اختتام مهرجان دهوك السينمائي الدولي الثالث في كردستان العراق

الكردي شوكت كوركي يحصل على جائزة أفضل مخرج للأفلام الطويلة

المخرج الكردي شوكت أمين كوركي أثناء تسلمه جائزة أفضل مخرج للأفلام الطويلة من المخرج علي بدرخان عضو لجنة التحكيم («الشرق الأوسط»)  -  المخرج الكردي شوكت أمين كوركي («الشرق الأوسط»)
المخرج الكردي شوكت أمين كوركي أثناء تسلمه جائزة أفضل مخرج للأفلام الطويلة من المخرج علي بدرخان عضو لجنة التحكيم («الشرق الأوسط») - المخرج الكردي شوكت أمين كوركي («الشرق الأوسط»)
TT

اختتام مهرجان دهوك السينمائي الدولي الثالث في كردستان العراق

المخرج الكردي شوكت أمين كوركي أثناء تسلمه جائزة أفضل مخرج للأفلام الطويلة من المخرج علي بدرخان عضو لجنة التحكيم («الشرق الأوسط»)  -  المخرج الكردي شوكت أمين كوركي («الشرق الأوسط»)
المخرج الكردي شوكت أمين كوركي أثناء تسلمه جائزة أفضل مخرج للأفلام الطويلة من المخرج علي بدرخان عضو لجنة التحكيم («الشرق الأوسط») - المخرج الكردي شوكت أمين كوركي («الشرق الأوسط»)

حاز المخرج الكردي شوكت أمين كوركي جائزة أفضل إخراج في قسم الأفلام الطويلة في مهرجان دهوك السينمائي الدولي الثالث عن فيلمه «مذكرات على الحجر» الذي يروي قصة فريق من السينمائيين الأكراد الذين يحاولون إنتاج فيلم سينمائي وما يواجهونه من عقبات أثناء التصوير وإخراج الفيلم. كذلك نال كوركي جائزة محافظ دهوك في المهرجان.
ولد كوركي في إحدى القرى التابعة لقضاء زاخو في محافظة دهوك عام 1973، وكان والده مقاتلا في صفوف البيشمركة لذا اضطرت العائلة إلى ترك قريتها بسبب الأوضاع السياسية التي شهدها كردستان آنذاك وانتقلت إلى إيران عام 1975، لتبقى فيها نحو 24 عاما، حيث نشأ كوركي فيها نشأة فنية، وبدأ منذ بلوغه 15 عاما المشاركة في مسرح المدرسة وفي الوقت ذاته كان يحمل في قلبه حبا للسينما نما مع نموه وأصبح جزءا من حياته الفنية.
وقال كوركي في حديث لـ«الشرق الأوسط» على هامش المهرجان: «الفيلم إنتاج مشترك بين إقليم كردستان وألمانيا، استغرق كتابة سيناريو الفيلم نحو عام ونصف العام، شارك في الفيلم ممثلون من كردستان تركيا وإيران وسوريا والعراق، وقسم من فريق العمل كان من ألمانيا، وبشكل عام بلغ عدد الأشخاص الذي شاركوا في إنتاج العمل نحو 1500 شخص. هذا الفيلم شارك حتى الآن في أربعين مهرجانا سينمائيا دوليا، وحصل حتى الآن على (15) جائزة، كان من أبرزها حصوله على جائزة أفضل سيناريو في مهرجان آسيا باسيفيك وكذلك جائزة السيناريو في مهرجان غوتنبيرغ في السويد».
وعن كيفية شق طريقه إلى الشاشة الكبيرة، بين كوركي بالقول: «إلى جانب المشاركة في المسرح كنت دائما أقرأ المواضيع الخاصة بالسينما في المجلات، وأطالع الكتب السينمائية والنقد السينمائي، ولأن والدي كان لا يحب السينما لذا لم أستطع أن أدخلها عندما كنت صغيرا، وأتذكر أنني في 14 من عمري دخلت لأول مرة السينما لمشاهدة فيلم، وبعدها بدأت أحب هذا الفن، وعام 1994 دخلت في دورة سينمائية خاصة بالشباب في إيران لمدة عام، وبعد التخرج من هذه الدورة بدأت بإخراج الأفلام القصيرة، منها فيلمان للتلفزيون. وحتى عام 1998 أخرجت عددا من الأفلام الوثائقية أيضا، وفي عام 1999 عدنا إلى إقليم كردستان، حيث عملت مع فضائية كردستان في إنتاج الأفلام القصيرة».
وتابع كوركي: «بعد سقوط النظام العراقي الأسبق عام 2003، كتبت سيناريو فيلم (العبور من الغبار) الذي تم تصويره عام 2005 وعُرِضَ عام 2006، شارك هذا الفيلم في نحو مائة مهرجان سينمائي. الفيلم يروي خلال خمس ساعات قصة اثنين من مقاتلي البيشمركة وطفل عربي مفقود في اليوم الذي سقط فيه نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، وما يواجهونه من مشكلات. وهو أول الأفلام الطويلة التي أخرجتها. وفي عام 2009 تعاقدت مع قناة (أن أج كي) من أجل إنتاج فيلم سينمائي مشترك مع اليابانيين عن كركوك بعنوان (كيك أوف كركوك). وحصل هذا الفيلم أيضا على الكثير من الجوائز العالمية واشترك في الكثير من المهرجانات السينمائية الدولية أيضا».
عشق كوركي السينما منذ صباه فكان لهذا الفن معاني كبيرة لديه، وفي هذا السياق يقول كوركي: «عشنا حياة صعبة مليئة بالمعاناة في إيران أثناء وجودنا فيها، بالإضافة إلى معاناتنا السياسية والاجتماعية فيه، لذا كل هذه المعاناة دفعت بي إلى اتخاذ السينما كطريقة للتفكير بشيء مختلف وللراحة، وكتعبير لما شهدناه من مآس».
وتمتاز أفلام كوركي الطويلة على أنها تروي أحداثا واقعية حدثت في الماضي، فهي في الغالب رواية لمذكرات الماضي خاصة ما واجهه الشعب الكردي من ويلات خلال القرن المنصرم، وعن أسباب هذا الالتزام بسرد الأحداث، يؤكد كوركي بالقول: «هذا صحيح، أفلام واقعية وتتحدث عن الوقت المعاصر أيضا، والأحداث التي ترويها لا تعود إلى زمن قديم، فهي أحداث حدثت قبل سنوات، لكن في الوقت ذاته من الممكن أن أخرج من هذا اللون من الأفلام إلى لون جديد، ومن الممكن أن يكون فيلمي المقبل مختلفا تماما عن أفلامي الماضية».
وعن مشاريعه المستقبلية في مجال السينما، كشف كوركي بالقول: «أنا الآن منشغل بكتابة سيناريوهين جديدين وهما الآن في مرحلة التطوير، أحدهما عبارة عن فيلم درامي عائلي، أما الآخر فهو مرتبط بالأحداث التي تشهدها المنطقة من حرب ونزوح ولجوء».
مهرجان دهوك السينمائي الدولي الثالث الذي اختتم أخيرا يعتبر واحدا من أهم مهرجانات الشرق الأوسط السينمائية وسط مشاركة كبيرة من المخرجين والسينمائيين العرب والأوروبيين والأميركيين، والآسيويين، وشهد اختتام المهرجان توزيع الجوائز على الأفلام الفائزة، وحصل المخرج كان موكديسي على جائزة يلماز غوناي لأفضل فيلم روائي طويل عن فيلم سيفاز، أما جائزة أفضل موهبة جديدة فحصدها فيلم «الدرس»، من إخراج كريستينا جروزيفا وبيتر فالتشانوف. وحصلت المخرجة أنا روسيون على جائزة المعهد الفرنسي لأفضل فيلم وثائقي عن فيلم «أنا الشعب» وحصل فيلم «الدجاجة» للمخرج جونجاك أونا على جائزة أفضل فيلم قصير.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)