المشهد: لا يرحلون إلا عندنا

المشهد: لا يرحلون إلا عندنا
TT

المشهد: لا يرحلون إلا عندنا

المشهد: لا يرحلون إلا عندنا

* يختار مهرجان فينيسيا في كل عام عددًا لا بأس به من الأفلام التي تتحدّث عن السينما وعن مخرجيها. من بين الأفلام (التسجيلية) التي عرضت هذا العام عن المخرج الراحل جاك تورنور وآخر عن المخرج الإيطالي كارلو ليزاني وثالث عن المخرج برايان دي بالما.

* إنه تقليد جيد يتوجه مباشرة إلى من يريد الاستعادة، من يريد التعرّف. من ناحية يفتح كل واحد من هذه الأفلام النافذة الخلفية على ما الذي جعل من مخرج ما سينمائيًّا مرموقًا. كيف تسنّى له التميّز عن أترابه، ولماذا عرفت أفلامه ذلك المستوى المرموق، وما رأيه هو فيها أو ما هي ذكرياته عنها.

* الفيلم المعنون «دي بالما»، عن المخرج المرموق بين أترابه برايان دي بالما هو من هذه النوعية الشاملة حيث يمزج الفيلم عنصر المقابلة مع المخرج والحوار معه حول أفلام عدّة من أعماله، بالمشاهد المختارة لتأييد وجهة نظر أو لشرح مشهد معيّن دار النقاش حوله. والفيلم يذكر المخرج ألفرد هيتشكوك بطبيعة الحال لأن دي بالما جاهر بحبه لسينما هيتشكوك مطبّقًا في أفلامه في السبعينات والثمانينات تعاليم أستاذه الكبير معربًا عن أشد الإعجاب به.

* هيتشكوك كانت له طلّة في مهرجان «كان» عبر فيلم شبيه. المخرج كنت جونز قام بتحقيق فيلم بعنوان «هيتشكوك - تروفو» مؤسس في بعضه على المقابلة الشهيرة التي قام بها فرنسوا تروفو مستجوبًا «ملك التشويق» في أسلوب عمله وفي أفلامه وفن التشويق الذي مارسه هيتشكوك كما لم يفعل أحد آخر - حتى اليوم.

* لم تكن تلك مجرد مقابلة من ساعة أو ساعتين بين مخرج فرنسي معجب ومخرج بريطاني مخضرم، بل هي سجال تم تصويره على أكثر من يوم، وبلغت مدته 72 ساعة، وتمّت سنة 1962 ثم نشرت بعد أربع سنوات في كتاب «السينما حسب هيتشكوك» الذي وضعه تروفو.

* مخرج «هيتشكوك - تروفو»، كنت جونز، ترجم أجزاء كثيرة من الحوار (الذي نسمعه خلال الفيلم) إلى مشاهد مأخوذة من أعمال هيتشكوك، بما فيها المشهد الشهير للطائرة التي تهاجم غاري غرانت في الحقل في فيلم «شمال.. شمال غرب». كيف تم تصوير المشهد؟ كيف تم تقطيعه؟ ما هي ثناياه وموجباته حسب هيتشكوك نفسه. لكن جونز استعان أيضًا بنخبة كبيرة من المخرجين اللامعين للتعليق على هيتشكوك من بينهم الفرنسيان أرنو دسبلاشن وأوليفييه أساياس والأميركيون وس أندرسن ورتشارد لينكلاتر وبيتر بوغدانوفيتش وبول شرادر ومارتن سكورسيزي وديفيد فينشر.

* هذا لا يحدث عندنا مثله إلا نادرًا. يموت الفنان، مخرجًا أو نجار ديكور لا فرق، فتلتهب المواقع بمقالات النعي وتقوم بعض المهرجانات بتخصيص تظاهرة أو حفلة تكريم أو طبع كتاب. لكن من النادر أن تعمد السينما إلى تقديم عمل عن مخرج بشهرة وموهبة صلاح أبو سيف أو كمال الشيخ أو توفيق صالح أو مارون بغدادي أو يوسف شاهين.

* لا تسألوا الجيل المقبل أن يهتم بالسينما العربية.. هي أساسًا لا تهتم بنفسها.



شاشة الناقد: أفلام على اختلافها لم تأتِ جيدة جداً

«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)
«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)
TT

شاشة الناقد: أفلام على اختلافها لم تأتِ جيدة جداً

«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)
«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)

معطراً بالنعناع ★★☆

رسائل شفهية في عتمة الأماكن

فيلم محمد حمدي الأول مختلف جداً عن أي فيلم مصري (أو عربي) حٌقّق في تاريخ السينما العربية. الاختلاف بحد ذاته لا يمنح الفيلم درجة التقييم. من الممكن أن يكون مختلفاً وبديعاً أو مختلفاً ورديئاً وهو أقرب إلى التصنيف الثاني. فيلم داكن في الصورة وفي الذوات البشرية التي تسكنه. يجد المخرج لها مبررات مناسبة. هذا لأن أبطاله يتقدمهم دكتور محبط (علاء الدين حمادة)، يعيشون حالات من الكآبة المطلقة تزداد عبثاً مع تناولهم الحشيشة طوال الوقت. أي نحو 90 دقيقة من مدة عرض الفيلم (التي تبلغ 113 دقيقة). وعوض استمتاعهم بهذه «السلطنة» تبقى أدمغتهم واعية وقادرة على الحديث في مسائل وجودية وسياسية (على الخفيف) مع قليل من الشّعر وكثير من الذكريات التي تتشابك بحيث لا تتضح لها زاوية فعلية تنطلق منها أو تعود إليها.

في دقائقه الـ10 الأولى يؤسّس أسلوب عمله من حالات شخصية وتصوير (قام به بنفسه) وإيقاع. هذا الإيقاع خافت باستمرار والمُشاهد عليه أن يفتح أذنيه جيداً ليتمكّن من التقاط الكلمات المتبادلة. هذا لأن الإيقاع الخافت يشمل كذلك الأداء والتلقين وتشخيص الحالات. الدكتور وأصحابه (من ثلاثة لأربعة حسب المشاهد) يركضون في الظلمة مثل جرذان هاربة من مطاردين (لا نعرفهم) ويأوون دوماً إلى خرابات تضمّهم بعتمتها أو إلى شِقق هي بدورها تبدو كخرابات كلّ شيء فيها قديم وباهت. حتى في ساعات النهار فإن النور مبتسر تأكيداً أو ترميزاً للحالة التي يمر بها أشخاص الفيلم.

الصورة، على الرغم من سوداويتها، هي أهم وأفضل من الموضوع المطروح. صحيح أن رجال الفيلم يتعاطون، لجانب الحشيش، مسائل تهمّهم، لكن ليس كل ما يهم شخصية ما في فيلم ما يهم المشاهدين. بالضرورة. لذا تنحصر الحسنات في الصورة. بينما تمرّ المَشاهد بإيقاع خافت ورتيب، مما يحدّ كثيراً من قدرة الفيلم على التواصل مع مشاهديه.

* عروض حالياً في مهرجان مراكش

Maria ★★★

العمق العاطفي لماريا كالاس

«ماريا» هو ثالث فيلم بيوغرافي ينجزه المخرج التشيلي بابلو لاراين (حسب اللفظ الأسباني) بعد (Jackie) «جاكي»، 2016 و(Spencer) «سبنسر»2021. مثل سابقيه هو فيلم عن امرأة ومثلهما هو عن شخصية حقيقية هي مغنية الأوبرا ماريا كالاس (هناك حفنة أفلام عنها أهمها «Maria By Callas» لتوم وولف، 2017) إلى جانب فيلم إيطالي آخر في التحضير بعنوان «Maria‪/‬Callas» لروبرت دورنهلم.

«ماريا» (ذِ أبارتمنت)

معالجة لاراين تختلف كونها متّصلة بالكيفية التي يحاول فيها تقديم رؤيته لشخصياته فهو يسعى دائماً إلى التقاط العمق العاطفي أكثر مما يهتم لسرد السيرة حكائياً. على ذلك، «ماريا» كما يقدّمه هنا يبقى على السطح أكثر من الدخول في عمق شخصيّته. ما يشغله في سرد الأيام الأخيرة من حياة بطلته هو التصاميم الفنية والديكوراتية وتحريك الكاميرا عبرها وهذا جيد لولا إنه يأتي على حساب تحديدٍ أفضل لمن هي ماريا كالاس.

يسرد الفيلم أحداثها الأخيرة وبعض مواقفها الشخصية والفنية لكن الحكاية يمكن لها أن تكون عن أي شخصية لمغنية وإن كانت خيالية. بطبيعة الحال، وكما بات مألوفاً، يعمد المخرج إلى مشاهد استرجاعية (الفلاشباك) بالأبيض والأسود لكن أهم عنصر في هذه الدراما هي محاولة ماريا التغلّب على ذكرياتها مع أرسطو أوناسيس (الذي تركها للزواج من جاكي كينيدي، شخصية فيلم لوراين السابق).

* عروض حالياً في مهرجان البحر الأحمر

TROIS AMIES ★⭐︎

حوارات ومشاهد تُراوح مكانها

لا يبتعد المخرج موريه في فيلمه «ثلاث صديقات» عن التيمة التي اختارها سابقاً لمعظم ما حقّقه من أفلام مثل «تغيير عنوان» (Changement d'adresse) 2007، و«هل نُقبّل» (Shall We Kiss) 2007، و«الأشياء التي نقولها، الأشياء التي نفعلها» (Les Choses qu'on dit, les Choses qu'on fait) 2020. التيمة المذكورة لا تخرج عن نطاق تداول وتناول العلاقات المتأرجحة ما بين الحب والجنس، أو الحب من دون جنس أو العكس.

«ثلاث صديقات» (موبي دَك فيلمز)

القصّة في عنوانها: 3 صديقات جوان (إنديا هير)، ريبيكا (سارا فورستييه) وأليس (كامل كوتان) والعديد من الحكايات السابقة (تشعر جوان إنها مسؤولة عن موت حبيبها السابق إريك لأنها تركته)، وفي الحكايات الحاضرة يتداولن التجارب التي مررن بها مع آخرين. لا الأحداث مهمّة ولا الحوار (يمتد بلا نهاية) يعني كثيراً. كل ذلك يَرِد مثل قراءة صفحة واحدة من مجلة إشاعات ومن دون لمسات فنية تذكر. بدورها كل لقطة تشبه، تأسيساً وإدارة. ما يسبقها وما يليها.

* عروض: حالياً في صالات فرنسية

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز