حملة على مواقع التواصل الاجتماعي ضد «صبي الساعة»

اتهامات لوالد الطفل السوداني بأنه متطرف

{صبي الساعة} أحمد مع والده في منزلهما بتكساس (أ ب)
{صبي الساعة} أحمد مع والده في منزلهما بتكساس (أ ب)
TT

حملة على مواقع التواصل الاجتماعي ضد «صبي الساعة»

{صبي الساعة} أحمد مع والده في منزلهما بتكساس (أ ب)
{صبي الساعة} أحمد مع والده في منزلهما بتكساس (أ ب)

قال الأميركي السوداني محمد الحسن محمد الحسن، والد أحمد، الصبي الذي صمم ساعة إلكترونية، واعتقل عندما أخذها معه إلى مدرسته، مدرسة ماكارثر الثانوية في إيرفنغ (ولاية تكساس)، إن ابنه لن يعود إلى المدرسة. وذكر الوالد لصحيفة «يو إس إيه توداي» أن ابنه سيذهب إلى مدرسة خاصة، أو سيدرس في منزله.
وعلى الرغم من استمرار صعود نجم الصبي، فقد ظهرت ردود فعل سلبية مع نهاية الأسبوع.
وانتشر في مواقع الإنترنت فيديو قصير، من مقابلة مع أحمد كان أذاعها تلفزيون «إم إس إن بي سي»، وقال فيها إنه تعمد ألا يضع كابلا في الساعة «حتى لا تبدو أنها شيء مشتبه فيه». واستغل البعض هذه الجملة، وقالوا إن أحمد كان يعرف أن ما صنع شيء مشكوك فيه. وبالتالي، كان يجب ألا يأخذ الساعة إلى المدرسة. واتهم البعض والد أحمد بأنه كان يعرف أن الساعة مشكوك فيها. بل قال آخرون إن الوالد «تعمد اختبار إرسال قنبلة إلى المدرسة، يحملها ابنه».
وأمس، نشرت صحيفة «نورث دالاس غازيت» أن والد أحمد «اشتهر في وطنه (السودان) بسبب نشاطاته الإسلامية». وأعادت الصحيفة نشر مقابلة مع الوالد أجريت في بداية هذا العام، تحدث فيها الوالد عن أنه كان يعمل في جمارك مطار الخرطوم. ودرس في جامعة القاهرة (فرع الخرطوم). ثم جاء إلى الولايات المتحدة قبل ثلاثين عاما تقريبا.
وحسب المعلومات التي نشرت عنه، تزوج أميركية اسمها «شيرلي»، ثم طلقها بعد أن حصل منها على الجنسية الأميركية. ثم عاد إلى السودان، وتزوج سودانية، وهي زوجته الحالية التي أنجب منها خمسة أولاد وبنات، من بينهم أحمد.
حسب الصحيفة، قبل أن ينتقل أحمد إلى تكساس قضى سنوات في نيويورك، وكان يبيع ساندويتشات «هوت دوغ» في الشوارع. ثم انتقل إلى تكساس، حيث صار يعمل في مطعم «بيتزا»، ثم سائق سيارة تاكسي. ثم أسس شركة سيارات تاكسي، وشركة «بارادايس إنفستمنت» (استثمارات الجنة). وفي السودان، أسس شركة «الصوفي العالمية» التجارية. وقالت الصحيفة إن «الصوفي» إشارة إلى اسم جده (محمد الحسن محمد الحسن الصوفي)، وأيضا إشارة إلى أنه متصوف. وقد أسس قبل عشرين عاما تقريبا مركزا للصوفية في تكساس.. و«من هناك انطلقت طموحاته الدينية، وطموحاته السياسية». وقال محمد الحسن للصحيفة إنه ترشح مرتين ضد الرئيس السوداني عمر البشير، وإنه وعد بتحسين العلاقات بين السودان وأميركا إذا فاز (لم يفز في المرتين. وحسب مواقع سودانية فإنه قال، في دعاياته الانتخابية باسم حزب الإصلاح الإسلامي، إنه كان وراء تخفيف العقوبات الأميركية على السودان قبل عامين. وإنه إذا فاز برئاسة الجمهورية سيقدر على «إلغاء العقوبات خلال مائة يوم»، وإنه تحدث عن «علاقات شخصية» مع الرئيس أوباما).
يوم الجمعة، في نشرة الأخبار المسائية، نقل تلفزيون «فوكس» مقتطفات من صحيفة «دالاس أوبزيرفر» نشرت قبل ثلاثة أعوام. وفيها أن محمد الحسن اشترك في «عمل غريب» عندما تجادل مع جيري جونز، وهو قس متطرف في ولاية جورجيا، كان حرق المصحف الشريف. وقال تلفزيون «فوكس» إن قادة مسلمين أميركيين انتقدوا محمد الحسن في ذلك الوقت. وقالوا إنه ساعد على «تركيز الأضواء على شخص مجنون».
في نقاش في تلفزيون «فوكس» عن أحمد، ووالده، قال واحد إنه «اكتشف سرا»، وهو أن الوالد «ينتمي إلى منظمة متطرفة في السودان يقودها الشيخ المكاشفي». ويعتقد أن المعلق الأميركي يقصد طائفة المكاشفية الصوفية، التي ينتمي إليها محمد الحسن.
ومن ناحية أخرى، ظهرت في إيرفنغ (تكساس) انقسامات وسط المسلمين. فقد دافعت جمعية إسلامية عن اعتقال الشرطة لأحمد، وقالت إن «أمن المدرسة جزء من رسالة المدرسة». وانتقدت الجمعية من سمتهم «ناشطين متطرفين يريدون استغلال الموضوع».
وقال خالد حميدة، رئيس فرع المنظمة الإسلامية في أميركا الشمالية، لصحيفة «دالاس مورننغ نيوز»: «يوجد قادة متشددون هنا (في إيرفنغ) يستغلون ما حدث للقيام بنشاطات تخلق جوا من الخوف وسط المواطنين». ورغم أن المنتقدين في إيرفنغ لم يشيروا إلى محمد الحسن محمد الحسن، والد الصبي، أشار آخرون إليه، ووصفوه بأنه «متطرف».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)