الشيخ محمد بن راشد: («الشرق الأوسط») ستبقى دائمًا صحيفة العرب الدولية

زار مكاتب الصحيفة بوسط لندن.. وأكد على محورية الدور السعودي في المنطقة

الشيخ محمد بن راشد يطالع صحيفة {الشرق الأوسط} لدى زيارته لها ومحمد بن راشد مع رئيس التحرير سلمان الدوسري عند مدخل الصحيفة ويظهر في الصورة خليفة سليمان ({الشرق الأوسط})
الشيخ محمد بن راشد يطالع صحيفة {الشرق الأوسط} لدى زيارته لها ومحمد بن راشد مع رئيس التحرير سلمان الدوسري عند مدخل الصحيفة ويظهر في الصورة خليفة سليمان ({الشرق الأوسط})
TT

الشيخ محمد بن راشد: («الشرق الأوسط») ستبقى دائمًا صحيفة العرب الدولية

الشيخ محمد بن راشد يطالع صحيفة {الشرق الأوسط} لدى زيارته لها ومحمد بن راشد مع رئيس التحرير سلمان الدوسري عند مدخل الصحيفة ويظهر في الصورة خليفة سليمان ({الشرق الأوسط})
الشيخ محمد بن راشد يطالع صحيفة {الشرق الأوسط} لدى زيارته لها ومحمد بن راشد مع رئيس التحرير سلمان الدوسري عند مدخل الصحيفة ويظهر في الصورة خليفة سليمان ({الشرق الأوسط})

أكد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة رئيس مجلس الوزراء حاكم إمارة دبي، على قوة العلاقات الإماراتية - السعودية، ومتانة الأسس التي تستند إليها، مشيرًا في الوقت ذاته إلى تقدير دولة الإمارات العربية المتحدة للدور الذي تضطلع به المملكة العربية السعودية في إرساء أسس الأمن والاستقرار في المنطقة، مشددًا على إيمانه العميق بمحورية الدور السعودي بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وقناعته الثابتة بأن المملكة العربية السعودية تمثل حجر الأساس للخروج بالمنطقة العربية من حالة عدم الاستقرار التي تعصف بها.
وتأتي تصريحات الشيخ محمد بن راشد لدى زيارته مقر صحيفة «الشرق الأوسط» في العاصمة البريطانية لندن، للتعبير عن اعتزازه بمكانة وتأثير صحيفة العرب الدولية، إذ كان في استقباله لدى وصوله إلى مبنى دار الصحافة العربية، رئيس التحرير الزميل سلمان بن يوسف الدوسري. وثمن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الجهود التي تقوم بها «الشرق الأوسط» من عمل مهني متميز، مشيرا إلى مكانتها الرفيعة لدى القارئ العربي عموما، وقال إن «الشرق الأوسط» ستبقى كما هي دائمًا صحيفة العرب الدولية، مشددًا على أن زيارته تجيء للتعبير عن صدق أحاسيسه تجاه الصحيفة وتأثيرها القوي على المستوى الدولي.
ونوه الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بأهمية الكلمة ومسؤولية صاحبها، مشيدًا بدور الإعلام العربي الرصين بكل وسائله في نقل الحقيقة إلى القارئ العربي أينما كان، كما أشاد بالجهود الكبيرة التي تقوم بها صحيفة «الشرق الأوسط» في تنوير القارئ العربي بأهم وأحدث الأخبار والتقارير والدراسات والمقالات من مختلف أنحاء العالم، مضيفا أن زيارته لـ«الشرق الأوسط» تأتي ضمن اهتمامه بالتواصل مع الإعلام عموما، ومع صحيفة العرب الدولية على وجه الخصوص.
والتقى الشيخ محمد بن راشد بمساعدي رئيس التحرير الزميلين عيدروس عبد العزيز وزيد بن كمي، كما التقى بعدد من الكتاب والمحررين ورؤساء الأقسام في الصحيفة. وتجول في عدد من أقسام الصحيفة وتحدث مع العاملين واطلع على تفاصيل عملهم. وقدم الزميل سلمان الدوسري عرضا مختصرا حول آلية عمل صحيفة العرب الدولية، من المكتب الرئيسي في لندن وكيفيه إدارة مكاتبها الخارجية الموجودة في أنحاء العالم، مشيرا إلى طباعتها المتزامنة في قارات العالم ووصولها إلى الأميركيتين وأوروبا وآسيا وأفريقيا، وهو ما رسخ وجود الصحيفة في كل مدن الشرق الأوسط، وأبرز العواصم والمدن العالمية.
ووصف الزميل الدوسري زيارة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بـ«التاريخية»، معتبرًا أنها دليل واضح على ما يوليه من اهتمام بالغ بالإعلام العربي والعالمي، ودعمه اللامحدود للصحافة العربية، خصوصا مع احتضان دبي لأكبر مدينة إعلامية في العالم، كما عبر عن اعتزازه وتقديره للشيخ محمد بن راشد آل مكتوم والكلمات التشجيعية التي خاطب بها فريق الصحيفة التحريري والعاملين فيها. وتسلم الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم خلال زيارته هدية تقديرية من هيئة تحرير الصحيفة، وهي عبارة عن العدد الأول للصحيفة، قدمها له الزميل الدوسري.
ورافق الشيخ محمد بن راشد خلال زيارته الى مقر الصحيفة ، خليفة سعيد سليمان مدير عام دائرة التشريفات والضيافة بدبي وعبد الله المنصوري مدير مكتب دبي في لندن وسلطان السبوسي.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)