«على حلة عيني» لزينب بوزيد يسرد حكاية تقع بين حقبتين

الفيلم الأول لابنة المخرج المعتزل

«على حلة عيني» لزينب بوزيد يسرد حكاية تقع بين حقبتين
TT

«على حلة عيني» لزينب بوزيد يسرد حكاية تقع بين حقبتين

«على حلة عيني» لزينب بوزيد يسرد حكاية تقع بين حقبتين

ابنة المخرج التونسي المعروف نوري بوزيد خطت إلى حيث قرر الأب التوقف. لقد أصبحت مخرجة.
وفي حين كان صاحب «رجل الرماد» و«بزنس» و«بنت فاميليا» أعلن بعد إنجاز فيلمه الأخير «مانموتش» سنة 2012 اعتزاله، تتقدم ابنته زينب بوزيد لتحقيق أول أفلامها «على حلة عيني» من بطولة بيه المظفر وغالية بن علي ومنتصر العبادي.
الأب يظهر في مشهد واحد في الخلفية وهو يأكل في المطعم الذي يجمع بين بطلة الفيلم فرح (المظفر) وأمها حياة (بن علي) لكنه، وحسب تأكيد المخرجة نفسها، لم يتدخل في العمل مطلقًا. لذلك من الصواب القول إنها المسؤولة عنه بكامله، كتابة وتنفيذًا.
«على حلة عيني» (تعبير تونسي يعني «أول ما استيقظت من النوم») يقص حكاية فتاة عاشت في بيت متحرر إلى حد مريح. لديها أصدقاء تخرج وإياهم وتقوم بالغناء في الفرقة التي يعزف بها هؤلاء الأصدقاء. تعود متأخرة إلى البيت على الرغم من قلق والدتها عليها، لكنها لا ترمي إلى التوقف عن انتهاج هذه الحياة الشابة مهما يكن من أمر.
نراها تغني في حانة شبابية. أغانيها تسير ضد النظام (تقع الأحداث في تونس العام 2010 عندما كان زين العابدين بن علي ما زال رئيس البلاد). هذا يؤلب عليها رجال الأمن. ينتظرون الفرصة المناسبة للانقضاض عليها وتلقينها درسًا. لكنها، إلى أن يحدث ذلك فعلا، لا تكترث. هي مؤمنة بالأغاني التي ترددها عن كلمات الشاعر غسان عمامي التي يشاركها صديقها برهان (العبادي) الحماس لها. برهان شاب طويل القامة نحيل العود يعزف الغيتار ويكتب الأغاني ويتخذ فرح عشيقة ولو أنه يؤكد حبه لها. يعلن لها حبه أكثر من مرّة، هذا في الوقت الذي ازداد فيه قلق أمها عليها، كونها تعلم، من أحد معارف الأمس، أن ابنتها مراقبة، إلى جانب شعور الأمومة الذي لا يمكن نكرانه.
لكن الفيلم لا يدعونا إلى الثقة ببرهان. حين يختطفها البوليس من محطة أوتوبيس في غفلة عن أمها، ويبدأ المحقق بالتحقيق معها، تكتشف أن برهان هو من وشى بها. هذا المشهد عنيف الوقع لأنه يكشف عن التحرّش الجنسي الذي كان الأمن يستخدمه مع من يتم التحقيق معهم من الإناث.

المخرجة تقول
الفيلم هو دراما وموسيقى من دون تناقض. كون فرح مغنية وكونها تعيش أحداثًا دراماتيكية موجعة الوقع في معظم الأحيان يجعل الفيلم قادرًا على حمل اللواءين معًا، ولو أنه بعد حين يبدأ المرء بالبحث عن أغانٍ غير مكررة يسمعها عوض تلك التي نعاود سماعها أحيانا. على أن هذا الجانب الضعيف ليس الوحيد في الفيلم الذي يشكو من المتاعب. في الأساس، هناك التباس في العلاقات حين يراد لها أن تكون واضحة، وعلاقة الأم بالأب ولماذا لا يعيشان معًا على الأقل في أيام العطل، إذا ما كان السبب عمل الأب البعيد عن البيت.
حين سألت زينب بن علي عن هذا الجانب قالت:
- وجهة نظري أن هذه العلاقات واضحة ولا تحتاج إلى تفسير آخر. الأب مضطر للغياب لكن حضوره دائمًا قوي كحضور الأم. لكن الأم هي التي تتحمل العبء الأكبر من المشكلات بسبب أنها تعيش مع ابنتها وتخاف عليها.
> هناك المشهد الذي تنتقل فيه وجهة النظر من فرح إلى أمها.. أعرف أن الغاية من ذلك، لكن ألا تعتقدين أن هذا الانتقال مفاجئ وغير فعّال، خصوصًا أن وجهة النظر تعود إلى الابنة فيما بعد؟
- لا أعتقد ذلك. لا يمكن تصوير فتاة غائبة اختطفت فجأة، والغاية لم تكن أساسًا سرد الفيلم من وجهة نظرها بل غايته تقديمها والحديث عنها. إلى ذلك، فإن غياب الفتاة تتيح لنا كمشاهدين التعرف عن كثب على تلك الأمر وهلعها، وهي التي كانت تريد تهريب ابنتها وإبعادها من المدينة إلى بيت أقارب بعيدين، لأنها أصبحت تدرك أنها في خطر.
> ماذا عن خلوّ الفيلم من شخصيات إسلامية متطرفة تنتمي إلى المشهد السياسي والاجتماعي العريض الذي يشمل الحياة التونسية.
- تقع الأحداث في عام 2010، لذلك تغييب الإسلام السياسي متاح هنا ومقبول، لأنه في ذلك الحين لم يكن له قوّة فعلية على الأرض. لم يكن له وجود في النشاط السياسي.
> هل تعتقدين أن الفيلم يتحدث إذن عن الأيام الأخيرة من نظام بن علي والأولى من الثورة. أي في ذلك الحيّز بالتحديد؟
- نعم. هي آخر مرحلة ومطلع مرحلة بالفعل، لكني لم أرد للجانب السياسي أن يطغى على حكاية فتاة تؤمن بحريتها واستقلالها وتمثل طموح بنات جيلها لإثبات دورهن في المجتمع.
> كيف اخترت الممثلة بيه المظفّر؟
- بحثت طويلاً عن فتاة تصلح للدور، واختبرت عدة ممثلات. ما جعلني أختار بيه هو أنها كانت مصرّة. كانت عنيدة في طلب الدور وواثقة من نجاحها فيه أكثر من أي فتاة أخرى قابلتها في غضون هذا البحث.

مشهد من فيلم «على حلة عيني»



هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
TT

هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)

عاش نقادُ وصحافيو السينما المنتمون «لجمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» (كنت من بينهم لقرابة 20 سنة) نعمة دامت لأكثر من 40 عاماً، منذ تأسيسها تحديداً في السنوات الممتدة من التسعينات وحتى بُعيد منتصف العشرية الثانية من العقد الحالي؛ خلال هذه الفترة تمتع المنتمون إليها بمزايا لم تتوفّر لأي جمعية أو مؤسسة صحافية أخرى.

لقاءات صحافية مع الممثلين والمنتجين والمخرجين طوال العام (بمعدل 3-4 مقابلات في الأسبوع).

هذه المقابلات كانت تتم بسهولة يُحسد عليها الأعضاء: شركات التوزيع والإنتاج تدعو المنتسبين إلى القيام بها. ما على الأعضاء الراغبين سوى الموافقة وتسجيل حضورهم إلكترونياً.

هذا إلى جانب دعوات لحضور تصوير الأفلام الكبيرة التي كانت متاحة أيضاً، كذلك حضور الجمعية الحفلات في أفضل وأغلى الفنادق، وحضور عروض الأفلام التي بدورها كانت توازي عدد اللقاءات.

عبر خطّة وُضعت ونُفّذت بنجاح، أُغلقت هذه الفوائد الجمّة وحُوّلت الجائزة السنوية التي كانت الجمعية تمنحها باسم «غولدن غلوبز» لمؤسسة تجارية لها مصالح مختلفة. اليوم لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة بعدما فُكّكت وخلعت أضراسها.

نيكول كيدمان في لقطة من «بايبي غيرل» (24A)

مفاجأة هوليوودية

ما حدث للجمعية يبدو اليوم تمهيداً لقطع العلاقة الفعلية بين السينمائيين والإعلام على نحو شائع. بعضنا نجا من حالة اللامبالاة لتوفير المقابلات بسبب معرفة سابقة ووطيدة مع المؤسسات الإعلامية المكلّفة بإدارة هذه المقابلات، لكن معظم الآخرين باتوا يشهدون تقليداً جديداً انطلق من مهرجان «ڤينيسيا» العام الحالي وامتد ليشمل مهرجانات أخرى.

فخلال إقامة مهرجان «ڤينيسيا» في الشهر التاسع من العام الحالي، فُوجئ عدد كبير من الصحافيين برفض مَنحِهم المقابلات التي اعتادوا القيام بها في رحاب هذه المناسبة. أُبلغوا باللجوء إلى المؤتمرات الصحافية الرّسمية علماً بأن هذه لا تمنح الصحافيين أي ميزة شخصية ولا تمنح الصحافي ميزة مهنية ما. هذا ما ترك الصحافيين في حالة غضب وإحباط.

تبلور هذا الموقف عندما حضرت أنجلينا جولي المهرجان الإيطالي تبعاً لعرض أحد فيلمين جديدين لها العام الحالي، هو «ماريا» والآخر هو («Without Blood» الذي أخرجته وأنتجته وشهد عرضه الأول في مهرجان «تورونتو» هذه السنة). غالبية طلبات الصحافة لمقابلاتها رُفضت بالمطلق ومن دون الكشف عن سبب حقيقي واحد (قيل لبعضهم إن الممثلة ممتنعة لكن لاحقاً تبيّن أن ذلك ليس صحيحاً).

دانيال غريغ في «كوير» (24A)

الأمر نفسه حدث مع دانيال كريغ الذي طار من مهرجان لآخر هذا العام دعماً لفيلمه الجديد «Queer». بدءاً بـ«ڤينيسيا»، حيث أقيم العرض العالمي الأول لهذا الفيلم. وجد الراغبون في مقابلة كريغ الباب موصداً أمامهم من دون سبب مقبول. كما تكرر الوضع نفسه عند عرض فيلم «Babygirl» من بطولة نيكول كيدمان حيث اضطر معظم الصحافيين للاكتفاء بنقل ما صرّحت به في الندوة التي أقيمت لها.

لكن الحقيقة في هذه المسألة هي أن شركات الإنتاج والتوزيع هي التي طلبت من مندوبيها المسؤولين عن تنظيم العلاقة مع الإعلاميين ورفض منح غالبية الصحافيين أي مقابلات مع نجوم أفلامهم في موقف غير واضح بعد، ولو أن مسألة تحديد النفقات قد تكون أحد الأسباب.

نتيجة ذلك وجّه نحو 50 صحافياً رسالة احتجاج لمدير مهرجان «ڤينيسيا» ألبرتو باربيرا الذي أصدر بياناً قال فيه إنه على اتصال مع شركات هوليوود لحلّ هذه الأزمة. وكذلك كانت ردّة فعل عدد آخر من مديري المهرجانات الأوروبية الذين يَرون أن حصول الصحافيين على المقابلات حقٌ مكتسب وضروري للمهرجان نفسه.

لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة

امتعاض

ما بدأ في «ڤينيسيا» تكرّر، بعد نحو شهر، في مهرجان «سان سيباستيان» عندما حضر الممثل جوني دَب المهرجان الإسباني لترويج فيلمه الجديد (Modi‪:‬ Three Days on the Wings of Madness) «مودي: ثلاثة أيام على جناح الجنون»، حيث حُدّد عدد الصحافيين الذين يستطيعون إجراء مقابلات منفردة، كما قُلّصت مدّة المقابلة بحدود 10 دقائق كحد أقصى هي بالكاد تكفي للخروج بحديث يستحق النشر.

نتيجة القرار هذه دفعت عدداً من الصحافيين للخروج من قاعة المؤتمرات الصحافية حال دخول جوني دَب في رسالة واضحة للشركة المنتجة. بعض الأنباء التي وردت من هناك أن الممثل تساءل ممتعضاً عن السبب في وقت هو في حاجة ماسة لترويج فيلمه الذي أخرجه.

مديرو المهرجانات يَنفون مسؤولياتهم عن هذا الوضع ويتواصلون حالياً مع هوليوود لحل المسألة. الاختبار المقبل هو مهرجان «برلين» الذي سيُقام في الشهر الثاني من 2025.

المديرة الجديدة للمهرجان، تريشيا تاتل تؤيد الصحافيين في موقفهم. تقول في اتصال مع مجلة «سكرين» البريطانية: «الصحافيون مهمّون جداً لمهرجان برلين. هم عادة شغوفو سينما يغطون عدداً كبيراً من الأفلام».

يحدث كل ذلك في وقت تعرّضت فيه الصحافة الورقية شرقاً وغرباً، التي كانت المساحة المفضّلة للنشاطات الثقافية كافة، إلى حالة غريبة مفادها كثرة المواقع الإلكترونية وقلّة عدد تلك ذات الاهتمامات الثقافية ومن يعمل على تغطيتها. في السابق، على سبيل المثال، كان الصحافيون السّاعون لإجراء المقابلات أقل عدداً من صحافيي المواقع السريعة الحاليين الذين يجرون وراء المقابلات نفسها في مواقع أغلبها ليس ذا قيمة.

الحل المناسب، كما يرى بعض مسؤولي هوليوود اليوم، هو في تحديد عدد الصحافيين المشتركين في المهرجانات. أمر لن ترضى به تلك المهرجانات لاعتمادها عليهم لترويج نشاطاتها المختلفة.