تتجه الأنظار من جديد نحو آسيا الوسطى، لا سيما حدود جمهورياتها، الأعضاء سابقا في الاتحاد السوفياتي مع أفغانستان، بعد سيطرة طالبان على مدينة قندوز الحدودية لعد أيام. وبينما تقوم قوات روسية بحماية الحدود الطاجيكية - الأفغانية، فإن حدود كل من تركمانستان وأوزبكستان تخضع لحماية القوات المحلية، والوضع يبدو أكثر خطورة في تركمانستان التي لا تتميز حدودها مع قندوز بتضاريس جغرافية معقدة تحول دون حرية تحرك المجموعات المتطرفة، ودخول الأراضي التركمانستانية (التركمانية). ولا يقتصر سبب الشعور بالقلق في المنطقة على تقدم قوات طالبان نحو قندوز، بل وهناك الخوف من احتمال تسلل عناصر تابعين لجماعة «داعش» الإرهابية إلى جمهوريات آسيا الوسطى، بهدف السيطرة عليها.
ولما كانت منطقة آسيا الوسطى منطقة نفوذ حيوي واستراتيجي لروسيا، وبعد تهديدات «داعش»، فإن الجنرالات في موسكو يولون اهتماما خاصا بتطورات الوضع هناك. وفي هذا السياق أشار جنرال الجيش فاليري غيراسيموف قائد أكان الجيش الروسي إلى وجود 50 ألف مقاتل في أفغانستان ينتمون إلى 4 آلاف مجموعة وتنظيم مسلح من مختلف التوجهات، وأوضح أن «حركة طالبان الإسلامية هي القوة الأساسية هناك» إذ يقاتل في صفوفها 40 ألفا من المتطرفين على الأراضي الأفغانية. وفيما يخص «داعش» فقد حذر الجنرال الروسي من أن عددهم الآن في أفغانستان وإن كان لا يتجاوز 2 - 3 آلاف مقاتل، إلا أنهم يتمددون ويسيطرون على المزيد من المناطق في البلاد، معربا عن قلقه إزاء ضعف مستوى الإعداد العسكري والقدرة القتالية للجيش الحكومي الأفغاني.
من جانبه حذر الجنرال إيغور سيرغون، مدير الدائرة المركزية في قيادة الأركان الروسية من أن عناصر «داعش» يقومون بتجنيد مقاتلين في المحافظات الشمالية والشرقية في أفغانستان، بما في ذلك على الحدود مع تركمانستان، وقال إن هؤلاء يعتمدون في عمليات التجنيد بشكل رئيسي على إغراء قادة الجماعات المسلحة في طالبان بالمال، وكذلك الأمر بالنسبة لمقاتلي حركة أوزباكستان الإسلامية، وغيرهما من مجموعات متطرفة تنشط على الحدود الأفغانية. ولفت الجنرال الروسي إلى وجود جماعات مسلحة تضم في صفوفها 4 - 5 آلاف مقاتل تتعاطف مع «داعش» ومستعدة للانضمام إلى صفوف هذا التنظيم الإرهابي، فضلا عن التقارب الفكري بين التنظيم وجماعات إرهابية أخرى مثل «حزب التحرير» الأوزبكي.
هذه المعلومات التي ذكرها كبار قادة الجيش الروسي توضح مدى قلق موسكو من احتمال تنفيذ «داعش» لتهديدات أطلقها بشن حرب على روسيا. وهذا الأمر دفع قيادة الجيش الروسي إلى تعزيز القوة العسكرية في القاعدة الروسية 201 (أكبر قاعدة عسكرية روسية خارج أراضي البلاد) في طاجيكستان على مقربة من الحدود الأفغانية، وأرسلت إلى هناك مروحيات عسكرية متعددة المهام، منها مروحيات «مي - 24 بي» الضاربة، ومروحيات من طراز «مي - 8إم تي في» التي تنفذ مهام النقل العسكري وتتمتع بقدرة على المشاركة في العمليات القتالية العسكرية.
في غضون ذلك شكل أمن الحدود مع أفغانستان ملفا رئيسيا بحثه رئيس تركمانستان قوربان غولي بيردي محمدوف مع نظيره الأوزبكي إسلام كاريموف، خلال زيارة الأول إلى العاصمة الأوزبكية طشقند. ولم يأت اختيار الرئيس التركماني التوجه إلى العاصمة طشقند دون غيرها عن عبث، ذلك أنه هناك اتفاقية دفاع مشترك عن الحدود في حال الخطر، توصل إليها رئيسا البلدين عام 2012، ويبدو أنه آن الأوان لتفعيلها.
وحذر شوخرات قاديروف، كبير خبراء معهد الاستشراق، الخبير بشؤون آسيا الوسطى من أن تركمانستان تبدو «الحلقة الأضعف» في ظل الوضع الراهن في آسيا الوسطى، نظرًا لسهولة عبور الحدود بينها وبين الجارة أفغانستان. وقد اضطرت السلطات التركمانية إلى إعلان التعبئة واستدعت ضباط وجنود الاحتياط مطلع العام الحالي (2015)، بعد سلسلة استفزازات عسكرية من جانب طالبان على الحدود بين البلدين. وبعد سيطرة طالبان على قندوز نهاية شهر سبتمبر (أيلول)، حشد الجيش التركماني مدرعات وعربات على الحدود مع أفغانستان للتصدي لأي محاولة اختراق للحدود قد تقوم بها جماعات متطرفة. وذكرت مصادر من العاصمة التركمانية عشق آباد أن 70 في المائة تقريبا من الآليات والعربات المدرعة التابعة للجيش تنتشر حاليا في المنطقة الحدودية.
بالنسبة لأوزباكستان يشير متابعون للوضع هناك إلى أن الجيش الأوزبكي من أقوى الجيوش في المنطقة، ويتمتع بقدرة لحماية الحدود مع أفغانستان، لكن من غير الواضح كيف ستتعامل السلطات الأوزبكية مع الوضع في حال انتقلت ظاهرة «داعش» إلى جمهوريات آسيا الوسطى، واستعاد «حزب التحرير الأوزبكي» قوته ونفوذه داخل البلاد. ويرى غالبية أصحاب الرأي المهتمين بشؤون آسيا الوسطى أن جمهوريات المنطقة لن تتمكن فرادى من مواجهة التهديد القادم ممثلا بـ«داعش» التي أعلنت بصراحة عن وجودها في المنطقة، وهذه المعركة تتطلب تجاوز الخلافات وحشد الجهود والتنسيق فيما بينها، ومع روسيا التي ترى في أي انتشار للإرهاب في آسيا الوسطى مصدر تهديد مباشر لأمنها، ولذلك - كما تقول القيادات الروسية - تم إرسال قوات إلى سوريا «للتصدي للإرهاب في عقر داره قبل أن ينتقل إلى المنطقة».
مخاوف من تدهور الوضع الأمني في آسيا الوسطى بعد تمدد «داعش» بأفغانستان
احتمال تنفيذ التنظيم المتطرف تهديدات بشن حرب على روسيا
مخاوف من تدهور الوضع الأمني في آسيا الوسطى بعد تمدد «داعش» بأفغانستان
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة