حتى تأتي الصورة أنيقة.. ألبير إلبيز يقدم 70 قطعة في تنوع غير مسبوق

عصر «إنستغرام» أصبح يفرض ألوانًا متوهجة وتصاميم لافتة

جانب من عرض «لانفان» (أ.ف.ب)
جانب من عرض «لانفان» (أ.ف.ب)
TT

حتى تأتي الصورة أنيقة.. ألبير إلبيز يقدم 70 قطعة في تنوع غير مسبوق

جانب من عرض «لانفان» (أ.ف.ب)
جانب من عرض «لانفان» (أ.ف.ب)

إذا كانت عروض الأزياء تعكس شخصية مبدعها، فإن ما قدمه ألبير إلبيز، مصمم «لانفان» ليلة يوم الخميس الماضي يجعلنا نقول إنه فرس جامح يتمتع بطاقة عالية بحاجة إلى التنفيس عنها بأي شكل، أو رسام مسكون بالرغبة في إرضاء جميع الأذواق وبكل الألوان. عند مواجهته بهذا التعليق لم ينكر، بل أكده قائلا: «كنا في السابق مصممين أما الآن فنحن صنّاع صورة»، في إشارة واضحة إلى أن المطلوب حاليًا من أي مصمم هو تقديم أزياء تبدو فيها المرأة جذابة وأنيقة، ليس في الواقع فحسب، بل أيضًا في الصور، بما أننا نعيش في عصر «إنستغرام»، وما يرافقه من جري وراء أكبر عدد من «اللايكات». من هذا المنطلق أصبحت الموضة تحتاج إلى ألوان حية وتصاميم تميل إلى المبالغة حتى تظهر بشكل جيد في الصور، كما أصبح هناك تداخل بين الموضة والترفيه. البعض يقرأ الأمر بإيجابية على أساس أنه تعبير عن ثقافة العصر، بينما يراه آخرون تضاربًا مع مفهوم الإبداع، ويمكن أن يضر بالموضة على المدى البعيد. لحسن الحظ أن ألبير حقق المعادلة الصعبة بين الاثنين. فرغم من التنوع الشديد الذي كان يستهدف إرضاء الجميع، كان العرض ممتعًا، يُروح عن النفس بعد يوم طويل، إذ إنه لم يبدأ إلا بعد الثامنة والنصف مساء، ويرفّه عنها خصوصًا أن الأزياء لم تخيب الآمال، رغم غلبة العنصر التجاري عليها.
لم تكن ملاحظة ألبير عن تغير النظرة إلى دور المصمم، كما سارع موضحا، ضد ثقافة العصر أو شكوى ضد التطور الذي نشهده حاليا، بل مجرد «تساؤل» كان لا بد منه لكي يستكشف كل الجوانب ويأخذها بعين الاعتبار قبل طرح تشكيلته. وهذا ما فعله وترجمه من خلال 70 قطعة تقريبا، وظّف فيها كل ألوان الطيف تقريبا، فضلا عن تصاميم تتباين بين المفصل والمنساب أو تقنية «الدرابيه» التي ورثها عن مؤسسة الدار، جين لانفان، كما بين الهادئ المائل إلى الكلاسيكي والشبابي الذي يفور بالحيوية وجاء بعضه مطرزا بـ«لوغوهات» واضحة. لو لم يكن المصمم هنا هو ألبير إلبيز، الذي يتمتع بلمسة ميداسية تجعل كل قطعة تُروج لنفسها بسهولة، لكان العرض مشوشًا وعُرضة للفوضى. فأول إطلالة لم تُقنع العين أو تحرك الوجدان، في البداية، ويمكن القول إنها جد عادية مؤلفة من قميص أبيض وبنطلون أسود بخصر عالٍ، لكن ما إن توالت الاقتراحات حتى تغير الإيقاع. فقد اكتسبت جمالية تنبض بالحياة، خصوصا أن تنسيقه للقطع مع بعضها، بما في ذلك جمعه عدة متناقضات في الإطلالة الواحدة، أضفى عليها تأثيرًا قويًا وجذابًا، وليس أدل على ذلك من فساتين قصيرة من «الأورغنزا» نسقها فوق بنطلونات مستقيمة أو سترات مستوحاة من خزانة الرجل تتسم بالاتساع ومطرزة بالخرز والترتر مع بنطلون جينز. حتى التويد كان له مكان في هذه التشكيلة، لكن بحواشٍ تعمد المصمم أن تبدو قديمة وغير محاكة لتعزيز صورة غير مبالية وشبابية. بعد سلسلة من القطع التي غلب عليها الأسود والأبيض انتقل إلى الألوان مستعملا الأحمر والرصاصي المطرز في جاكيتات وفي فساتين كوكتيل أو سهرة تحمل لمساته المعهودة، من خلال الطيات والثنيات المحسوبة التي تخدم المرأة وتأخذ تضاريس الجسد بالحسبان. ولأنه يعرف أننا دخلنا عهد «ماكسيماليزم» لم يبخل هنا على الكثير من القطع بشيء، بدءا من التطريزات الغنية إلى الأقمشة المترفة أو الألوان المتوهجة فضلا عن تفاصيل غنية مثل أشرطة معقودة على شكل وردات و«رسائل» مكتوبة بالمعدن وبالبنط العريض على الصدر أو على الإكسسوارات. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن التصاميم المفصلة على أسس كلاسيكية والتقنيات المعقدة التي يتقنها جيدا، مثل البليسيهات، خففت بشكل كبير من شطحاته في بعض التفاصيل ومنحتها توازنًا. لا شك أن قدرة ألبير إلبيز على البيع واضحة في عدد الاقتراحات وتنوعها، وحتى إذا لم تبع الأزياء، وهو أمر مستبعد، فإن حقائب اليد ستقوم بمهمتها على أحسن وجه، إلى جانب الأحذية المطبوعة بنقشات تبدو طفولية لكنها ستجد هوى في نفوس بنات «إنستغرام». فما أكده المصمم لحد الآن أنه يفهم المرأة وما يجذبها، وما يُحسب له أنه لا يريد أن يغيرها أو يفرض عليها شيئًا لن ترضى عنه، بل العكس تمامًا. فهو يرى أن مهمته تدور في فلكها وبالتالي عليه تقع مسؤولية تلبية رغباتها. وجاءت النتيجة مرضية للطرفين تتلخص في واقعية تجارية وعملية ساحرة.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».