قصر «عروة بن الزبير» التاريخي.. حضارة عصرين في «وادي العقيق» بالمدينة المنورة

هيئة السياحة والتراث الوطني تباشر ترميم وتأهيل الموقع وتوظيفه اقتصاديًا

القصر بعد أعمال الترميم والتأهيل، قصر عروة بن الزبير قبل انطلاق أعمال الترميم
القصر بعد أعمال الترميم والتأهيل، قصر عروة بن الزبير قبل انطلاق أعمال الترميم
TT

قصر «عروة بن الزبير» التاريخي.. حضارة عصرين في «وادي العقيق» بالمدينة المنورة

القصر بعد أعمال الترميم والتأهيل، قصر عروة بن الزبير قبل انطلاق أعمال الترميم
القصر بعد أعمال الترميم والتأهيل، قصر عروة بن الزبير قبل انطلاق أعمال الترميم

مواقع أثرية في غاية الأهمية، تروي بشموخ رحلة تحد وصمود في وجه عوامل الطبيعة والرياح العاتية.. تختال عبر عصور مضت لتمثل المد الحضاري للعصرين الأموي والعباسي.. فحديثنا يدور بلا شك عن قصر التابعي عروة بن الزبير بعد أن كشف عن ملامحه العتيقة المطعمة بأخاديد النسيان دون أن تفقد هويتها الثقافية المستترة برداء المكان والزمان، حيث بادرت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في السعودية بترميم الموقع ضمن عدد من المواقع الأثرية باعتبارها واجهة مميزة على الخريطة السياحية في المنطقة.. نستجمع من ذاكرة الموقع حقبة تاريخية ضاربة في القدم شهدت إنشاء القصور والمزارع العامرة بالأشجار وآبار المياه العذبة على ضفاف وادي العقيق بالمدينة المنورة.
فذاكرة المكان والزمان، تكشف عن مشهد بانورامي لقصر مدرج الشكل، شيد على تلة مرتفعة تطل على ضفة وادي العقيق بالمدينة المنورة، جدرانه وأساساته من حجارة الجبال المنتشرة في الموقع أو تلك التي جلبت من الأماكن القريبة من المدينة المنورة، في الوقت الذي تقع فيه بوابته في الجهة الجنوبية، تتوزع وحداته المعمارية حول أفنيته الثلاثة الداخلية، وتدل الكتابات والآثار القائمة في الموقع على وجود استيطان بشري موغل في القدم، حيث بقايا قصور ترجع للعصرين الأموي والعباسي والتي من أشهرها بالإضافة إلى قصر عروة بن الزبير، قصر سعيد بن العاص، وقصر مروان بن الحكم، وقصر سعد بن أبي وقاص، وقصر سكينة بنت الحسين، وقد غطت القصور ضفاف وادي العقيق، وشيدت تلك القصور على أرض واسعة، وكان لكل قصر منها مزرعة عامرة بالأشجار.
ويعد قصر عروة بن الزبير، أشهر القصور المشيدة على ضفاف وادي العقيق، وتقع غرب المدينة المنورة على امتداد الطريق المؤدّي إلى مسجد ذي الحليفة (ميقات أهل المدينة) على طريق جدة - مكة القديم وطريق أبار علي، وتبعد عن المسجد النبوي نحو 3.5 كلم، ويقف شاهدًا على تاريخ وماضٍ عريق، كما أن سد عروة يعتبر منذ القدم وحتى يومنا هذا من أشهر سدود المدينة المنورة، وتصف المصادر التاريخية مياهه ومياه الآبار فيه بالعذبة. ويُعدُّ بئر عروة من أشهر آباره، ويقع داخل حرم المدينة.
وأوضح الباحث والمهتم بتاريخ وآثار المدينة المنورة الدكتور تنيضب الفايدي لـ«الشرق الأوسط» أن قصر عروة تعد ضمن القصور التي شيدت نهاية القرن الهجري الأول، وتعطي دلالة على أهمية ومكانة وادي العقيق، علاوة على مدى الاهتمام بالبنيان وجمالياته، كما أن تلك القصور وصفت أدبيا وأنشد فيها شعر، إضافة إلى وجود بئر عروة العذب بمياهه وكل تلك المعالم المكانية تدل على الجانب الحضاري في عهد الدولة الأموية.
وبهدف الارتقاء بالقصر التاريخي وتوظيفه اقتصاديا، تعكف الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني حاليًا، على ترميم وتأهيل قصور عروة في المدينة المنورة، ليصبح أحد المعالم البارزة في المنطقة.
وفي هذا السياق، أوضح صالح عباس مدير فرع الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بمنطقة المدينة المنورة لـ«الشرق الأوسط» أن لهيئة تعمل على عدة مهام للمحافظة على هذا الموقع التاريخي، من خلال توثيق وضع القصر الراهن، وجمع المعلومات التاريخية وإعداد الرفوعات المساحية والمعمارية، فضلا عن إعداد المخطط العام للتطوير، إلى جانب تنفيذ أعمال الترميم والتأهيل والتشغيل والصيانة.
وعن المكتشفات التي تم العثور عليها في موقع قصر عروة بن الزبير يضيف صالح «نفذ فريق علمي متخصص من قطاع الآثار بالهيئة عمليات تنقيب أثري في موقع قصر عروة منذ عام 1433هـ حتى قبل بدء ترميم الموقع حاليا، وشملت مراحل العمل التنقيب لي موقع المسجد الذي يقع داخل المنطقة الأثرية وإظهار أساساته والمسح الأثري العام للموقع ونتج عن ذلك تحديد بعض الملامح الأثرية للبدء بأعمال التنقيب فيها بشكل دقيق».
وكان فريق التنقيب، اكتشف مبنى حجريا مطمورًا تم إظهاره وإبراز ملامحه المعمارية من خلال العمل الميداني، ويعود تاريخه للفترة الإسلامية المبكرة، ويرجح أن يكون هو قصر عروة بن الزبير، وتم إبراز أساساته تمهيدا لإعادة بنائه مستقبلاً، كما عثر على الكثير من القطع الأثرية الهامة والنادرة بالموقع من فخاريات، منها قطع حجرية، زجاجية وأخرى دقيقة جميعها حفظت في متحف المدينة المنورة ومعروضة حاليًا للزوار.
يذكر أن قطاع الآثار ممثل في مكتب الآثار بمنطقة المدينة المنورة، يعمل حاليا على نزع الملكيات المحيطة بالموقع بغية الحفاظ عليه وليكون الموقع معلما أثريا تاريخيا، بعد إزالة العوائق البصرية حول الموقع من مبان وخلافه وجار حاليا نزع أكثر من 4000م2 حول محيط الموقع، حيث تسعى الهيئة العامة من خلال مركز التراث العمراني إلى تأهيل وترميم الكثير من المواقع التراثية والمواقع التاريخية باعتبارها واجهة مميزة على الخريطة السياحية في المنطقة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».