عاصفة ترابية تعطل حركة الطيران والملاحة البحرية غرب السعودية

إدارة الدفاع المدني تطالب السكان بضرورة الابتعاد عن مصادر الخطر

شهدت جدة خلال الساعات الأولى من بدء وصول العاصفة الترابية شللا في حركة المرور على الطرق الرئيسية داخل وخارج المدينة (تصوير: محمد المانع)
شهدت جدة خلال الساعات الأولى من بدء وصول العاصفة الترابية شللا في حركة المرور على الطرق الرئيسية داخل وخارج المدينة (تصوير: محمد المانع)
TT

عاصفة ترابية تعطل حركة الطيران والملاحة البحرية غرب السعودية

شهدت جدة خلال الساعات الأولى من بدء وصول العاصفة الترابية شللا في حركة المرور على الطرق الرئيسية داخل وخارج المدينة (تصوير: محمد المانع)
شهدت جدة خلال الساعات الأولى من بدء وصول العاصفة الترابية شللا في حركة المرور على الطرق الرئيسية داخل وخارج المدينة (تصوير: محمد المانع)

امتدت تأثيرات موجة العاصفة الترابية التي تعرضت لها جدة مساء أول من أمس إلى حركة الطيران في مطار الملك عبد العزيز الدولي بسبب انعدام مستوى الرؤية، وأدى استمرارها إلى تعطل بعض الأنشطة اليومية في المدينة إلى جانب عدم تمكن عدد من الطلاب من الذهاب إلى المدارس.
وشهدت جدة خلال الساعات الأولى من بدء وصول العاصفة الترابية شللا في حركة المرور على الطرق الرئيسية داخل وخارج المدينة بسبب سرعة الرياح وكثافة العوالق الترابية التي تحملها مما حول نهار المدينة إلى ظلام دامس، فيما بدأت في التحسن منذ صباح أمس.
وأوضحت الهيئة العامة للطيران المدني أن الحركة الجوية عادت عند الساعة الثامنة والنصف أمس إلى طبيعتها في مطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة بعد أن توقفت نحو ساعة جراء تدني الرؤية الأفقية التي وصلت إلى أدنى مستوى لها.
وأوضح المتحدث الرسمي للهيئة العامة للطيران المدني خالد الخيبري أن 15 من الطائرات القادمة إلى المطار قد تم تحويلها إلى مطار الطائف ومطار ينبع ومطار الأمير محمد بن عبد العزيز الدولي بالمدينة المنورة، نظرا لصعوبة هبوطها، مشيرا إلى تأخر إقلاع 9 رحلات (مدة 60 دقيقة) منها 5 داخلية والأخرى دولية.
كما طالت آثار العاصفة حركة الملاحة البحرية في ميناء جدة الإسلامي حيث تم تعليق حركة السفن، فيما عادت الحركة إلى طبيعتها بعد ساعات من انخفاض سرعة الرياح وتحسن الرؤية.
من جانبها بررت هيئة الأرصاد وحماية البيئة عدم تنبيهها للحالة الجوية، بسبب صعوبة التوقع بتأثير سحب الصيف، نظرًا لسرعة انتقالها، ولا يتم تحديد مسار السحاب إلا بفترة وجيزة، كما حدث في حالة جدة وقبلها في عاصفة الرياض في 2009.
وقال حسين القحطاني المتحدث الرسمي لهيئة الأرصاد والبيئة السعودية «إن ذلك أمر معروف لدى المنظمات الدولية وخبراء الطقس»، كما أرجع حالة الغبار الكثيف الذي تعرضت له جدة إلى انحراف سحابة رعدية كبيرة الحجم من اتجاه شمال مكة إلى غربها بشكل مفاجئ وبسبب وجود التيار الهابط المصاحب للسحابة الذي سجل سرعة في مرصد مطار جدة 50 كلم-ساعة، مؤكدًا أن التغير غير المتوقع لاتجاه الرياح من غربية قادمة من البحر إلى جنوبية شرقية نشطة أثار الأتربة على جنوب وشرق جدة ودفعها إلى كامل المحافظة في وقت قياسي.
وكان أول تنبيه صدر من هيئة الأرصاد وحماية البيئة عند الساعة 7 مساءً، ونوهت إلى أن صحة التنبؤات لا تتجاوز 80 في المائة في حين ما زالت الفرصة مهيأة لهطول أمطار رعدية مصحوبة برياح نشطة مثيرة للأتربة والغبار على منطقة مكة المكرمة تشمل مكة المكرمة والمشاعر المقدسة كذلك على مرتفعات المدينة المنورة وعسير وجازان والباحة، كما يستمر تأثير العوالق الترابية على مناطق الحدود الشمالية والجوف وتبوك.
وكانت العاصفة الرملية بدأت بضرب الأحياء الشمالية من جدة عند الساعة السابعة مساء أول من أمس، وأدت إلى تدني الرؤية لأقل من 400 متر في بعض الأحياء، وهو ما دفع مرور جدة للطلب من قائدي المركبات البقاء في المنازل إلا للضرورة القصوى وتوخي الحذر وعدم السرعة، فيما استعدت بقية الأجهزة الأخرى، مثل الدفاع المدني، قبل أن تبدأ الرؤية الأفقية بالتحسن تدريجيًا.
من جهته أكد العقيد سعيد سرحان المتحدث الرسمي للدفاع المدني في منطقة مكة المكرمة أن مدينة جدة وخليص وعسفان والأجزاء الجنوبية والشرقية من محافظة جدة «تعرضت لتشكيلات من السحب المنخفضة والمتوسطة الارتفاع، تخللتها سحب رعدية ممطرة، مصحوبة بنشاط الرياح السطحية، استمرت حتى قبيل منتصف الليل».
وطالبت إدارة الدفاع المدني السكان بضرورة الابتعاد عن مصادر الخطر في مثل هذه الأجواء التي تتعرض لها مدينة جدة والأجزاء المجاورة لها.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».