في الحزب الجمهوري، وهو الأمر الذي من شأنه أن يجعل الرئيس القادم للمجلس يواجه مهمة صعبة في كبح جماح أقلية من الحزب «تضع آيديولوجيتها المتطرفة فوق كل شيء آخر»، لكنه لم يدل بتصريحات بشأن الشخص الذي ينبغي أن يتولى هذا المنصب، وأضاف أنه «يتعين على الجمهوريين اتخاذ بعض القرارات حول كيفية قيادة مؤتمرهم.. فمن السهل السخرية من الفوضى، لكن الحقيقة هي أن التحدي الذي يواجه الجمهوري الذي سيرأس مجلس النواب المقبل، بغض النظر عمن سيكون، هو نفس التحدي الذي واجه جون بوينر، وهو نفس التحدي الذي كان سيواجه كيفن مكارثي».



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.