السوري اللاجئ إلى أوروبا سباحة لـ {الشرق الأوسط}: الحرب والفقر لم يتركا لي خيارًا

سبح وزميله 6 ساعات متواصلة من تركيا إلى اليونان.. واختبرا فقدان الأمل مرتين

صورة سيلفي لهشام معضماني أثناء العبور إلى مقدونيا («الشرق الأوسط»)
صورة سيلفي لهشام معضماني أثناء العبور إلى مقدونيا («الشرق الأوسط»)
TT

السوري اللاجئ إلى أوروبا سباحة لـ {الشرق الأوسط}: الحرب والفقر لم يتركا لي خيارًا

صورة سيلفي لهشام معضماني أثناء العبور إلى مقدونيا («الشرق الأوسط»)
صورة سيلفي لهشام معضماني أثناء العبور إلى مقدونيا («الشرق الأوسط»)

لم يكن يتخيل الشاب السوري هشام معضماني (24 عاما) أن تتحول نكتة اللجوء إلى أوروبا عبر البحر سباحة إلى حقيقة. يدرك مسبقا أن الداخل إلى البحر مفقود، والخارج منه مولود، لكنه بإقامته عامين في بلاده، في زمن الحرب، وجد أن «كليهما خوض في الخطر والمجهول»، رغم أن البحر، في حال نجاته منه، سيفتح أمامه آفاقا أفضل، ويضع أوزار التعب والخطر، بعد أن يصل بسلام إلى أوروبا.
وفق هذه المعادلة، الحرب أو البحر، حصر معضماني الخيارات المتاحة، بعد أن تعذّر عليه تأمين مبالغ مالية كبيرة يدفعها لمهرّب ينقله من تركيا إلى اليونان، ثم إلى أوروبا. لفته الحل الذي طرحه رفيقه، ابن اللاذقية، فراس أبو خليل، بالعبور إلى اليونان سباحة عبر البحر المتوسط، حين التقى به في مطار عمّان، قبل موعد الرحلة بنحو 24 ساعة. وبعد أقل من أربع وعشرين ساعة من وصولهما إلى أزمير في تركيا، خاضا عباب البحر، ووصلا إلى ساحل اليونان في نحو ست ساعات من السباحة المتواصلة، اختبرا خلالها انعدام الأمل، وربما الموت، مرتين.
يقول معضماني، لـ«الشرق الأوسط»، إن خيار السباحة لم يكن مطروحا بالنسبة إليه، قبل أن يتعرف إلى أبو خليل في مطار عمان. ويضيف: «كنت أخطط لأدفع لمهرّب نحو ألف دولار أمتلكها من أصل 1300 دولار، لقاء توصيلي إلى اليونان، على أن أعمل في اليونان نحو عام، وأجمع ثمن الرحلة إلى أوروبا في وقت لاحق».
لكن أبو خليل عاجله بفكرة ظهرت في بادئ الأمر على أنها نكتة، حين عرف أن زميله، الهارب من جحيم الحرب بغرض البحث عن حياة أفضل في أوروبا، يعرف السباحة. يقول معضماني، ابن داريا في ريف دمشق: «سبحت في البحر مرتين فقط قبل هذه الرحلة، إذ كنت أسبح في أحواض السباحة، لكن المسافات لم تطل أكثر من كيلومتر». ويضيف: «قلت لأبي خليل إن الخيار عملي، وسندرسه لحظة الوصول إلى تركيا».
وصلا إلى تركيا في 16 يونيو (حزيران) الفائت. وتحت ضغط التفكير بوضعه الاقتصادي، اتجه وأبو خليل إلى نقطة ساحلية في ضواحي أزمير. درسا نقطة الانطلاق، وقررا تقسيم السباحة إلى ثلاث مراحل، تتخللها مرحلتا توقف في جزيرتين في عرض البحر. عندها، يقول معضماني عبر الهاتف من ألمانيا: «أخفيت الأمر عن عائلتي، واتصلت بصديق لي وأخبرته، فظن أنني أمزح، وحذرني من التشنج العضلي في عرض البحر، مما قد يؤدي إلى موتي، فأقفلت الخط، ورميت شهادات الخبرة التي أحملها في سوريا، وحملت حقيبة على ظهري تحتوي على عبوتي مياه صغيرتين، وألواح من الشوكولا قد تزودنا بالطاقة أثناء التعب، وجواز السفر، وهاتف جوال، إضافة إلى جهاز إرسال أشعة ليزر صغير».
انطلقت الرحلة في التاسعة والنصف مساء. كان الخوف يعتري رفيقي الرحلة، لكنه سرعان ما يتبدد لحظة النزول في مياه المتوسط. كانا يفكران كيف يمكن الوصول إلى الجزيرة الأولى بغرض الاستراحة، وانتظار الصباح قبل طلب النجدة. يقول معضماني: «أثناء السباحة على ظهري كانت النجوم والشهب في السماء تؤانسني. لم أشعر بتعب الرحلة». وحين وصلا إلى الجزيرة الأولى، التي تبلغ مساحتها نحو ألف متر مربع «تبين أننا لا نستطيع الصعود إليها، بسبب المخاوف من أصوات الطيور والغربان، نظرا لأن الجزيرة مهجورة، فقررنا الانطلاق مجددا والوصول إلى الجزيرة الثانية التي تبعد نحو كيلومتر عن الأولى».
بين الجزيرتين «كان البحر واسعا ويضيع من يخوض مياهه». ويضيف: «اختبرنا الموت في هذه المرحلة. فقد كانت الأمواج عالية، والمياه مليئة بالتيارات التي قد تجرفنا.. واصلنا السباحة بمشقّة، وتلقينا الصدمة الثانية حين وصلنا إلى الجزيرة الثانية، إذ تبين أنها عبارة عن جدار صخري عالٍ، ترتطم فيه الأمواج، ويتعذر تسلقه».
في تلك اللحظات، مرت قوارب إلى جانب معضماني وأبو خليل. لم يلوحا لها، خوفا من إرجاعهما إلى الساحل التركي، بعد مشقة السباحة لأكثر من ثلاث ساعات. واصلا السباحة، بحذر، خوفا من أن ينحرف مسارهما، مما يضطرهما للسباحة أكثر في عرض البحر. اكتشفا حينها أنها المياه اليونانية، وكان الشاطئ بعيدا، كما يقول معضماني. ويضيف: «كنا نتبع الأضواء على الشاطئ اليوناني. عندها، كنا نتساءل كيف يجب أن نقابل خفر السواحل اليوناني، أو نلفت أنظارهم. أخرجت الليزر، ورميت ضوءا لباخرة أمامنا. دقيقة وتعطل الجهاز، لكن القبطان كان قد لمحنا، فاقترب، وأضاء بروجكتور بوجهنا، وتحدث الركاب إليها بلغة غير مفهومة، عرفوا منها أننا سوريان». ويضيف: «عندها، اتصل بخفر السواحل الذين حضروا إلى المكان، ونقلونا إلى مركزهم في جزيرة كايوس اليونانية.. كانت الساعة حينها تقارب الثالثة فجرا».
يعتبر معضماني أنه حقق إنجازا بعبور المياه من تركيا إلى اليونان (نحو 5 كيلومترات) خلال 6 ساعات، كونه لم يبدد ما يحمله من مال (1200 دولار) لمهرّب. فالمبلغ المالي ساعده لاستكمال رحلته إلى ألمانيا، برا عبر الجبال والوديان. وصل معضماني إلى مقدونيا، بعد رحلة سير على الأقدام استغرقت 25 ساعة، وتنقل بعدها بالمواصلات العامة، إلى أن وصل إلى ألمانيا في الأول من يوليو (تموز) الفائت. وحصل على أوراق اللجوء، وتقدم للحصول على تصريح الإقامة، وسيحصل عليه خلال شهرين من الآن. ويقول: «سأبدأ حياتي من جديد هنا، وأستقر. أول ما أخطط له هو الالتحاق بكلية الحقوق في الجامعة، لاستكمال دراستي التي بدأتها في عام 2011».



​تأثيرات كارثية للصقيع في اليمن على السكان والزراعة

مزارعان يمنيان يتحسران على تلف مزروعاتهما بسبب شدة الصقيع (إكس)
مزارعان يمنيان يتحسران على تلف مزروعاتهما بسبب شدة الصقيع (إكس)
TT

​تأثيرات كارثية للصقيع في اليمن على السكان والزراعة

مزارعان يمنيان يتحسران على تلف مزروعاتهما بسبب شدة الصقيع (إكس)
مزارعان يمنيان يتحسران على تلف مزروعاتهما بسبب شدة الصقيع (إكس)

يتكبد المزارعون اليمنيون خسائر كبيرة بسبب موجة الصقيع التي تشهدها البلاد بفعل الموجة الباردة التي تمر بها منطقة شبه الجزيرة العربية تزامناً مع عبور منخفض جوي قطبي، فيما يحذر خبراء الأرصاد من اشتدادها خلال الأيام المقبلة، ومضاعفة تأثيراتها على السكان والمحاصيل الزراعية.

واشتكى مئات المزارعين اليمنيين في مختلف المحافظات، خصوصاً في المرتفعات الغربية والوسطى من تضرر محاصيلهم بسبب الصقيع، وتلف المزروعات والثمار، ما تسبب في خسائر كبيرة لحقت بهم، في ظل شحة الموارد وانعدام وسائل مواجهة الموجة، مع اتباعهم طرقاً متعددة لمحاولة تدفئة مزارعهم خلال الليالي التي يُتوقع فيها زيادة تأثيرات البرد.

وشهد عدد من المحافظات تشكّل طبقات رقيقة من الثلج الناتجة عن تجمد قطرات الندى، خصوصاً فوق المزروعات والثمار، وقال مزارعون إن ذلك الثلج، رغم هشاشته وسرعة ذوبانه، فإنه أسهم في إتلاف أجزاء وكميات من محاصيلهم.

وذكر مزارعون في محافظة البيضاء (270 كيلومتراً جنوب شرقي صنعاء) أن موجة الصقيع فاجأتهم في عدد من الليالي وأتلفت مزروعاتهم من الخضراوات، ما دفعهم إلى محاولات بيع ما تبقى منها قبل اكتمال نضوجها، أو تقديمها علفاً للمواشي.

خضراوات في محافظة عمران أصابها التلف قبل اكتمال نضجها (فيسبوك)

وفي مديرية السدة التابعة لمحافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء)، اشتكى مزارعو البطاطس من تلف الثمار خلال الأيام الماضية، بينما كانوا ينتظرون اكتمال نضوجها للبدء في تسويقها ونقلها إلى منافذ البيع.

ويعتزم غالبية المزارعين التوقف عن الزراعة خلال الأسابيع المقبلة حتى تنتهي موجة الصقيع، مشيرين إلى أن تأثير الموجة يكون أشد على المزروعات في بداية نموها، بينما يمكن للمزروعات التي نمت بشكل كافٍ أن تنجو وتكمل نموها، إلا أنها لن تصل إلى مستوى عالٍ من الجودة.

أسبوع من الخطر

في غضون ذلك حذّر مركز الإنذار المبكر في محافظة حضرموت السكان من موجة برد شديدة، وتشكّل الصقيع على مناطق الداخل، خلال الأيام المقبلة، داعياً إلى اتخاذ أقصى التدابير، واتباع الإرشادات الصحية للوقاية من ضربات البرد القارس، واستخدام وسائل التدفئة الآمنة مع رعاية كبار السن والأطفال من تأثيراتها.

طفلة يمنية بمحافظة تعز تساعد عائلتها في أعمال الزراعة (فيسبوك)

ونبّه المركز المزارعين لضرورة اتباع إرشادات السلامة لحماية محاصيلهم من آثار تشكل الصقيع المتوقع تحديداً على المرتفعات والأرياف الجبلية في مختلف المحافظات.

وخصّ بتحذيراته الصيادين والمسافرين بحراً من اضطراب الأمواج، واشتداد الرياح في مجرى المياه الإقليمية وخليج عدن وحول أرخبيل سقطرى في المحيط الهندي، وسائقي المركبات في الطرق الطويلة من الغبار وانتشار العوالق الترابية نتيجة هبوب رياح نشطة السرعة، وانخفاض مستوى الرؤية الأفقية.

وطالب المركز باتخاذ الاحتياطات لتجنيب مرضى الصدر والجهاز التنفسي مخاطر التعرض للغبار خاصة في المناطق المفتوحة والصحراوية.

وتتضاعف خسائر المزارعين في شمال اليمن بسبب الجبايات التي تفرضها الجماعة الحوثية عليهم، فعلى الرغم من تلف محاصيلهم بسبب الصقيع، فإن الجماعة لم تعفهم من دفع المبالغ المقررة عليهم، خصوصاً أنها - كما يقولون - لجأت إلى فرض إتاوات على محاصيلهم قبل تسويقها وبيعها.

طبقة من الثلج تغطي خيمة نصبها مزارع يمني لحماية مزروعاته من الصقيع (إكس)

ومن جهتهم، حذّر عدد من خبراء الأرصاد من خلال حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي من موجة برد شديدة تستمر حتى مطلع الأسبوع المقبل، على مختلف المناطق والمحافظات، بما فيها الصحارى، وتصل فيها درجة الحرارة إلى ما دون الصفر، مع احتمالات كبيرة لإتلاف مختلف المزروعات والمحاصيل.

صقيع وجراد

وتؤثر موجات الصقيع على أسعار الخضراوات والفواكه بسبب تراجع الإنتاج وارتفاع تكلفته، وإلى جانب ذلك تقل جودة عدد من المنتجات.

وأوضح خبير أرصاد في مركز الأرصاد الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية أن كتلة هوائية قطبية بدأت، أخيراً، التقدم باتجاه المناطق الشمالية والصحراوية، مع هبوب الرياح الشمالية الجافة، متوقعاً أن تسهم في إثارة ونقل كميات كبيرة من الغبار يمتد تأثيرها إلى خارج البلاد.

يمني في محافظة ذمار يتجول على دراجته ملتحفاً بطانية (فيسبوك)

ووفق الخبير الذي طلب التحفظ على بياناته، بسبب مخاوفه من أي عقوبات توقعها الجماعة الحوثية عليه بسبب حديثه لوسائل إعلام غير تابعة لها، فمن المحتمل أن تكون هذه الكتلة الهوائية القطبية هي الأشد على البلاد منذ سنوات طويلة، وأن تمتد حتى السبت، مع وصول تأثيراتها إلى كامل المحافظات.

وبيّن أن التعرض للهواء خلال هذه الفترة قد يتسبب في كثير من المخاطر على الأفراد خصوصاً الأطفال وكبار السن، في حين سيتعرض كثير من المزروعات للتلف، خصوصاً في المرتفعات والسهول المفتوحة، مع احتمالية أن تنخفض هذه المخاطر على المزارع في الأودية والمناطق المحاطة بالمرتفعات.

ووفقاً للخبراء الزراعيين، فإن الصقيع يتسبب في تجمد العصارة النباتية في أوراق النباتات وسيقانها الطرية، وبمجرد شروق الشمس، وتغيّر درجات الحرارة، تتشقق مواضع التجمد أو تذبل، تبعاً لعوامل أخرى.

تحذيرات أممية من عودة الجراد إلى اليمن خلال الأسابيع المقبلة (الأمم المتحدة)

وطبقاً لعدد من الخبراء استطلعت «الشرق الأوسط» آراءهم، فإن تأثيرات الصقيع تختلف بحسب تعرض المزارع للرياح الباردة، إلا أن تعرض المزروعات للرياح الباردة في المرتفعات لا يختلف كثيراً عن وقوع نظيرتها في الأودية والسهول تحت تأثير الهواء الساكن شديد البرودة.

وفي سياق آخر، أطلقت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) تحذيراً من غزو الجراد في اليمن، بعد انتشار مجموعات قليلة منه على سواحل عدة دول مطلة على البحر الأحمر، بما فيها السواحل اليمنية.

وتوقعت المنظمة في تقرير لها أن تزداد أعداد الجراد وتتكاثر في اليمن خلال فصل الشتاء، وأن تتجه الأسراب إلى سواحل البحر الأحمر للتكاثر، ما سيؤدي إلى زيادة كبيرة في أعداد الجراد في المنطقة، بما يشمل اليمن.

ويعدّ الجراد من أكثر التهديدات التي تواجهها الزراعة في اليمن، ويخشى أن يؤثر وصول أسرابه إلى البلاد على الأمن الغذائي.