قتال ضارٍ في بلدة استراتيجية بين شمال اليمن وجنوبه

مديرية مكيراس اهتم بها البريطانيون إبان احتلالهم لعدن

يمنيون يسيرون قرب مقر عسكري تابع للحوثيين دمره طيران التحالف في صنعاء أمس (أ.ف.ب)
يمنيون يسيرون قرب مقر عسكري تابع للحوثيين دمره طيران التحالف في صنعاء أمس (أ.ف.ب)
TT

قتال ضارٍ في بلدة استراتيجية بين شمال اليمن وجنوبه

يمنيون يسيرون قرب مقر عسكري تابع للحوثيين دمره طيران التحالف في صنعاء أمس (أ.ف.ب)
يمنيون يسيرون قرب مقر عسكري تابع للحوثيين دمره طيران التحالف في صنعاء أمس (أ.ف.ب)

من المناطق التي تشهد مواجهات عنيفة بين قوات الجيش الوطني وقوات المتمردين، مديرية مكيراس، وهي واحدة من البلدات ذات المواقع الاستراتيجي، لعبت في الماضي دورًا في الصراعات المسلحة بين شطري البلاد، وما زالت تلعب هذا الدور حاليًا، كما أنها كانت محور اهتمام البريطانيين إبان احتلالهم لعدن.
مكيراس بلدة ريفية، توصف بكونها جنوبية - شمالية، ذلك أنها تقع على طول سلسة جبار الكور، وهي سلسلة جبلية تمتد من يافع إلى شبوة، وتعد من أهم البلدات الزراعية في أبين. ترتفع عن سطح البحر 2170 مترا ويبلغ عدد سكانها ما يقارب 45 ألف نسمة على امتداد مساحة 1153 كيلومترًا، وكانت إبان دولة الجنوب السابقة تتبع محافظة أبين ليتم ضمها إداريا بعد وحدة العام 1990 إلى محافظة البيضاء التي تبعد عنها 20 كيلومترًا.
أنشأ فيها البريطانيون مطارًا جويًا لنقل المواد الغذائية إلى مكيراس عاصمة المدينة، ومنها يتم نقل الخضراوات والفواكه التي كانت وما زالت تنتجها مكيراس، إلى عدن عاصمة اليمن الجنوبي سابقًا. وقبل الوحدة الاندماجية التي تمت بين جنوب اليمن وشماله بأعوام، عبد الصينيون عقبة ثرة الشاهقة التي تربط عاصمة السلطنة العوذلية لودر مع مكيراس التي تعد جزءًا من سلطنة العواذل في أبين شمال شرقي عدن.
وقال الإعلامي صالح أبو عوذل، لـ«الشرق الأوسط»، إن ميكراس ذات موقع استراتيجي وتعد بالنسبة للجنوبيين رمزًا وطنيًا وجغرافيًا؛ فهي تقع على حدود التماس مع الجمهورية العربية اليمنية، وكان يوجد فيها منفذ دولي يسمى المآذن. وأضاف أبو عوذل أن مكيراس سقطت عقب خيانة من قبل «لواء المجد» الذي كان أكد للرئيس عبد ربه منصور هادي أنه سيقف مع الشرعية، لكنه انقلب وأسقط مكيراس من خلف المقاومة التي كانت تشكل خط دفاع على الحدود السابقة، مشيرًا إلى أن أهل مكيراس خاضوا معارك عنيفة في مواجهة غير متكافئة مع الميليشيات الحوثية وقوات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، سقط على إثرها عشرات القتلى والجرحى بينهم الشيخ سالم علي البركاني، لتسقط مكيراس وتسقط بعدها لودر بعد نحو 14 يومًا من المواجهات. وتابع أنه «نتيجة لعدم وصول أي دعم عسكري أو لوجستي للمقاومة هناك، خصوصًا أن أهالي لودر ومكيراس ودثينة والنخعين، خرجوا من حرب طويلة مع تنظيم القاعدة منذ عام 2011، ناهيك بأن السلاح الذي أنزله التحالف في لودر تم الاستيلاء عليه من قبل بعض القبائل التي رفضت القتال، بتواطؤ من بعض قيادات المقاومة في لودر».
وأكد أن المقاومة الجنوبية تخوض معارك شرسة في مكيراس ضد قوات الحوثي وصالح، وقد كبدت المقاومة تلك الميليشيات والقوات المرتبطة بطهران، على حد قوله، خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، لعل أبرزها العمليات النوعية التي قامت بها المقاومة الجنوبية في مكيراس يوم 4 سبتمبر (أيلول) الحالي، حيث قتلت أكثر من 50 عنصرًا من تلك الجماعات المسلحة، مضيفًا أن المقاومين الجنوبيين في مكيراس، يخوضون معارك شرسة بأسلحة قديمة، ويفتقرون للسلاح النوعي في مواجهة العدوان الذي يملك أسلحة ومعدات ضخمة.
وحول الوضع الإنساني الذي تعيشه المنطقة الحدودية، أكد أبو عوذل أنه وحتى اللحظة لم تصل أي منظمات حقوقية أو داعمة إلى مكيراس لرصد الانتهاكات والجرائم التي ارتكبها الحوثيون وقوات صالح، حيث قتل العشرات من النساء والأطفال في أعمال قصف عشوائية طول 33 يومًا من المعارك في ظل نزوح جماعي لمئات الأسر من المنطقة جراء اشتداد المعارك بين الميليشيات ورجال المقاومة الجنوبية. وفي الأخير، أعرب عن أمله في أن تسعى الحكومة اليمنية وقوات التحالف العربي، لتحرير مكيراس والبيضاء حتى تتمكن القوات من التحرك ناحية العاصمة صنعاء عقب تأمين مناطق الخلف أو الظهر، على حد اعتقاده.
بدوره، جدد المكتب الإعلامي لـ«حلف قبائل العواذل» في بيان تأكيده أن «المقاومة الجنوبية مستمرة في قتال ميليشيات قوات العدوان في مكيراس وكبدتها خسائر فادحة بالأرواح والعتاد»، مشيرًا إلى أن المقاومة تمكنت خلال اليومين الماضيين من تحرير بعض المواقع في مكيراس عقب معارك شرسة مع ميليشيات الحوثي وصالح. وأشار البيان إلى أن «الخسائر التي مني بها العدو في مكيراس في تزايد مستمر، لعل أبرزها ما تعرضت له ميليشيات العدوان مؤخرًا من عمليات خاطفة للمقاومة أدت إلى مقتل وجرح العشرات من الميليشيات في مناطق عريب ومكيراس وبركان، والمقاومة الجنوبية مستمرة في تحقيق انتصاراتها، رغم عدم وجود أي دعم، حيث إن الدعم العسكري الذي يصل للجبهات لم يصل بالشكل المطلوب إلى جبهات القتال».
ووصف البيان الوضع الإنساني في لودر ومكيراس بأنه مزر للغاية، حيث إن المواطنين النازحين لم يحصلوا على أي دعم، و«لدى المكتب الإعلامي للحلف معلومات يجري التحقق منها مفادها أن المعونات الإنسانية تم بيعها من قبل إحدى الشخصيات في مدينة لودر». وتابع البيان أن «لودر ومكيراس تعرضتا منذ عام 2012 لتدمير ممنهج جراء الصراعات المسلحة التي كانت أرضنا ساحة لها، بدلاً من أن تكون في منطقة أخرى، لكن رجال القبيلة تمكنوا من طرد الجماعات المسلحة المرتبطة بالقاعدة بالتعاون مع قبائل دثينة الإبطال، الذين وقفوا إلى جانب لودر بكل بسالة وقدموا الشهيد تلو الشهيد من أجل أن تبقى لودر مجمع القبل في أمن واستقرار». وأكد أن الحرب الراهنة مع الميليشيات كانت أشد دمارًا من الحرب التي سبقت، حيث أمعنت قوات العدوان على قصف مساكن المدنيين في لودر ومكيراس مما تسبب في سقوط المئات بين القتلى والجرحى غالبيتهم نساء وأطفال. وأشار إلى أن «آخر تلك الجرائم المرتكب بحق المواطنين هي جريمة قصف منزل لأحد المواطنين في مكيراس مما تسبب في استشهاد 9 نساء ورجلين، كما سبقها قصف مساكن للمدنيين في قرية عرفان مما أدى إلى استشهاد وجرح عدد من المواطنين بينهم رجل وزوجته». واستغرب البيان الصمت المحلي والدولي والإقليمي تجاه الأوضاع الإنسانية في لودر ومكيراس، وعدم وصول أي عدم إلى المواطنين في مكيراس ولودر، مضيفًا أن مستشفى لودر يعاني الكثير في نقص الأدوية، في حين أن عددًا من الجرحى لم يتلقوا العلاج بالشكل المطلوب والبعض لم يتم نقله إلى أي مستشفى.
وتسببت أعمال القصف العشوائية لميليشيات الحوثي وقوات صالح على مساكن المدنيين في مكيراس وأجزاء من لودر في موجة نزوج للسكان، عقب عمليات قصف خلفت مقتل وجرح العشرات من المدنيين بينهم نساء وأطفال. وأكد المكتب الإعلامي أن هناك أسرًا تعيش في العراء جراء عدم تمكنها من الحصول على مساكن.



اليمن يستبعد تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم

الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
TT

اليمن يستبعد تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم

الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)

استبعدت الحكومة اليمنية تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم، داعية إيران إلى رفع يدها عن البلاد ووقف تسليح الجماعة، كما حمّلت المجتمع الدولي مسؤولية التهاون مع الانقلابيين، وعدم تنفيذ اتفاق «استوكهولم» بما فيه اتفاق «الحديدة».

التصريحات اليمنية جاءت في بيان الحكومة خلال أحدث اجتماع لمجلس الأمن في شأن اليمن؛ إذ أكد المندوب الدائم لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أن السلام في بلاده «لا يمكن أن يتحقق دون وجود شريك حقيقي يتخلّى عن خيار الحرب، ويؤمن بالحقوق والمواطنة المتساوية، ويتخلّى عن العنف بوصفه وسيلة لفرض أجنداته السياسية، ويضع مصالح الشعب اليمني فوق كل اعتبار».

وحمّلت الحكومة اليمنية الحوثيين المسؤولية عن عدم تحقيق السلام، واتهمتهم برفض كل الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى إنهاء الأزمة اليمنية، وعدم رغبتهم في السلام وانخراطهم بجدية مع هذه الجهود، مع الاستمرار في تعنتهم وتصعيدهم العسكري في مختلف الجبهات وحربهم الاقتصادية الممنهجة ضد الشعب.

وأكد السعدي، في البيان اليمني، التزام الحكومة بمسار السلام الشامل والعادل والمستدام المبني على مرجعيات الحل السياسي المتفق عليها، وهي المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وفي مقدمتها القرار «2216».

عنصر حوثي يحمل صاروخاً وهمياً خلال حشد في صنعاء (رويترز)

وجدّد المندوب اليمني دعم الحكومة لجهود المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، هانس غروندبرغ، وكل المبادرات والمقترحات الهادفة لتسوية الأزمة، وثمّن عالياً الجهود التي تبذلها السعودية وسلطنة عمان لإحياء العملية السياسية، بما يؤدي إلى تحقيق الحل السياسي، وإنهاء الصراع، واستعادة الأمن والاستقرار.

تهديد الملاحة

وفيما يتعلق بالهجمات الحوثية في البحر الأحمر وخليج عدن، أشار المندوب اليمني لدى الأمم المتحدة إلى أن ذلك لم يعدّ يشكّل تهديداً لليمن واستقراره فحسب، بل يُمثّل تهديداً خطراً على الأمن والسلم الإقليميين والدوليين، وحرية الملاحة البحرية والتجارة الدولية، وهروباً من استحقاقات السلام.

وقال السعدي إن هذا التهديد ليس بالأمر الجديد، ولم يأتِ من فراغ، وإنما جاء نتيجة تجاهل المجتمع الدولي لتحذيرات الحكومة اليمنية منذ سنوات من خطر تقويض الميليشيات الحوثية لاتفاق «استوكهولم»، بما في ذلك اتفاق الحديدة، واستمرار سيطرتها على المدينة وموانيها، واستخدامها منصةً لاستهداف طرق الملاحة الدولية والسفن التجارية، وإطلاق الصواريخ والمسيرات والألغام البحرية، وتهريب الأسلحة في انتهاك لتدابير الجزاءات المنشأة بموجب قرار مجلس الأمن «2140»، والقرارات اللاحقة ذات الصلة.

حرائق على متن ناقلة النفط اليونانية «سونيون» جراء هجمات حوثية (رويترز)

واتهم البيان اليمني الجماعة الحوثية، ومن خلفها النظام الإيراني، بالسعي لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، وتهديد خطوط الملاحة الدولية، وعصب الاقتصاد العالمي، وتقويض مبادرات وجهود التهدئة، وإفشال الحلول السلمية للأزمة اليمنية، وتدمير مقدرات الشعب اليمني، وإطالة أمد الحرب، ومفاقمة الأزمة الإنسانية، وعرقلة إحراز أي تقدم في عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة.

وقال السعدي: «على إيران رفع يدها عن اليمن، واحترام سيادته وهويته، وتمكين أبنائه من بناء دولتهم وصنع مستقبلهم الأفضل الذي يستحقونه جميعاً»، ووصف استمرار طهران في إمداد الميليشيات الحوثية بالخبراء والتدريب والأسلحة، بما في ذلك، الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، بأنه «يمثل انتهاكاً صريحاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، لا سيما القرارين (2216) و(2140)، واستخفافاً بجهود المجتمع الدولي».