لوشة الإسبانية تحتفل بالوجود العربي في «مملكتان وثقافتان»

تحيي في عرض مسرحي الوقائع التاريخية للسيطرة على المدينة

قائد إسباني في إحدى المعارك التاريخية ضد الجيش العربي
قائد إسباني في إحدى المعارك التاريخية ضد الجيش العربي
TT

لوشة الإسبانية تحتفل بالوجود العربي في «مملكتان وثقافتان»

قائد إسباني في إحدى المعارك التاريخية ضد الجيش العربي
قائد إسباني في إحدى المعارك التاريخية ضد الجيش العربي

تحتفل مدينة لوشة (لوخا) جنوب إسبانيا سنويا في هذا الوقت من العام بمهرجان «مملكتان وثقافتان» إحياء للتاريخ العربي في المدينة، وظهرت المدينة في زي مختلف، إذ انتشرت مظاهر الزينة واللوحات التي تمثل الوجود العربي، ومنها لوحة تمثل الوزير الغرناطي ابن الخطيب (1313م - 1374م)، وساهمت أيضًا المطاعم والكافيتريات بإحضار طعام عربي وإسباني، وشارك المواطنون في إحياء المهرجان من خلال ارتدائهم الملابس الأندلسية أو الإسبانية القديمة.
وعرضت في الساحة المركزية للمدينة منتجات ومنسوجات عربية وإسبانية، وشاركت فرق فنية في المهرجان إذ قدمت كثيرا من الاستعراضات الفنية والموسيقية، وشاركت فرقتان تمثلان الجيش العربي والجيش الإسباني، وقامتا بعرض مسرحي يمثل الوقائع التاريخية التي مرت بها المدينة في السنوات الأخيرة من الحكم العربي. في هذه المعركة يشتبك الطرفان العربي والإسباني بالقتال في ساحة كونستيتوثيون، وينتصر فيها الجيش العربي أولا، لكن الجيش الإسباني المندحر يعود فيجمع قواه مرة أخرى ليعاود الهجوم، وفي هذه المرة يستطيع دحر الجيش العربي ويحتل المدينة في عرض مشوق للغاية اشتركت فيه شخصيات مهمة في تلك المرحلة، مثل الملك أبو عبد الله الصغير (1459 - 1533) باعتباره المسؤول الأول لمملكة غرناطة والتي تمثل مدينة لوشة جزءا منها، وبجانبه زوجته مريم، ووالدها القائد علي العطار. ومن الجانب الإسباني تظهر شخصيات كثيرة، أبرزها القائد الإسباني الذي يمثل الملكة إيزابيل الكاثوليكية (1451 - 1504) ملكة كاستيا، والقائد غونثالو دي فرناندث المعروف باسم غران كابيتان (1453 - 1515) وعلى يده اندحر الجيش العربي عام 1486، وفقدت مملكة غرناطة العربية هذه المدينة المهمة. لكن مملكة غرناطة العربية لم تستطع الصمود كثيرا بعد فقدانها لمدينة لوشة، فسقطت هي الأخرى عام 1492 بيد الإسبان، لتنتهي بذلك الحقبة العربية في الأندلس بالكامل، والتي استمرت نحو ثمانية قرون.
تقول مديرة «جمعية مدينة لوشة، مملكتان وثقافتان» وهي إحدى المسؤولات عن تنظيم المهرجان: «إن ما قصدناه من هذه الاحتفالات هو تقديم فكرة عن تاريخ مدينة لوشة القديمة في أواخر القرن الخامس عشر، موضحين مكان الثكنات العسكرية، وعادات المواطنين، وملابسهم وصنائعهم... إلخ. إننا مقتنعون بأن بإمكاننا أن نحوّل ماضينا إلى مُحرّك لحاضرنا ومستقبلنا، ونحن ماضون إلى تحقيقه».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».