أطفال عراقيون يعيدون طقوس الموروث الشعبي

أبهرت جمهور العرض ووجهت رسالة لساسة البلاد

نجاح الأطفال أدهش الجمهور الذي صفق لهم كثيرًا واعتبرهم لبنة جديدة ({الشرق الأوسط})
نجاح الأطفال أدهش الجمهور الذي صفق لهم كثيرًا واعتبرهم لبنة جديدة ({الشرق الأوسط})
TT

أطفال عراقيون يعيدون طقوس الموروث الشعبي

نجاح الأطفال أدهش الجمهور الذي صفق لهم كثيرًا واعتبرهم لبنة جديدة ({الشرق الأوسط})
نجاح الأطفال أدهش الجمهور الذي صفق لهم كثيرًا واعتبرهم لبنة جديدة ({الشرق الأوسط})

على وقع دبكات وألحان رقصة «الجوبي» البغدادية المعروفة، أنهى أطفال عراقيون فعالياتهم ضمن منهجهم الفني والثقافي الذي تواصل على مدى ثلاثة أشهر من العطلة الصيفية، تعلموا فيها بعضا من فنون الأداء المسرحي والغنائي والفن الشعبي وإحياء الطقوس الفلكلورية على يد أساتذة ومرشدي اختصاص وذلك في المركز الثقافي للطفل (الفانوس السحري) سابقًا، التابع لوزارة الثقافة.
الأطفال المشاركون وهم بأعمار تراوحت بين (5 و13) عامًا، قلدوا الكبار في وقفتهم على خشبة المسرح في لوحة «الجوبي» الشعبية بكل تفاصيلها من أزياء وحركات فنية رشيقة بطريقة متجاوبة مع وقع الطبل والناي، بشكل أدهش الجمهور الذي صفق لهم كثيرًا واعتبرهم لبنة جديدة وواعدة لأجل إحياء التراث الشعبي البغدادي.
يقول نصير كامل الخياط، مدير فرقة أحباب العراق للفنون الشعبية ومدرب الصغار: «الفرقة هي الوحيدة في مجال إحياء التراث الشعبي للصغار، وأسعى فيها إلى تنمية أجيال جديدة من الفنانين والهواة فيها كي لا تنقرض أمام غياب الدعم والاهتمام بهكذا نوع من الفنون المسرحية المخصصة للصغار».
وأضاف: «جرى تدريب الصغار منذ نحو ثلاثة أشهر ونجحوا اليوم في تقديم لوحتهم الفنية بشهادة الجمهور الذي أبهره العرض، خاصة أزياء الصغار وحركاتهم التي امتزجت مع الإيقاع» وأشار: «هناك دعوة نحاول الاستعداد لها لمشاركة أعضاء الفرقة في مهرجان دولي يقام في تركيا في أبريل (نيسان) من العام القادم ويهتم بالفنون الشعبية بكل دول العالم».
وخلال استعداده لتقديم فقرته، وارتداء الزي الشعبي الخاص به، قال لنا الطفل يوسف فراس (13 عاما) «تعلمت فنونا كثيرة خلال فترة وجودي في المركز، وأحب أن أشارك في مهرجانات عالمية أسعى فيها لنشر التراث العراقي إلى جميع دول العالم».
بدورها عبرت الطفلة بسمة حسن 10 سنوات عن فرحتها بالمشاركة وهي تجد عدسات القنوات الفضائية تتركز لتصوير نشاطهم وكذلك عدسات المصورين، وقالت: «أتمنى أن أتواصل وأحقق النجاحات بمساعدة أهلي وأساتذتي».
ولم يخل برنامج الدورة الصيفية من فعاليات متنوعة كان من بينها افتتاح معرضين فنيين، الأول، للأعمال اليدوية التي أنتجها الصغار، والثاني، لرسوم الأطفال المشاركين في الدورة الصيفية، وحملت مفاجآت ومواهب جديدة بحاجة إلى استيعابها وتنميتها، كذلك جاءت فقرة عرض أوبريت «وطن آمن» وهو من تأليف وإخراج الدكتورة فاتن الجراح ومشاركة مجاميع الأطفال، ويحكي قصة العنف الطائفي الذي ساد البلاد في سنوات مضت ومقارنتها بالعنف الآن وعمليات الاقتتال المسلح وما خلفه من دمار وأحزان، ويقدم في النهاية صورة لأمل جديد بحياة أكثر تسامحا وسلامًا. اشترك به كل من الممثلين سارة حمود ويوسف جلوب وآخرون.
تقول الفنانة فاتن الجراح: «الأوبريت هو رسالة تذكير لساسة البلاد وزعاماتها بأن ينتبهوا لما يخلفه الدمار والحرب من خراب على الإنسان والزرع والحياة كلها، وكم تمنيت أن أنجز عملا يحمل مفردات أكثر تفاؤلا وجمالاً وسلامًا لكن الحرب لا تترك لنا خيار آخر».
«عام القراءة» كان عنوان الدورة الصيفية التي احتضنت صغار الحي في منطقة المنصور وبعض المناطق القريبة، كما تقول مديرة المركز الثقافي للطفل زهرة الجبوري، وأضافت: «نحاول أن نعلم الصغار ونحتضن طاقاتهم ومواهبهم ضمن خطة سنوية أعدت لذلك، لكن ضيق المكان والإمكانات تجعل التجربة محدودة، ونسعى إلى أن نستوعب كل الصغار في هكذا دورات مجانية ولا تهدف سوى إلى احتضان مواهب الأطفال وزجهم في نشاطات فنية واجتماعية خلال عطلة الصيف الطويلة».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».