احتفالات الشرقية بالعيد.. شعرٌ ومسرحٌ وعروضٌ جوية

مهرجان «الدوخلة» يشرع أبوابه على ضفاف البحر

جانب من فعاليات مهرجان الدوخلة الذي افتتحه محافظ القطيف
جانب من فعاليات مهرجان الدوخلة الذي افتتحه محافظ القطيف
TT

احتفالات الشرقية بالعيد.. شعرٌ ومسرحٌ وعروضٌ جوية

جانب من فعاليات مهرجان الدوخلة الذي افتتحه محافظ القطيف
جانب من فعاليات مهرجان الدوخلة الذي افتتحه محافظ القطيف

أطلقت المنطقة الشرقية حزمة فعاليات متنوعة بين الترفيه والتثقيف والاحتفاء بالتراث المحلي ضمن احتفالاتها بعيد الأضحى المبارك.
وتجمع هذه الفعاليات بين الشعر والمسرح والعروض الفلكلورية واستعراض مهارات الصقور، في مسعى لتنشيط الحركة السياحية في المنطقة التي تقع على ضفاف الخليج العربي.
وفي الدمام، ونيابة عن أمير المنطقة الشرقية سعود بن نايف أطلق خالد البتال وكيل الإمارة الفعاليات الرئيسية في صالة رعاية الشباب بالدمام (الخضراء) وسط عروض باهرة وأوبريت خاص حمل عنوان «لبيه يا وطن» الذي لقي تفاعلا كبيرا من الحضور في ترديد الكلمات والتصفيق الحار.
وكان لافتًا تنفيذ كثير من العروض الجوية قام بها فريق صقور السعودية، حيث يشارك في المهرجان بعروض جوية يومية في الواجهة البحرية في الدمام والخبر. وقال المهندس فهد الجبير أمين المنطقة الشرقية في كلمة ألقاها: «نستطيع أن نؤكد اليوم أن جميع المدن السعودية بما تملكه من مقومات سياحية وخدمات إضافة إلى نعمة الأمن والأمان أصبحت محل تنافس مع كثير من المدن الخليجية والعربية».
وأضاف: «ها هي السياحة الوطنية في المنطقة الشرقية تأخذ مكانتها على خارطة السياحة في المملكة، التي أسهمت بشكل كبير في دعم الاقتصاد الوطني».
وأصبحت شواطئ المنطقة الشرقية، وخصوصا الواجهة البحرية في الخبر ومتنزه الملك عبد الله بكورنيش الدمام، المكان الذي تلتقي فيه آلاف العائلات كل مساء لحضور فعاليات العيد الترفيهية.
وفي جزيرة تاروت بالقطيف انطلق مساء أول من أمس مهرجان «الدوخلة» التراثي والثقافي بنسخته الحادية عشرة، وهو مهرجان سنوي يسجل حضورًا متميزًا في فعالياته التي تجمع بين الثقافة والفن والتراث والترفيه.
وأشاد محافظ القطيف خالد الصفيان بالنجاح المستمر والتطور الملحوظ الذي يشهده مهرجان الدوخلة، عبر الاستفادة من تجارب السنوات الماضية التي نتج عنها زيادة الفعاليات في كل عام، مؤكدا أن هذا المهرجان بات من أفضل وأشهر المهرجانات على مستوى المملكة لتنوع أنشطته وفعالياته الجاذبة.
وبيّن أن هذا المهرجان حظي بدعم من إمارة المنطقة الشرقية ممثلة في الأمير سعود بن نايف شخصيا، وكذلك الهيئة العليا للسياحة والآثار وأمانة الشرقية لقناعتهم بأنه أصبح من المهرجانات الجاذبة على مستوى المملكة. وأشار إلى أن هذا المهرجان يعكس تاريخ وحضارة وعراقة الوطن ويجمع كثيرا من داخل المحافظة وخارجها ويسلط الضوء على كثير من الأمور التي أوشك الجيل الجديد أن يجهلها، مشيدا بدور القائمين عليها في إبرازها من خلال القرى التراثية وغيرها من الفعاليات التي تحكي ماضي وحاضر هذا الوطن. وبيّن حسن طلاق رئيس اللجنة المنظمة للمهرجان أن الدوخلة تضم هذا العام فعاليات، من بينها: القرية التراثية، والتراث البحري، والحرف اليدوية، والمقهى الشعبي، والمعارض الفنية، والأسر المنتجة، و«مشروعي الصغير»، والخيمة الثقافية، والمسرح الخليجي والمحلي، ومعرض القرآن الكريم، ومعرض السلامة المنزلية، وخيمة السلامة المرورية، والخيمة الصحية، وقرية الألعاب الترفيهية، والمرسم الحر، والنحت على الرمال.
وبيّن أن «الدوخلة» بات مقصدا للزوار والسياح من خارج المنطقة، ويستقطب سنويا ما يزيد على ربع مليون زائر، وتشرف عليه سنويا الهيئة العامة للسياحة والآثار ليصبح عاما بعد عام علامة مميزة ورقما مهمّا بين مهرجانات المنطقة الشرقية. وتتمحور رسالة المهرجان حول إرساء مفاهيم تطبيقية للتوعية والتنمية البشرية في المجالات الثقافية والاجتماعية والصحية والمهنية من خلال الفعاليات والبرامج المختلفة التي تشمل بمجملها تراث الخليج العربي.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)