يبدو أن تدفق اللاجئين والمهاجرين على أوروبا في اتجاهه نحو الزيادة مع تشجيع الترحيب الذي أبدته ألمانيا المزيد من أبناء أكثر دول العالم معاناة من العنف والفقر على السفر بحثًا عن حياة جديدة.
وشكل العراقيون الفئة الأكبر بين الأفراد الذين يهبطون من إحدى الحافلات بمدينة بودروم الساحلية التركية أول من أمس وقد أتوا للمدينة في محاولة لعبور البحر إلى اليونان، التي وصل إليها ثلثا الساعين للجوء السياسي لدول أوروبية خلال هذا العام.
والملاحظ أن ما يزيد قليلاً على نصف الذين وصلوا اليونان هذا العام من السوريين الفارين من الحرب الوحشية المستعرة ببلادهم - وبحلول أغسطس (آب)، قفزت نسبة السوريين إلى 78 في المائة، تبعًا لأحدث الأرقام الصادرة عن المفوض السامي لشؤون اللاجئين التابع للأمم المتحدة.
إلا أنه من الملاحظ انضمام عراقيين إلى السوريين، مع فقدانهم هم الآخرين الأمل في تسوية الصراع الدائر ببلادهم، حسبما قال محمد حامد، 33 عامًا، رجل شرطة عراقي ترك زوجته وأطفاله الثلاثة في مدينة كربلاء جنوب العراق منذ ثلاثة أيام. وقال حامد: «الكثير من العراقيين يأتون الآن وسيأتي المزيد في المستقبل إذا تمكنوا من الحصول على المال». وينوي حامد التوجه إلى ألمانيا، ثم العمل على ضمان انضمام باقي أسرته إليه.
علي فضل، 32 عامًا، من الوافدين الجدد أيضًا على المدينة، وهو جندي عراقي سابق كان يرتدي قميصًا للجيش الأميركي أعطاه إياه جنود أميركيون أثناء اضطلاعه بمهمة حراسة داخل «المنطقة الخضراء» في بغداد. يقول فضل: «كنا نأمل في أن نتمكن من إصلاح الأوضاع بالعراق، لكن اتضح أن العراق يتعذر إصلاحه».
حتى الشهر الماضي، كان فضل يقاتل في الصفوف الأمامية ضد «داعش» في محافظة الأنبار، لكن عدم إحراز تقدم وتفاقم تفجيرات السيارات المفخخة وأعمال الخطف والقتل في بغداد، كل ذلك أقنعه بمحاولة الرحيل عن العراق.
وأوضح فضل الذي استقال من الجيش العراقي قبل رحيله عن البلاد: «مع كل يوم يمر، يزداد الأمر سوءا، وكلما تردى الوضع، ستزداد أعداد من يرحلون عن البلاد. في أوروبا، يعطون الحيوانات حقوقًا، لذا لك أن تتخيل مدى احترامهم للبشر».
وقال عراقيون آخرون إنهم عملوا على ادخار أموال لشهور أو سنوات للقيام بهذه الرحلة، لكنهم دفعوا للقيام بها الآن بعد مشاهدتهم صور اللاجئين المنتمين في معظمهم إلى سوريا وهم يقابلون بالترحاب في النمسا وألمانيا وعرض المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل توفير إقامة مؤقتة لجميع اللاجئين.
أمسك حسين، 27 عامًا، الذي طلب نشر اسمه الأول فقط، سترة نجاة في يد وحمل في اليد الأخرى حقيبة بها ملابس قليلة له، وذلك أثناء نزوله من حافلة أقلته من العراق إلى بودروم. وفي رحلته هذه، يسير على خطى شقيقه، 19 عامًا، الذي وصل اليونان، الجمعة، وابن عمه الذي وصل بلجيكا الشهر الماضي. ومن المقرر أن يلحق به باقي أقاربه خلال الأيام المقبلة. وقال: «كنا جميعًا ندخر المال لنتبع بعضنا البعض. الآن، أصبح الرحيل أسهل»، مشيرًا إلى أنه ظل يدخر المال طيلة أربع سنوات.
ويوحي الوجود اللافت لعراقيين بين اللاجئين الذين يملأون جنبات بودروم بأنه لن يحدث تراجع قريبًا في أعداد اللاجئين المتجهين إلى أوروبا، كما يوحي بأنه ربما تحدث زيادة جديدة في أعداد اللاجئين العراقيين، الذين شكلوا حتى الآن خلال العام الحالي 4 في المائة فقط في الوافدين حديثًا على القارة.
ومن بين الموجودين بالمدينة التركية أيضًا كان هناك أفراد من بنغلاديش وباكستان ينوون التوجه إلى اليونان، حيث من المحتمل أن يجري اعتبارهم مهاجرين اقتصاديين، تبعًا لتعريفات الأمم المتحدة. وقال شخص سنغالي، أشار لنفسه باسم بادرامان، 42 عامًا، إلى أنه تحرك من السنغال متجهًا إلى تركيا منذ عامين، ونجح الآن فقط في جمع المال اللازم للمضي في طريقه إلى أوروبا، بعد أن التحق بالكثير من الأعمال خلال رحلته. وقال: «كل ما أريده حياة أفضل».
وفي بيان للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة صدر الأسبوع الماضي، جرت الإشارة إلى أن السوريين والعراقيين والأفغان وغيرهم من المنتمين لبلاد مزقتها الحروب يشكلون المجموعة الأكبر من المتجهين إلى أوروبا، وأن «غالبية الوافدين حديثًا إلى القارة من المحتمل أن يتوافقوا مع تعريف اللاجئ».
الملاحظ أن بودروم توفر واحدًا من أيسر السبل من تركيا إلى اليونان عبر جزيرة كوس. ومع ذلك، تبقى الرحلة خطرة وصعبة، وربما تفوق في صعوبتها أي طريق آخر إلى داخل أوروبا. يذكر أن الطفل آلان كردي، 3 سنوات، الذي أثار موته موجة عالمية من التعاطف مع محنة اللاجئين، غرق في طريقه لعبور أربعة أميال للوصول إلى الجزيرة، بجانب والدته وشقيقه وتسعة سوريين آخرين بعد انقلاب القارب الذي يقلهم.
من جهتها، تراقب الشرطة السورية الخط الساحلي الممتد بالبلاد، وتقتفي أثر المهربين الذين يستكشفون طرقًا جديدة محتملة. ومنذ وفاة إيلان، أبدت السلطات يقظة خاصة داخل بودروم، ما زاد من صعوبة الانتقال من المدينة إلى أوروبا، حسبما ذكر لاجئون.
وبينما كان للكثير من السوريين في بودروم محاولات عدة لعبور البحر، يبدو العراقيون مستجدين بهذا المجال، حيث وصل الكثيرون منهم لتوهم قادمين من بغداد من دون معرفة بالمهربين ومن دون خطة سوى أنهم قرروا أن الوقت حان للرحيل. وقال رجل قدم من بغداد مع أصدقائه منذ ثلاثة أيام إنه غير رأيه بعدما أدرك مخاطر الرحلة وقرر العودة لبلاده، بينما أكد أصدقاؤه أنهم ماضون في رحلتهم. ومن بين هؤلاء مخلد البياتي، 32 عامًا، الذي قرر مغادرة العراق بعدما أوشك على فقد ذراعه بالكامل في تفجير سيارة مفخخة خارج منزله، وقال: «يجب أن تضحي كي تحظى بمستقبل أفضل». وقد اضطر للانتظار ببلده حتى تشفى ذراعه التي تضررت بشدة جراء الحادث.
* خدمة: «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»
عراقيون يدفعهم اليأس إلى الالتحاق بركب المهاجرين إلى أوروبا
بينهم جنود تركوا الخدمة يأتون بالحافلات إلى مدينة بودروم التركية
عراقيون يدفعهم اليأس إلى الالتحاق بركب المهاجرين إلى أوروبا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة