استخدام فن «الأراجوز الحجازي» للتعريف بجدة التاريخية

تسلط الضوء على كينونة الأبعاد الثقافية والحضارية للمنطقة

عبر شخصية «الأراجوز الحجازي» سيقدم  المهرج نمطاً فريداً بالتجول بين حارات جدة العتيقة الأربع
عبر شخصية «الأراجوز الحجازي» سيقدم المهرج نمطاً فريداً بالتجول بين حارات جدة العتيقة الأربع
TT

استخدام فن «الأراجوز الحجازي» للتعريف بجدة التاريخية

عبر شخصية «الأراجوز الحجازي» سيقدم  المهرج نمطاً فريداً بالتجول بين حارات جدة العتيقة الأربع
عبر شخصية «الأراجوز الحجازي» سيقدم المهرج نمطاً فريداً بالتجول بين حارات جدة العتيقة الأربع

لم يعد التعريف بالإرث الذي تحمله المنطقة التاريخية في جدة، محصورًا على زوايا محددة، أو أنماط تقليدية، فهذه المنطقة العائد تاريخها إلى ما قبل الإسلام والتي دخلت قائمة التراث العالمي، صار الفن إحدى طرق التعريف بها محليا وعالميا.
ومع الإبقاء على ما درجت عليها غالبية المؤسسات والمبادرات المتنوعة التي هدفت إلى تسليط الضوء على كينونة الأبعاد الثقافية والحضارية للمنطقة منذ أكثر من نصف قرن تقريبًا، يأتي الجديد الذي يمكن الاصطلاح عليه في باكورة فهم أبعاده التاريخية، هو الخدمة التي يقدمها الفن في سبيل تعزيز هوية المنطقة ليس فقط في ذاكرة الجداويين بل السعوديين عمومًا، وهو ما فعلته تحديدًا جدرانية «جدة وأيامنا الحلوة»، التي أسسها منصور الزامل.
في جانب من الجدرانية التي تهتم بالحفاظ على الخصوصية الحضارية للمنطقة، استعرضت التشكيلية لميس الحموي بعدًا فنيًا جديدًا في تخليد وإحياء منظومة التراث الإنساني والحضاري الذي امتازت جدة القديمة به قبيل هدم سورها في العام 1947، عبر شخصية «الأراجوز الحجازي» أو ما يصطلح عليه بشخصية المهرج.
ابتكار التشكيلي منصور الزامل، مؤسس «جدرانية جدة وأيامنا الحلوة»، شخصية «الأراجوز الحجازي»، التي علقت بذاكرته وهو لم يتجاوز الثلاثة عشر ربيعًا، وصاحبته منذ أربعة عقود، تهدف إلى غرس محور تاريخية جدة في نفوس الصغار قبل الكبار. الزامل يتحدث عن فلسفة شخصية «الأراجوز الحجازي»، التي ستطبق للمرة الأولى، بقوله إنها تنطلق من إعجاب الأطفال بشخصية المهرج، التي واكبت احتياجات المرح الطفولي، وحظيت بإعجاب الكبار قبل الصغار، لأن تلك الشخصية قامت على نسج الخيال بأسلوب واقعي فريد من نوعه.
وهنا تؤكد التشكيلية الحموي على مسار فني محدد، وهو أن شخصية «الأراجوز» تقدم أصعب أنواع الكوميديا، باعتبارها تحتاج إلى مهارات استثنائية لتبوح بصمت ما يعتريها من مشاعر فرح وحزن بفلسفة خاصة وعميقة تحاكي قلوب الجميع.
وعبر شخصية «الأراجوز الحجازي»، سيقدم المهرج نمطًا فريدًا بالتجول بين حارات جدة العتيقة الأربع «المظلوم، واليمن، والشام، والبحر»، مازجًا بين دهاليزها عمق الأصالة والمرح، حاملا لواء ترجمة التراث الحجازي بأسلوب مختلف عن الجميع. يعود تاريخ ظهور المهرج إلى عصور قديمة، وتشير التشكيلية لميس الحموي إلى أن استعراض الرسومات الأولى لشخصية المهرج الذي ارتدى تفاصيل الزي الذي كان سائدًا في تلك الحقبة الزمنية من حيث لبس العمة الحجازية والغبانة التي كان رجال الحي يضعونها حول خاصرتهم، بالإضافة إلى رسومات تحتوي على تفاصيل الشخصية الجداوية القديمة، بهدف الارتقاء بالذائقة البصرية وتقديم مفاهيم ورؤى مختلفة عن المنطقة التاريخية.
يشار إلى أن المرحلة الأولى من بناء شخصية «الأراجوز الحجازي» انتهت لتبدأ معها مرحلة جديدة من تجسيده كصورة حية مشاهدة أمام زوار تاريخية جدة. وهنا يفضل الزامل عدم الخوض كثيرًا في تفاصيل الرؤية القادمة للشخصية، إلا أنه يعد بمفاجأة جديدة في تاريخ التعريف بالمنطقة التي لا يستهدف من خلالها السعوديين فقط، بل حتى السائح الأجنبي الذي تستهويه التعاريف المختلف بالمناطق التاريخية عمومًا.
وفي السياق ذاته، تراهن التشكيلية لميس كثيرًا أثناء حديثها في مقر جدرانية جدة، على الإضافات الفنية التي سيبرزها «الأراجوز الحجازي» على الخارطة الفنية والثقافية المحلية، وتؤكد في أكثر من سياق أن الشخصية التي خضعت لعوامل تقييم عدة داخل الجدرانية التي تضم أكثر من 50 عضوا من التشكيليين المحترفين، وجدت مكانًا رحبًا بين ذائقتهم البصرية، واعتبروها ضرورة تطويرية تطلبها عامل الزمان والمكان.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».