مهرجان السينما المصرية يكرم ليلى علوي والفخراني ويحتفل بالعمالقة الراحلين

بمشاركة 14 فيلمًا روائيًا وأكثر من مائة فيلم تسجيلي وقصير

وزير الثقافة المصري يتوسط ليلى علوي ويحيي الفخراني والسيناريست مصطفى محرم
وزير الثقافة المصري يتوسط ليلى علوي ويحيي الفخراني والسيناريست مصطفى محرم
TT

مهرجان السينما المصرية يكرم ليلى علوي والفخراني ويحتفل بالعمالقة الراحلين

وزير الثقافة المصري يتوسط ليلى علوي ويحيي الفخراني والسيناريست مصطفى محرم
وزير الثقافة المصري يتوسط ليلى علوي ويحيي الفخراني والسيناريست مصطفى محرم

«أفلامنا.. مرآتنا» كلمات كتبت على شعار المهرجان القومي للسينما الذي يحمل مشهدًا رومانسيًا من فيلم «حبيبي دائمًا» يجسده الراحل نور الشريف والفنانة بوسي، معلنًا عن انطلاق الدورة الـ19 من المهرجان السنوي الذي يقام لتشجيع السينما المصرية التي تعاني من أزمات كثيرة في السنوات الأخيرة. افتتحت فعاليات المهرجان مساء الأربعاء على المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية، في حضور وزير الثقافة المصري حلمي النمنم، والمخرج الكبير الدكتور سمير سيف رئيس المهرجان، والمهندس محمد أبو سعدة رئيس قطاع صندوق التنمية الثقافية، وحشد كبير من الفنانين والسينمائيين.
يشارك في المهرجان 14 فيلمًا روائيًا طويلاً وأكثر من مائة فيلم تسجيلي وروائي قصير، ومنها «صنع في مصر» بطولة أحمد حلمي، و«الجزيرة 2» الذي عرض بعد وفاة بطله الممثل خالد صالح (1964 - 2014)، و«ديكور» لأحمد عبد الله السيد الذي فاز السبت الماضي بالجائزة الكبرى للمهرجان الدولي لسينما المرأة في المغرب، كما حصل بطله ماجد الكدواني على جائزة أفضل ممثل. ويشارك في المسابقة أيضًا «أسوار القمر» لطارق العريان، و«الفيل الأزرق» لمروان حامد، و«بتوقيت القاهرة» آخر أفلام الممثل الراحل نور الشريف الذي نال عن دوره جائزة أفضل ممثل في مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي في يونيو (حزيران) الماضي، كما حصل الفيلم على جائزة أفضل سيناريو لمخرجه أمير رمسيس.
وقال المخرج سمير سيف، رئيس المهرجان، إن «المهرجان ينظم مجموعة من الندوات تصاحب فعالياته، منها: ندوة لمناقشة (إدارة أصول السينما بين الواقع والمستقبل)، وندوات عن الراحلين من كبار الفنانين الذين رحلوا عن عالمنا هذا العام تاركين وراءهم تاريخًا طويلاً من الأعمال الخالدة التي أثرت السينما العربية والمصرية، وهم: فاتن حمامة، وعمر الشريف، ونبيهة لطفي، ورأفت الميهي، ونور الشريف». ولفت سيف إلى أن جوائز المهرجان ارتفعت إلى 894 ألف جنيه، بعدما كانت في حدود 447 ألف جنيه، العام الماضي.
وشهد حفل افتتاح المهرجان تكريم وزير الثقافة ورئيس المهرجان للفنانين ليلى علوي ويحيى الفخراني، والكاتب السيناريست مصطفى محرم، ومصمم المناظر محمود محسن، ومدير التصوير عصام فريد، حيث قام وزير الثقافة بإهدائهم درع المهرجان وشهادة تقدير. ودعت الفنانة ليلى علوي الحضور للوقوف دقيقة حداد على أرواح الفنانين الذين فقدتهم السينما المصرية هذا العام.
وعبر ملصقات وأفيشات قديمة، حاول المهرجان أن يستعيد مجد السينما المصرية الممتد عبر أكثر من قرن من الزمان، حيث عرضت الملصقات وصور «البرس بوك» الخاصة بقاعات العرض السينمائي قديمًا. وبدأت فعاليات الافتتاح بعرض «أفلامنا.. مرآتنا»، الذي تدور أحداثه حول دخول طفل إلى قاعة السينما ومقابلته لعامل الاستقبال بصالة العرض، الذي يقوم بتعريفه على مهام صناع الأفلام، حتى يصبح جزءًا من فيلم معروض، والعرض من إخراج شادي سرور. وأعقب الحفل عرض خمس حكايات سينمائية لأفلام بعنوان: «قناة السويس حكاية شعب»، وهى أفلام: 72 كيلومترًا (إنتاج 2015) وإخراج هيثم خليل، العدد رقم 1461 من جريدة مصر السينمائية (إنتاج 1975)، فيلم «مسافر للشمال.. مسافر للجنوب» إخراج سمير عوف (إنتاج عام 1973)، فيلم «فليشهد العالم» إخراج سعد نديم (إنتاج 1956) وأخيرًا فيلم «شفيقة ومتولي» للمخرج علي بدرخان.
وعلى هامش المهرجان، افتتح وزير الثقافة، حلمي النمنم، معرض مئوية ميلاد المخرج الكبير صلاح أبو سيف بعنوان «فتوة وشباب» بمركز الهناجر، رؤية وإشراف الناقدة صفاء الليثي. كما عرضت كتيبات المهرجان عن مسيرة الفنانين المكرمين إلى جانب كتاب عن الكاتب والمنتج المصري أبو السعود الإبياري (1910 - 1969) في سلسلة عنوانها «الخالدون».
ويضم المهرجان مسابقات، الأفلام الروائية الطويلة التي تمنح فيها 11 جائزة لـ«الإنتاج والإخراج والمونتاج والتصميم الفني والسيناريو والتصوير والتمثيل والصوت والموسيقى والإخراج عمل أول أو ثانٍ، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة»، وتضم أيضًا مسابقة الأفلام التسجيلية والقصيرة والتحريك وتتفرع أقسام المسابقة إلى الأفلام التسجيلية حتى 15 دقيقة والأفلام التسجيلية أكثر من 15 دقيقة، والأفلام الروائية القصيرة أقل من 60 دقيقة، وأفلام التحريك أقل من 60 دقيقة، ويتم منح جوائز أفضل فيلم وجائزة لجنة التحكيم وجائزة لمخرج العمل الأول في كل قسم.
يرأس لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الروائية الكاتب الكبير يوسف القعيد، وتضم في عضويتها الفنانة الكبيرة هالة صدقي، والمخرج الكبير محمد كامل القليوبي، والموسيقار الكبير راجح داود، والدكتورة غادة جبارة عميد المعهد العالي للسينما، ومدير التصوير الفنان الكبير طارق التلمساني، والفنان إبراهيم الفوي، والروائية والكاتبة هناء عطية، والمخرج الدكتور أحمد عواض.
ويرأس المخرج الكبير أحمد فؤاد درويش لجنة تحكيم مسابقة الأفلام التسجيلية والقصيرة والتحريك، وتضم في عضويتها أستاذ التحريك الدكتورة رشيدة عبد الرءوف، والدكتورة سعاد شوقي، والناقد هشام لاشين، والمخرج والسيناريست إبراهيم الموجي، والدكتور محمد خيري سعودي، والأستاذة لطيفة فهمي.
ويستمر المهرجان عشرة أيام وتقام عروض المهرجان بسينما الهناجر، والمسرح الصغير بدار الأوبرا كما تقام عروض لبعض الأفلام المشاركة بمركز الحرية للإبداع بالإسكندرية، ويقام حفل الختام على المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)