مشاعر السخط داخل «لوس أنجليس تايمز»

في مواجهة تحديات كبرى تضرب صناعة الصحافة بوجه عام

{تريبيون ببليشينغ كمباني} مارست ضغوطًا على {لوس أنجليس تايمز} منذ فترة بعيدة بهدف إضفاء طابع مركزي على جميع النشاطات وتوجيهها من المقر الرئاسي في شيكاغو (نيويورك تايمز)
{تريبيون ببليشينغ كمباني} مارست ضغوطًا على {لوس أنجليس تايمز} منذ فترة بعيدة بهدف إضفاء طابع مركزي على جميع النشاطات وتوجيهها من المقر الرئاسي في شيكاغو (نيويورك تايمز)
TT

مشاعر السخط داخل «لوس أنجليس تايمز»

{تريبيون ببليشينغ كمباني} مارست ضغوطًا على {لوس أنجليس تايمز} منذ فترة بعيدة بهدف إضفاء طابع مركزي على جميع النشاطات وتوجيهها من المقر الرئاسي في شيكاغو (نيويورك تايمز)
{تريبيون ببليشينغ كمباني} مارست ضغوطًا على {لوس أنجليس تايمز} منذ فترة بعيدة بهدف إضفاء طابع مركزي على جميع النشاطات وتوجيهها من المقر الرئاسي في شيكاغو (نيويورك تايمز)

في يناير (كانون الثاني)، اصطحب جاك غريفين، الرئيس التنفيذي لـ«تريبيون ببليشينغ كمباني»، كبار معاونيه التنفيذيين لزيارة مقر صحيفة «لوس أنجليس تايمز»، التي تعد بمثابة جوهرة مجموعة الصحف التي تملكها الشركة. خلال حفل استقبال أعقبه مأدبة عشاء أقامتها الصحيفة، لفت انتباه الجميع غياب شخصية بارزة - ناشر «لوس أنجليس تايمز» الجديد، أوستن بوتنر. وخلال الاجتماعات التي عقدت اليوم التالي، حضر بوتنر لمدة ساعة واحدة، وذلك لطرح عرض حول استراتيجيته المتعلقة بالصحيفة - وهي استراتيجية تتعارض مع استراتيجية الشركة الأم. يذكر أن «تريبيون» مارست ضغوطًا منذ فترة بعيدة بهدف إضفاء طابع مركزي على جميع النشاطات وتوجيهها من المقر الرئاسي في شيكاغو، بحيث تجري إدارة الصحف المختلفة كمجموعة واحدة. يذكر أن بوتنر، 55 عامًا، نجح في بناء ثروة بمجال المال سبق له العمل نائبًا لعمدة لوس أنجليس. وقد وضع تصورًا لرسم مسار مختلف لـ«لوس أنجليس تايمز» يتسم بطابع شديد المحلية ويركز على توفير تقنية أفضل وإقرار أقسام جديدة بالصحيفة.
وعمد بوتنر إلى توطيد صلاته بقيادات «لوس أنجليس تايمز» الذين رغبوا في جعل الصحيفة النشطة جزءا من نسيج المدينة. وقد تزعم بوتنر جهود الاستحواذ على «سان دييغو يونيون تريبيون»، وذلك كجزء من خطة للهيمنة على الصحافة داخل كاليفورنيا.
ومنذ أسبوعين، جرى استدعاؤه لاجتماع وأخطر بفصله من العمل. وجاء رحيله عن منصبه الذي تقلده لمدة عام واحد فقط، ليوسع الهوة بين «لوس أنجليس تايمز» والشركة الأم المالكية لها. في شيكاغو، نظر إليه مسؤولون تنفيذيون باعتباره مستبدًا وعنيدًا، ويعرض استراتيجية المركزية التي نجحت مؤخرًا في توفير 75 مليون دولار للشركة للخطر، تبعًا لما ذكرته «نيويورك تايمز».
في المقابل، مثل بوتنر وخطته لكثيرين داخل «لوس أنجليس تايمز» حالة من الطموح والتفاؤل بعد أكثر من عقد من المشكلات الإدارية وإجراءات تسريح العمالة وتقليل التكاليف التي أضرت بالروح المعنوية لدى كثير من الموظفين وخفضت عدد العاملين داخل صالة التحرير من 1.200 إلى مستواها الحالي الذي يقارب 500 شخص. وسرعان ما حققت استراتيجيته التي ركزت على النمو عائدات جديدة تجاوزت مليون دولار، وبدت مؤهلة لتحقيق مزيد، حسبما ذكر ثلاثة أشخاص على معرفة بالأوضاع المالية للشركة.
وأكد أكثر من عشرة أعضاء حاليين وسابقين «لوس أنجليس تايمز» و«تريبيون ببليشينغ كمباني» - من صالة التحرير والقطاع المالي - أن «لوس أنجليس تايمز» كانت تواجه كارثة أسوأ بكثير من أي كارثة أخرى تغلبت عليها الصحيفة. وأشاروا إلى أن الصحيفة تضررت كثيرًا بإجراءات تخفيض النفقات على مدار فترة طويلة، ما جعلها في تلهف شديد على جني ثمار الاستراتيجية الجديدة، التي أبدت بالفعل مؤشرات قليلة على النجاح. وأضافوا أنه من الضروري أن تنمو الصحيفة على امتداد الفترة المقبلة، بدلاً من التقلص.
وقد أعربت بعض أكثر الشخصيات نفوذًا داخل «لوس أنجليس تايمز» عن مخاوف وآراء مشابهة، والذي يرى كثيرون منهم بوتنر كصديق لهم. ويبدو في ثنايا حديث هؤلاء المسؤولين مشاعر إحباط مكتوم لسنوات. من جهته، قال أنتونيو فيلاريغوزا، العمدة السابق الذي عمل بوتنر نائبًا له: «لقد دمرت (تريبيون) الصحيفة على امتداد سنوات، فقد مصت دماءها، لكن خلال العام الماضي، منذ أن أصبح أوستن ناشرًا، بدأت الصحيفة تبدو كلسان ناطق عن المدينة بحق».
جدير بالذكر أن فيلاريغوزا واحد من 50 شخصية قيادية محلية وقعت خطابًا موجه إلى «تريبيون ببليشينغ كمباني»، اعتراضًا على فصل بوتنر. من ناحية أخرى، أعربت مجموعات من أصول لاتينية عن قلقها من أن الفريق الإداري لـ«تريبيون ببليشينغ كمباني» الذي يتخذ من شيكاغو مقرًا له لا يملك تفهمًا كاملاً لواحدة من أهم المجموعات داخل لوس أنجليس.
ولا تعد «لوس أنجليس تايمز» أول صحيفة في مدينة أميركية كبرى تتهددها التحديات التي تضرب صناعة الصحافة بوجه عام. المعروف أن الصحيفة كانت في العادة ملكًا لإحدى العائلات، وامتلكت أموالاً كثيرة لدرجة أنها اقتنت مجموعة أعمال للرسام العالمي بيكاسو. أما الآن فهي جزء من شركة ذات ملكية عامة تعاني تراجعًا حادًا في عائدات الإعلانات.
أما ما تميزت به الصحيفة حقًا فهو المعركة الضروس التي تخوضها ضد من يملكونها. وقد أجبر اثنان من كبار المسؤولين التحريريين بالصحيفة سابقا (بينهما دين باكيت، رئيس التحرير التنفيذي حاليًا لدى «نيويورك تايمز») على ترك العمل بالصحيفة بعد رفضهما تقليص الوظائف. ولم يقبل كثير من صحافيي «لوس أنجليس تايمز» قط هيكل ملكية الصحيفة لشعورهم بأنه يخضعها لضغوط العائدات ربع السنوية على حساب المستوى الصحافي لها.
تجدر الإشارة إلى أن شركة «تريبيون كمباني» السابقة، التي قضت سنوات قيد الإفلاس، عانت من مشكلات جمة لفترة طويلة واشتهرت بإجراءاتها المتكررة لتقليص الوظائف قبل انتقال غريفين إليها عام 2014 بفترة طويلة. وقد ظهرت «تريبيون ببليشينغ» في وقت لاحق من ذلك العام، وهي الشركة الأم، المعروفة حاليًا باسم «تريبيون ميديا»، والتي نجحت في شراء لأصول رقمية وتلفزيونية مدرة للأرباح، بجانب الممتلكات العقارية للصحف. وقد بلغت ديون وحدة النشر 350 مليون دولار.
من ناحية أخرى، فإن المعترضين على أسلوب التعامل مع «لوس أنجليس تايمز» يرون مخلصًا محتملاً في الي برود، الملياردير الشهير في لوس أنجليس والذي يرغب منذ فترة طويلة في شراء الصحيفة، لكن عروضه تعرضت للرفض مرارًا. وأشار أصدقاؤه إلى أنه يستعد لخوض محاولة جديدة في أعقاب الإطاحة ببوتنر.
وخلال مقابلة أجريناها داخل مكاتب «تريبيون ببليشينغ» في نيويورك، قال غريفين إنه رغم أن جميع العروض سيجري النظر بشأنها، فإنه لا يؤيد بيع «لوس أنجليس تايمز»، مشيرًا إلى أنها تشكل عنصرًا حيويًا في استراتيجيته للتشارك في المحتويات والخدمات عبر ثماني صحف كبرى وأخرى كثيرة أصغر.
وأشار ستة أشخاص على معرفة بالأوضاع المالية للصحيفة، والذين رفضوا الكشف عن هويتهم خوفًا من فقدان وظائفهم أو تعقيد العلاقة المتوترة أصلاً بين الصحيفة والشركة الأم المالكة لها إلى أنه سيجري اتخاذ إجراءات تسريح للعمالة قريبًا. وأوضحوا أن هذه الإجراءات ترمي لتوفير 10 ملايين دولار، ما يعادل قرابة 80 وظيفة، وستتركز غالبيتها داخل صالة التحرير.
وفي سؤال له حول ما إذا كانت استراتيجيته ستعزز العائدات بسرعة كافية للحيلولة دون تنفيذ مزيد من إجراءات التسريح، أجاب غريفين: «لم أقل ذلك». ورفض الإسهاب في التعليق. كما رفضت «تريبيون ببليشينغ» إتاحة تيموثي إي. ريان، الذي خلف بوتنر كناشر لـ«لوس أنجليس تايمز» و«يونيون تريبيون»، لعقد مقابلة معه. كما رفض بوتنر التعليق، مبررًا ذلك بقيود قانونية.
يذكر أنه في تعليق له عبر حسابه على موقع «فيسبوك» في اليوم الذي أجبر خلاله على ترك عمله، قال بوتنر إن «تقليص التكاليف وحده ليس سبيلاً للبقاء في مواجهة تراجع مستمر في عائدات النسخة الورقية ومنافسة شرسة على صعيد العالم الرقمي».
* «نيويورك تايمز»



ما العلاقة بين تراجع «إكس» وسياسات ماسك؟

ماسك يُشير بيده في أثناء حديثه خلال العرض الافتتاحي داخل صالة «كابيتول وان آرينا» بواشنطن في يناير (كانون الثاني) الماضي (أ.ف.ب)
ماسك يُشير بيده في أثناء حديثه خلال العرض الافتتاحي داخل صالة «كابيتول وان آرينا» بواشنطن في يناير (كانون الثاني) الماضي (أ.ف.ب)
TT

ما العلاقة بين تراجع «إكس» وسياسات ماسك؟

ماسك يُشير بيده في أثناء حديثه خلال العرض الافتتاحي داخل صالة «كابيتول وان آرينا» بواشنطن في يناير (كانون الثاني) الماضي (أ.ف.ب)
ماسك يُشير بيده في أثناء حديثه خلال العرض الافتتاحي داخل صالة «كابيتول وان آرينا» بواشنطن في يناير (كانون الثاني) الماضي (أ.ف.ب)

بعد أكثر من 3 سنوات على استحواذ الملياردير الأميركي إيلون ماسك على منصة «إكس» (تويتر سابقاً) في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، تزداد المؤشرات على تراجع المنصة من حيث «التأثير والتفاعل»، بحسب ما يقول مختصون، بالتوازي مع تجدُّد الحديث بشأن سياساتها التحريرية، وعلاقة المنصة بطموحات مالكها السياسية، وتحوُّل المعلنين عنها.

ويرى مختصون أن ما يجري على «إكس» لم يعد مجرد تغييرات تقنية أو تجارية، بل هو «انعكاس مباشر لرؤية ماسك الآيديولوجية، وطريقة توظيفه المنصة في مشروع نفوذ سياسي أوسع». ويقولون: «إن وجود علاقة مباشرة بين طموحات ماسك السياسية وسياساته التحريرية الجديدة أخرج المنصة عن مسارها».

شعار منصة "إكس" فوق أحد مقراتها في سان فرانسيسكو (رويترز)

وأشارت بيانات حديثة عدة إلى تراجع التفاعل على منصة «إكس» خلال الأعوام الأخيرة، وجاء من أبرزها تحليل إحصائي نشره موقع «بروكسيدايز (Proxidize)» في أكتوبر الماضي، تحدَّث عن تراجع معدلات التفاعل على المنصة بنحو 48.3 في المائة خلال عام واحد فقط، إذ انخفض معدل التفاعل المتوسط لكل تغريدة من 0.029 في المائة في 2024 إلى 0.015 في المائة في 2025.

كما قلصت العلامات التجارية وتيرة النشر بنحو ثُلث المحتوى تقريباً، مع انخفاض متوسط عدد التغريدات الأسبوعية من 3.31 إلى 2.16 تغريدة للحسابات التجارية. وتشير بيانات أخرى إلى تراجع متوسط زمن الاستخدام اليومي من أكثر من 30 دقيقة إلى نحو 11 دقيقة فقط، بما يعكس تغيراً في سلوك المُستخدمين، لا سيما مع صعود المنصات المُعتمِدة على الفيديو القصير.

تقارير تحدثت عن تراجع معدلات التفاعل على منصة "إكس" (رويترز)

الباحث المتخصص في التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي التوليدي، الدكتور فادي عمروش، أكد «فرضية تراجع المتابعات على المنصة النقاشية الأبرز»، ودلَّل على ذلك بالإشارة إلى «تراجع التفاعل على منصة (إكس) مقارنة بسنوات ما قبل 2022»، لافتاً إلى أن بيانات «سيميلر ويب (Similarweb)» تشير إلى هبوط مستخدمي المنصة على الهواتف المحمولة من 388.5 مليون في يونيو (حزيران) 2023 إلى 311.1 مليون في 2025، أي خسارة تتجاوز 75 مليون مستخدم، بما يقارب 20 في المائة.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «ليس هذا فحسب، إنما وُجدت أيضاً تحليلات تظهر انخفاض متوسط الإعجابات لكل منشور من 37.8 في 2023 إلى نحو 31.4 في 2024، أي تراجع نحو 17 في المائة». وأرجع هذه المؤشرات إلى أسباب، من بينها «ارتباط (إكس) باسم إيلون ماسك بعد استحواذه عليها، وما يرافق ذلك من استقطابات حادة بين مؤيدي ومعارضي آرائه، بالإضافة إلى تغييره الخوارزمية التي تعرض المنشورات عدة مرات بحجة محاربة البوتات، والتي رغم ادعائه أنها شفافة، فإن هذا الادعاء غير مُدعم بأدلة كافية بعد، خصوصاً أن ليس كل المستخدمين متساوين في فرص الوصول والتفاعل». وأشار إلى بُعد آخر قائلاً: «في منصات الأخبار السريعة، مغادرة عدد من الصحافيين والأكاديميين والخبراء قلّلت من الحوار النوعي وأضعفت حركة إعادة النشر».

وعدّ عمروش أن سياسة ماسك الربحية وتفضيله «الحسابات الموثقة المدفوعة»، مثَّلا اتجاهاً أفرغ المنصة من ركيزتها الأساسية بوصفها ساحةً للنقاش التفاعلي القائم على الأفكار، مضيفاً «إجراءات الحد من الوصول المجاني للواجهة البرمجية (API) أضعفت تجربة المتابعة والبحث، وهذا ينعكس عادة في تراجع التفاعل غير المدفوع».

ومع ذلك، لا يلقي عمروش باللوم على سياسات ماسك وحدها، إذ يعيد جانباً من تراجع التفاعل أيضاً إلى «تحوّل عادات المُستخدمين نحو الفيديو والمنصات المُعتمِدة على المقاطع القصيرة، فالسوق كلها تتجه إلى الفيديو القصير. وهذا يقلل الوقت الذهني المتاح لمنصات النصِّ السريع، خصوصاً لدى الشباب، إذ إن استخدام المراهقين لـ(إكس) أقل بكثير مما كان عليه سابقاً».

طموحات ماسك

بعيداً عن القرارات التحريرية داخل المنصة، تَزَامَنَ هذا التراجع في التفاعل مع صعود ماسك لاعباً سياسياً ثقيل الوزن في الولايات المتحدة. وتشير تحليلات صحافية من بينها «واشنطن بوست»، استناداً إلى بيانات لجنة الانتخابات الفيدرالية الأميركية، إلى أن «ماسك قدَّم خلال دورة انتخابات 2024 تبرعات سياسية تجاوزت ربع مليار دولار لدعم دونالد ترمب ومرشحين جمهوريين آخرين، ليصبح بذلك أكبر متبرع فردي في تلك الدورة الانتخابية، وفق هذه البيانات».

وفي يوليو (تموز) 2025 أعلن ماسك عبر «إكس» تأسيس حزب سياسي جديد يحمل اسم «America Party»، في خطوة رأت فيها تقارير لوكالات كبرى مثل «رويترز» و«أسوشييتد برس» انتقالاً من دور الممول للتيار اليميني إلى «فاعل» يسعى إلى بناء مشروع سياسي مستقل يستند إلى نفوذه على المنصة.

أستاذ الإعلام الجديد والرقمي في الجامعة الكندية بدبي، الدكتور الأخضر شادلي، يرى أن منصة «إكس» شهدت أكبر تحول في تاريخها بعد استحواذ ماسك عليها؛ بسبب «خلفيته المثيرة للجدل وطموحاته السياسية المتنامية». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «أظهر ماسك مواقف سياسية متزايدة علنية، خصوصاً فيما يتعلق بحرية التعبير، والقيود الحكومية، والانتخابات الأميركية، ودعمه لبعض التيارات، وانتقاده للإعلام التقليدي والمؤسسات الديمقراطية، وهذه الخلفية السياسية أصبحت مهمة لفهم قراراته بعد السيطرة على (إكس)».

وأضاف شادلي: «قبل استحواذ ماسك، كانت سياسات (تويتر سابقاً) مستقرَّة نسبياً، وترتكز على مكافحة خطاب الكراهية والتحريض، والحد من (المعلومات المضللة)، وكانت هناك آليات تَحقُّق صارمة للحسابات ولجان مستقلة لمراجعة المحتوى، كما ركزت الإدارة السابقة على الحفاظ على بيئة رقمية آمنة». لكنه أشار إلى أن «وجود علاقة مباشرة بين طموحات ماسك السياسية وسياساته التحريرية الجديدة أخرج المنصة عن مسارها»، إذ «تَزَامَنَ تبنيه لخطاب حرية التعبير مع تحالفاته السياسية، وظهر انحيازٌ لصالح خطاب اليمين الشعبوي، ما أضعف المعايير المهنية وفتح المجال لحملات التضليل. وأصبحت المنصة بمثابة مساحة نفوذ سياسي عالمي في يد ماسك، وليست مجرد شركة تواصل اجتماعي».

عزوف المعلنين

وأشار الصحافي المتخصص في الإعلام الرقمي بقناة «سي إن إن» العربية، الحسيني موسى، إلى أن تراجع التفاعل على منصة «إكس» انعكس مباشرةً على سياسات المعلنين وعزوف بعضهم نحو منصات أخرى.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «الأرقام تشير إلى تراجع واضح في ثقة المعلنين بـ(إكس)». وتحدَّث عن تقرير لشركة الأبحاث العالمية «Kantar»، نُشر في سبتمبر (أيلول) 2024، ذكر أن 4 في المائة فقط من المعلنين يعدّون أن «إكس» توفر بيئة «آمنة للعلامة التجارية» مقابل 39 في المائة لصالح «غوغل» و32 في المائة لـ«يوتيوب». كما يُظهر التقرير نفسه أن «26 في المائة من المُسوِّقين يخططون لخفض إنفاقهم على إعلانات (إكس) خلال 2025، في أكبر تراجع مسجَّل لأي منصة إعلانية كبرى».

وأضاف موسى أن «مجموعة من الشركات الكبرى أعلنت رسمياً وقف إعلاناتها على (إكس)، من بينها: (أبل)، و(ديزني)، و(آي بي إم)، و(باراماونت)، و(وورنر براذرز). وجاءت قرارات الإيقاف؛ نتيجة مخاوف من ظهور محتوى مثير للجدل أو معادٍ للسامية بجوار إعلاناتها، بالإضافة إلى ضبابية سياسات المحتوى تحت إدارة إيلون ماسك».

«ما يجري على إكس انعكاس مباشر لرؤية ماسك الآيديولوجية وطريقة توظيفه المنصة في مشروع نفوذ سياسي أوسع»

وشرح قائلاً: «الميزانيات غادرت (إكس) إلى منصات أكثر استقراراً من حيث سلامة العلامة وفعالية التوزيع؛ مثل منصة (يوتيوب) التي تعدّ اليوم الأكثر جذباً للمعلنين البارزين، و(تيك توك) التي تُعدّ المنصة الأعلى تأثيراً على المستهلكين الشباب، كما أن (أمازون) تستحوذ على ثقة كبيرة لدى العلامات التي تعتمد على التجارة المباشرة، وأخيراً (ميتا)، بمنصتيها (فيسبوك) و(إنستغرام)، ما زالت تحتفظ بجاذبية لدى قطاعات واسعة من المعلنين».

ويرى موسى أن «هناك فرصة لا تزال قائمة أمام (إكس) لاستعادة جزء من المستخدمين والمعلنين»، قائلاً: «العودة ممكنة، لكن المطلوب أولاً إعادة بناء ثقة العلامات التجارية عبر تحسين معايير (الأمان) وضمان استقرار سياسات المحتوى، والشفافية في عرض الإعلانات».

بالعودة إلى الباحث المتخصص في التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي الدكتور فادي عمروش، فإنه يرى أن أهم الخطوات التي تحتاج إليها «إكس» الآن لاستعادة ثقة المستخدمين هي تحقيق توازن حقيقي بين حرية التعبير وضبط المحتوى الضار. وقال إن هذه المعادلة ممكنة إذا جرى «توسيع نظام (ملاحظات المجتمع) مع شفافية أكبر، فلا تكفي مجرد إضافة الملاحظة، بل يجب نشر بيانات دورية تتضمَّن، مثلاً: كم محتوى تم تقييده؟ كم ملاحظة أُضيفت؟ وما أثرها على الانتشار؟ أعتقد أن الشفافية تقلل اتهامات التحيُّز، وتدعم حرية التعبير ضمن قواعد واضحة».

وفي ضوء كل ذلك، يقول محللون مختصون بالإعلام: «إن مستقبل (إكس) سيتحدَّد على الأرجح في المساحة الواقعة بين طموحات ماسك السياسية وحسابات السوق وصبر المُستخدمين والمعلنين على منصة تحاول أن تعرّف نفسها من جديد في عالم يتغير بسرعة».


اتجاه أوروبا لتخفيف القيود الرقمية يُثير تساؤلات بشأن حماية الخصوصية

المفوضية الأوروبية أعلنت أنها بصدد دراسة مقترح «الحزمة الرقمية الشاملة»... (متداولة)
المفوضية الأوروبية أعلنت أنها بصدد دراسة مقترح «الحزمة الرقمية الشاملة»... (متداولة)
TT

اتجاه أوروبا لتخفيف القيود الرقمية يُثير تساؤلات بشأن حماية الخصوصية

المفوضية الأوروبية أعلنت أنها بصدد دراسة مقترح «الحزمة الرقمية الشاملة»... (متداولة)
المفوضية الأوروبية أعلنت أنها بصدد دراسة مقترح «الحزمة الرقمية الشاملة»... (متداولة)

أثار اتجاه المفوضية الأوروبية لتخفيف «القيود الرقمية»، تساؤلات بشأن تأثير ذلك على حماية بيانات المستخدمين. وبينما عدّ خبراء هذا الاتجاه «محاولة لزيادة تنافسية السوق»، أكدوا أنه «تحوّل خطير قد يهدد الخصوصية».

وفي ظل ضغوط من شركات التكنولوجيا الكبرى، أعلنت المفوضية الأوروبية، أخيراً، أنها بصدد دراسة مقترح «الحزمة الرقمية الشاملة»، الذي من شأنه تبسيط بعض لوائح الاتحاد الأوروبي الرقمية. وجاء الإعلان بعد دعوة المستشار الألماني فريدريش ميرتس، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال قمة «السيادة الرقمية الأوروبية» الأسبوع الماضي، إلى «تخفيف صرامة اللوائح الرقمية الأوروبية».

وفي رأي مفوض الاقتصاد في الاتحاد الأوروبي، فالديس دومبروفسكيس، فإن «تبسيط القواعد وخفض الأعباء الإدارية وتقديم قواعد أكثر مرونةً وتناسباً، سيمنح الشركات الأوروبية مساحة أكبر للابتكار والنمو، ويسد فجوة الابتكار».

وعدّت الباحثة الجزائرية في علوم الإعلام والاتصال، ليلى دومة، ما أعلنته المفوضية الأوروبية «نقطة تحوّل مهمة في الاستراتيجية الرقمية للاتحاد الأوروبي». وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن «تخفيف بعض الالتزامات المفروضة على شركات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي يرسل رسالة واضحة مفادها إعطاء الأولوية لتعزيز التنافسية والابتكار على حساب التشدد في حماية البيانات الذي يميز النموذج الأوروبي منذ سنوات».

وبشأن تأثير ذلك على «الخصوصية»، أشارت ليلى دومة إلى أن «التأثير لن يكون فورياً، لكنه مقلق على المدى المتوسط والبعيد». وقالت إن «الإعفاءات المؤقتة وتأجيل الالتزام الكامل بالقواعد الصارمة يعني ببساطة وجود مناطق أقل رقابة ومفتوحة، حيث يمكن للشركات جمع أو معالجة بيانات شخصية بطريقة أقل تقييداً، مما قد يؤدي تدريجياً إلى إضعاف أحد أهم إنجازات أوروبا خلال العقد الماضي، وهو تمكين المواطن من السيطرة على بياناته».

وأضافت أن «أي تفكيك تدريجي لقواعد (اللائحة العامة لحماية البيانات)، سيقلل من قوتها وتأثيرها، ويخلق ثغرات قد تستغلها الشركات الكبرى بسهولة»، مشيرةً إلى أن «أوروبا تحاول تحقيق توازن صعب بين تسريع الابتكار وحماية الحقوق الرقمية».

وتُلزم «اللائحة العامة لحماية البيانات» مشغلي المتاجر الإلكترونية، أو المنصات الرقمية، بالحصول على موافقة المستخدمين قبل معالجة بياناتهم الشخصية، مما يؤدي إلى ظهور إشعارات الموافقة على ملفات الارتباط، لكنَّ المقترح الجديد من شأنه أن يؤدي إلى ظهور إشعارات الموافقة على ملفات الارتباط بشكل أقل.

الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، محمد فتحي، قال إن «الاتحاد الأوروبي يشهد تحولاً استراتيجياً عبر مقترح الحزمة الرقمية الشاملة (Digital Omnibus)، الذي تبرره المفوضية الأوروبية بالرغبة في تبسيط القوانين ودعم الشركات الأوروبية للمنافسة عالمياً».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «المقترح قد يمثل تفكيكاً لمسألة الحماية وتراجعاً عن معايير الخصوصية الصارمة، وذلك لعدة مخاطر؛ أهمها استغلال البيانات للذكاء الاصطناعي حيث يسمح التعديل للشركات باستخدام البيانات الشخصية لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي استناداً إلى مبدأ (المصلحة المشروعة) بدلاً من (الموافقة الصريحة) مما يخدم شركات التكنولوجيا الكبرى ويُضعف سيطرة المستخدم».

وأشار إلى «إضعاف الخصوصية الإلكترونية عبر دمج قواعد الخصوصية، مما يُسهِّل الوصول إلى بيانات أجهزة المستخدمين تحت غطاء تقليل إشعارات الكوكيز دون إذن واضح». وقال إن «المقترح يعكس تغيراً في الأولويات من حماية (المواطن الرقمي) إلى التركيز على التنافسية الاقتصادية، حيث يهدد إقرار هذا القانون بالتضحية بخصوصية المستخدمين كضريبة لدعم الابتكار التجاري».

وتسببت محاولات تنظيم عمل منصات التواصل الاجتماعي في أزمة متصاعدة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، وفرضت المفوّضية الأوروبية غرامة مقدارها 500 مليون يورو على شركة «أبل» على خلفية «بنود تعسّفية في متجر التطبيقات الخاص بها، على حساب مقدّمي التطبيقات وعملائهم». كما غرمت «ميتا» مبلغ 200 مليون يورور. وهي غرامات عدّها البيت الأبيض في وقت سابق «ابتزازاً اقتصادياً».


الشارقة تكشف عن حزمة مشروعات إعلامية كبرى تعزّز تنافسية القطاع

مبنى هيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون (الشرق الأوسط)
مبنى هيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون (الشرق الأوسط)
TT

الشارقة تكشف عن حزمة مشروعات إعلامية كبرى تعزّز تنافسية القطاع

مبنى هيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون (الشرق الأوسط)
مبنى هيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون (الشرق الأوسط)

أُعلن في مدينة الشارقة إطلاق حزمة مشروعات إعلامية كبرى في «مدينة الشارقة للإعلام (شمس)»، التي وُصفت بأنها أكبر تجمع إعلامي حكومي موحّد في الإمارات والمنطقة، وتُشكِّل نقلةً نوعيةً في تطوير البنية التحتية للقطاع الإعلامي، وترسيخ نموذج متقدم لتكامل الجهات الحكومية العاملة تحت مظلة مجلس الشارقة للإعلام.

وتأتي هذه المشروعات التي أطلقها الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة ضمن مساعي تعزيز القطاع في الإمارة الخليجية.

وأكد الشيخ سلطان بن أحمد بن سلطان القاسمي نائب حاكم الشارقة رئيس مجلس «الشارقة للإعلام» أن اعتماد حزمة مشروعات «شمس» يجسِّد رؤية الإمارة في بناء قطاع إعلامي متقدم يقوم على الابتكار والشراكات الدولية والتقنيات المعاصرة، مشيراً إلى أن إطلاق «استوديوهات شمس» سيعزز قدرة الشارقة على استقطاب أبرز شركات الإنتاج وصنّاع المحتوى، كما سيوفر منصة احترافية للكفاءات الوطنية لتطوير مهاراتها وتوسيع حضورها في صناعة الإعلام.

وشدَّد على أن الاستثمار في الإعلام هو استثمار في الإنسان والهوية، موضحاً أن الشارقة ماضية بثقة نحو تعزيز حضورها الثقافي والمعرفي عالمياً عبر إعلام مهني مسؤول، وشراكات استراتيجية، ومنظومة متطورة تدعم استدامة النمو في هذا القطاع الحيوي.

وسيضم المشروع أكبر تجمع إعلامي حكومي موحّد في الدولة والمنطقة، حيث يجمع تحت سقف واحد الجهات الإعلامية التابعة لحكومة الشارقة، وهي مجلس الشارقة للإعلام، والمكتب الإعلامي لحكومة الشارقة، وهيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون، إلى جانب مدينة الشارقة للإعلام (شمس)، التي ستكون المقر الجديد لهذا التجمع.

«استوديوهات شمس» في الشارقة (الشرق الأوسط)

وبحسب المعلومات الصادرة فإن مشروع «استوديوهات شمس» جاء ليؤسِّس لبيئة إنتاجية متطورة، من خلال مجمّع يضم 5 استوديوهات كبرى بمساحات تتراوح بين 1500 و3400 متر مربع، تستجيب لاحتياجات صناع الأفلام والمسلسلات والبرامج التلفزيونية والمحتوى الرقمي، إضافة إلى مرافق متخصصة لما بعد الإنتاج تشمل وحدات المونتاج والمؤثرات البصرية والتصميم الصوتي، بما يتيح تنفيذ أعمال تلفزيونية وسينمائية وفق معايير عالمية.

كما تتضمَّن المشروعات تطوير مجمّع أعمال إعلامي حكومي متكامل يجمع ضمن بيئة عمل تفاعلية مجلس الشارقة للإعلام، والمكتب الإعلامي لحكومة الشارقة، والشركات الإعلامية العاملة في «شمس»، بما يسهم في تسهيل عمليات الإنتاج والبث، وتعزيز كفاءة التواصل الحكومي، ودعم الابتكار في صناعة المحتوى.

وسيضم المجمّع 4 مبانٍ متخصصة، يتألف كل منها من طابق أرضي و4 طوابق، تشمل مبنى لمجلس الشارقة للإعلام، ومبنى للمكتب الإعلامي لحكومة الشارقة، ومبنيين مخصَّصين للجهات الإعلامية والشركات العاملة ضمن «شمس».

ويشمل التطوير أيضاً إنشاء مبنى جديد لهيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون ببنية تقنية حديثة تعزز جاهزيتها لمواكبة التطورات في تقنيات البث والإنتاج، وترفع قدرتها على تقديم محتوى متنوع وذي جودة عالية يعكس هوية الإمارة ورسالتها. وتشمل المرحلة الأولى المبنى الإداري، ومبنى الأخبار، ومبنى قناة الشارقة الرياضية.

وفي إطار دعم المشهد الثقافي والإبداعي، تتضمَّن المشروعات إنشاء «واحة شمس للإبداع»، وهو مركز متطور للفعاليات الفنية والتعليمية يضم مسرحاً حديثاً يتسع لنحو 700 شخص، إلى جانب مرافق مخصصة لاستضافة الفعاليات المجتمعية والعروض الفنية والبرامج التدريبية، بما يسهم في تنمية المواهب الشابة وتوفير منصة ملهمة للإبداع في الإمارة.