كبرتْ «الدوخلة»

كبرتْ «الدوخلة»
TT

كبرتْ «الدوخلة»

كبرتْ «الدوخلة»

حين كان الحُجاج يشدون رحالهم نحو مكة المكرمة، كان أطفال الخليج ينثرون حبات الشعير في سفيفة من خوص محشوة بالسماد والطين، تسمى «الدوخلة»، ثم يتعاهدونها بالماء ونور الشمس حتى تورق وتخضر.. فإذا جاء يوم العيد سار الأطفال أولاد وبنات نحو البحر بدوخلاتهم وهم ينشدون الأغنيات ثم يرمونها في البحر قربانًا لعودة الحجاج سالمين.
كانت رحلة الحج في تلك الأيام محفوفة بالمخاطر، وكانت قوافل الحجيج تتجه إلى مكة عبر الصحراء الموحشة، يتربص بها العطش والتيه وعصابات السطو والنهب، لتزيد من وحشتها. وعجبًا لم تكن الصحراء رغم أهوالها مصدر الخوف والقلق، بل كان البحر، فقد استقر في الوعي الجمعي للصغار الخوف من البحر، وليس من الصحراء، ولذلك قدموا للبحر قرابينهم، وأقفلوا عائدين ينتظرون عودة حجاجهم سالمين.
اليوم، كبرت «الدوخلة»، فهي لم تعد مجرد فلكلور تراثي يعيد إنتاج «الميثولوجيا» الشعبية بثوب حديث، أصبحت عنوانًا أكبر للتعبير عن الذات، والتعبير عن الحالة الإبداعية الشعبية غير المؤطرة، وغير الرسمية، وغير المقيدة بقيود المؤسسات أو الأحكام المعلبة.
في أقصى نقطة على شاطئ الخليج العربي، وفي قرية وادعة تسمى «سنابس» تشكل مع قرى وبلدات أخرى ما يعرف بجزيرة تاروت، ثاني أكبر جزيرة في الخليج بعد البحرين، التي تتكئ على تاريخ يمتد لأكثر من خمسة آلاف سنة، وعرفت بموانئها التاريخية، كميناء «دارين»، وشكلت في الماضي، كما وصفها ياقوت الحموي، «همزة وصل بين تجارة الشرق والغرب». هناك على شاطئ «سنابس» قبالة البحر، يلتقي كل عام جمهرة من المبدعين السعوديين والخليجيين لتقديم أدب رفيع، وشعر عذب، وفنٍّ أصيل، ومسرح، وتراث، وتقاليد عريقة.
في مهرجان «الدوخلة» السنوي حزمة متنوعة من الأعمال الفنية والتشكيلية وعطاءات المجتمع المدني، ونخبة مختارة من الأنشطة العلمية والفنية والتراثية، وأعمال الأسر المنتجة، وكلها تدار وتنظم بواسطة فرق متطوعة وأهلية من أبناء المجتمع المحلي، وأشدّ ما يلفت انتباه الزائر جودة الأعمال المقدمة، ومستوى الكفاءة العالية في التصميم والتقديم واختيار المشاركين.
هناك في «الدوخلة» يمكن للمرء أن يلاقي شاعرًا كبيرًا كقاسم حداد، أو محمد جبر الحربي، أو فوزية أبو خالد، أو جاسم الصحيح، أو أحمد الملا، أو يوسف المحيميد، أو إسماعيل فهد إسماعيل، أو مبارك الخالدي.. وكلهم شاركوا في أمسيات «الدوخلة»، ومعهم عدد من التشكيليين والفنانين المسرحيين الخليجيين (يشارك هذا العام الفنان سعد الفرج)، وأصحاب التجارب الإبداعية. جنبًا إلى جنب مع أطباء وطبيبات ومختصين في مجالات السلامة والغذاء يقدمون برامج للتوعية والتثقيف الصحي، مع زوايا من الاحتفاء بالتراث البحري.
نجح مهرجان «الدوخلة» لأنه أيقظ الوعي بالهوية التراثية للمجتمع المحلي، ونجح لأنه آمن أن الثقافة والإبداع يمكن أن تصنع جسرًا للتواصل، ونجح في أنه انفتح على جمهور المبدعين دون أن يفحص جيناتهم أو يفتش في فصيلة دمائهم.. نجح لأنه دمج بين الفنّ والإبداع، ونجح لأنه لم يضع حواجز الفصل بين المرأة والرجل، ونجح لأنه لم يتكل على معونات أي وزارة أو مساعدة أي مؤسسة أو جمعية، وأنه قدم عملاً إبداعيًا خلاقًا وجميلاً.



مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟
TT

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

صدر العدد الجديد من مجلة الفيصل وتضمن العديد من الموضوعات والمواد المهمة. وكرست المجلة ملف العدد لموضوع إقصاء المرأة من حقل الفلسفة، وعدم وجود فيلسوفات. شارك في الملف: كل من رسلان عامر: «غياب المرأة الفلسفي بين التاريخ والتأريخ». خديجة زتيلي: «هل بالإمكان الحديث عن مساهمة نسائية في الفلسفة العربية المعاصرة؟» فرانك درويش: «المرأة في محيط الفلسفة». أحمد برقاوي: «ما الذي حال بين المرأة والتفلسف؟» ريتا فرج: «الفيلسوفات وتطور الأبحاث الحديثة من اليونان القديمة إلى التاريخ المعاصر». يمنى طريف الخولي: «النساء حين يتفلسفن». نذير الماجد: «الفلسفة نتاج هيمنة ذكورية أم نشاط إنساني محايد؟» كلير مثاك كومهيل، راشيل وايزمان: «كيف أعادت أربع نساء الفلسفة إلى الحياة؟» (ترجمة: سماح ممدوح حسن).

أما الحوار فكان مع المفكر التونسي فتحي التريكي (حاوره: مرزوق العمري)، وفيه يؤكد على أن الدين لا يعوض الفلسفة، وأن الفلسفة لا تحل محل الدين، وأن المفكرين الدينيين الحقيقيين يرفضون التفلسف لتنشيط نظرياتهم وآرائهم. وكذلك تضمن العدد حواراً مع الروائي العربي إبراهيم عبد المجيد الذي يرى أن الحزن والفقد ليس مصدرهما التقدم في العمر فقط... ولكن أن تنظر حولك فترى وطناً لم يعد وطناً (حاوره: حسين عبد الرحيم).

ونطالع مقالات لكل من المفكر المغربي عبد العزيز بومسهولي «الفلسفة وإعادة التفكير في الممارسات الثقافية»، والكاتب والأكاديمي السعودي عبد الله البريدي «اللغة والقيم العابرة... مقاربة لفك الرموز»، وضمنه يقول إننا مطالبون بتطوير مناهج بحثية لتحليل تورط اللغة بتمرير أفكار معطوبة وقيم عدمية وهويات رديئة. ويذهب الناقد سعيد بنكراد في مقال «الصورة من المحاكاة إلى البناء الجمالي» إلى أن الصورة ليست محاكاة ولا تنقل بحياد أو صدق ما تمثله، لكنها على العكس من ذلك تتصرف في ممكنات موضوعاتها. وترجم ميلود عرنيبة مقال الفرنسي ميشال لوبغي «من أجل محبة الكتب إمبراطورية الغيوم».

ونقرأ مقالاً للأنثروبولوجي الفرنسي فرانك ميرمييه بعنوان «مسار أنثربولوجي فرنسي في اليمن». ومقال «لا تحرر الحرية» (أريانا ماركيتي، ترجمة إسماعيل نسيم). و«فوزية أبو خالد... لم يزل الماء الطين طرياً بين أصابع اللغة» (أحمد بوقري). «أعباء الذاكرة ومسؤولية الكتابة» (هيثم حسين). «العمى العالمي: غزة بين فوضى الحرب واستعادة الإنسانية» (يوسف القدرة). «الطيور على أشكالها تقع: سوسيولوجيا شبكة العلاقات الاجتماعية» (نادية سروجي). «هومي بابا: درس في الشغف» (لطفية الدليمي).

ويطالع القارئ في مختلف أبواب المجلة عدداً من الموضوعات المهمة. وهي كالتالي: قضايا: سقوط التماثيل... إزاحة للفضاء السيميائي وإعادة ترتيب للهياكل والأجساد والأصوات (نزار أغري). ثقافات: «هل يمكن أن تحب الفن وتكره الفنان؟» ميليسا فيبوس (ترجمة خولة سليمان). بورتريه: محمد خضر... المؤلف وسرديات الأسلوب المتأخر (علي حسن الفواز). عمارة: إعادة تشكيل الفضاءات العامة والخاصة في جدة بين التراث والحداثة (بدر الدين مصطفى). حكايتي مع الكتب: الكتب صحبة رائعة وجميلة الهمس (فيصل دراج). فضاءات: «11 رصيف برنلي»... الابنة غير الشرعية لفرنسوا ميتران تواجه أشباح الحياة السرية (ترجمة جمال الجلاصي). تحقيقات: الترفيه قوة ناعمة في بناء المستقبل وتنمية ثقافية مؤثرة في المجتمع السعودي (هدى الدغفق). جوائز: جوائز الترجمة العربية بين المنجز والمأمول (الزواوي بغورة). المسرح: الكاتبة ملحة عبد الله: لا أكتب من أجل جائزة أو أن يصفق لي الجمهور، إنما كي أسجل اسمي في تاريخ الفن (حوار: صبحي موسى).

وفي باب القراءات: نجوان درويش... تجربة فلسطينية جسورة تليق بالشعر الجديد (محمد عبيد الله). جماليات البيت وسردية الخواء... قراءة في روايات علاء الديب (عمر شهريار). «أغنية للعتمة» ماتروشكا الحكايات والأنساب تشطر التاريخ في صعودها نحو الأغنية (سمية عزام). تشكيل: مهدية آل طالب: دور الفن لا يتحقق سوى من خلال الفنان (هدى الدغفق). مسرح: المنظومة المسرحية الألمانية يؤرقها سوء الإدارة والتمييز (عبد السلام إبراهيم)

ونقرأ مراجعات لكتب: «وجه صغير يتكدس في كل ظهيرة» (عماد الدين موسى)، «مروة» (نشوة أحمد)، «خاتم سليمي» (نور السيد)، «غراميات استثنائية فادحة» (معتصم الشاعر)، «أبناء الطين» (حسام الأحمد)، «حساء بمذاق الورد» (جميلة عمايرة).

وفي العدد نطالع نصوص: «مارتن هيدغر يصحو من نومه» (سيف الرحبي)، «مختارات من الشعر الكوري» (محمد خطاب)، «سحر الأزرق» (مشاعل عبد الله)، «معرض وجوه» (طاهر آل سيف)، «سارقة الذكريات» (وجدي الأهدل)، «أوهام الشجر» (منصور الجهني).