بوادر سباق السينما الأول تلوح في الأفق الأوروبي

7 أفلام أوروبية برسم المنافسة على أوسكار أفضل فيلم أجنبي

لقطة من فيلم «الموجة» النرويجي  -  ..و«متاهات الأكاذيب» (ألمانيا)
لقطة من فيلم «الموجة» النرويجي - ..و«متاهات الأكاذيب» (ألمانيا)
TT

بوادر سباق السينما الأول تلوح في الأفق الأوروبي

لقطة من فيلم «الموجة» النرويجي  -  ..و«متاهات الأكاذيب» (ألمانيا)
لقطة من فيلم «الموجة» النرويجي - ..و«متاهات الأكاذيب» (ألمانيا)

سباق الأوسكار بدأ أبكر من المعتاد هذا العام، عندما أعلنت دولة لوكسمبورغ في الرابع والعشرين من هذا الشهر فيلمها الذي سيمثلها لنيل أوسكار أفضل فيلم أجنبي، بعدها طرحت ألمانيا ترشيحها، وقبل يومين حذت حذوهما سويسرا، في حين أعلنت النرويج عن قائمة مختصرة لا يزال عليها أن تختار منها الفيلم الذي سيمثلها للأوسكار.
قبل هذه الهبّة المفاجئة التي تعكس الاهتمام المتوالي بالأوسكار الأميركي، كانت المجر أول من أعلن دخول سباق الجائزة الأشهر وذلك في الحادي عشر من يونيو (حزيران)، عندما اختارت فيلمها الذي كان فاز بجائزة لجنة التحكيم الكبرى في مهرجان «كان» المنصرم.
والمؤكد أننا سنتلقف في الأيام المقبلة بداية السيل المعتاد من الأفلام الناطقة باللغات غير الإنجليزية لكي تدخل الترشيحات العامة الأولى، تلك التي ستنتج عنها، كما العادة، لائحة أصغر ثانية، ثم لائحة رسمية تتألف من خمسة أفلام، قبل أن تعلن النتائج في الأسبوع الأخير من شهر فبراير (شباط) المقبل.

* فوضى مقصودة
ذلك الفيلم المجري هو «ابن شاوول» للمخرج الجديد لازلو نيميش، الذي عمل مساعدا في فيلم روائي طويل واحد للمخرج بيلا تار (قبل أكثر من فيلم) وهو «رجل من لندن» عام 2007. وهو فيلم عن الهولوكوست ينضم إلى مئات الأفلام حول الموضوع، ولو أنه يختلف في أنه يُلقي نظرة من داخل الأفران على ما يجري. نيميش، في الواقع، انتقد فيلم هولوكوست آخر هو «قائمة شيندلر» (Schindler›s List) الذي حققه ستيفن سبيلبرغ سنة 1993 عندما قال لصحيفة «ذا نيويورك تايمز» إن ذلك الفيلم يدور عن الضحايا على نحو تقليدي لجمهور يرتاح على هذا النحو، وإن معظم الأفلام التي تناولت الهولوكوست لم تتحدّث عن الموت بل عن النجاة من الموت.
الفيلم المجري له دعامتان يستند إليهما في سباقه، الأولى درامية وهي الحديث عن موضوع الهولوكوست الذي تتداوله العديد من الأفلام بأشكال شتّى كل عام، والثانية فنية إذ تم تنفيذه بكاميرا مصنوعة من لقطة واحدة على طريقة ألكسندر زوخوروف في «سفينة روسية» سنة 2002، ولو أن ذلك كان أصعب تنفيذا نظرا لإدارته 2000 ممثل في وقت واحد لو أخطأ أحدهم لتوجب إعادة تصوير الفيلم من بدايته، كما قيل.
ما يعاني «ابن شاوول» منه هو ما جلب له المعجبين من النقاد تحديدا: شريطا الصوت والصورة يتنافسان في إثارة جو من الكآبة والفوضى المقصودين لذاتيهما. الكاميرا محمولة تلهث وراء الممثل الأول في الفيلم (غيزا روريغ) وهو يتلقّى الأوامر من الجنود والضباط النازيين، أو وهو يبحث عمن يؤمن الصلاة لشاب ميت اعتبره بمثابة ابنه وأخفاه تمهيدا لدفنه إذا استطاع. أما الصوت فهو هادر كالمطرقة ومؤلف من أصوات عدّة وعديدة من كل الأصوات الممكنة: رجال ونساء وأطفال ووقع أقدام وأصوات بوابات أفران تغلق أو تفتح لنسمع منها صوت النار التي في داخلها.
ما ينجح الفيلم فيه هو توليف كل ذلك بأسلوب واحد. ما يخفق فيه هو استخدامه كمطرقة تهوي على رؤوس المشاهدين للإقناع حينا ولدر الاستعطاف حينًا آخر.

* متاهة ألمانية
لكن «ابن شاوول» ليس الفيلم الوحيد الذي سيتم إرساله لتجربة حظّه (الكبير) في الأوسكار المقبل المتحدث عن ويلات الهولوكوست. هناك الفيلم الألماني أيضًا وعنوانه «متاهة الأكاذيب» الذي يستعرض محاكمات، أشبه بمحاكمات نورمبيرغ الشهيرة، تلك التي أنتج حولها سنة 1961 الفيلم المعروف «محاكمة في نورمبيرغ» (Judgment at Nuremberg) الذي أخرجه ستانلي كرامر وتم ترشيحه إلى 11 أوسكار رئيسية فاز منها باثنتين هما أوسكار أفضل ممثل (ماكمسليان شل) وأوسكار أفضل كتابة (قام بها آبي مان).
الفيلم الألماني حول المدعي العام يوهان رادمان الذي فتح باب التحقيق في نهاية الخمسينات حول آثام بعض النازيين الذين كانوا مسؤولين عن معسكرات الأوشفيتز. ويرينا الفيلم كيف واجه المدعي العام محاولات المسؤولين آنذاك ترقيع المسائل وإخفاء المسؤوليات تبعا لما وجده المخرج غويليو ريكياريللي الذي وضع السيناريو أيضًا. وكان هذا الفيلم شهد عرضه العالمي الأول في مهرجان تورنتو السينمائي الدولي في سبتمبر (أيلول) العام الماضي، وشهد الشهر ذاته عرضه الأوروبي الأول في إطار مهرجان زيوريخ، قبل أن يواصل عروضه المهرجاناتية والتجارية في معظم دول القارة الأوروبية (مبرمج للعرض في اليابان في الثالث من أكتوبر/ تشرين الأول، المقبل).
على عكس ترشيح «ابن شاوول» لم يحظ هذا الفيلم بإجماع كبير. بعض النقاد الألمان كتبوا مفضلين فيلم «فيكتوريا» لسيباستيان شيبر عليه والذي خرج فائزا بست جوائز من تلك المسماة بـ«دوتشر فيلمبريز» الذي كان عرض في مسابقة مهرجان برلين في شهر فبراير (شباط) الماضي.
مثل الفيلم المجري أيضًا، تم تصوير هذا الفيلم بلقطة واحدة من بدايته، ولو أن هذا الجهد لم يؤمن له جائزة رئيسة في المهرجان الألماني العريق.

* أوديسا عراقية
في المقابل التام يأتي الترشيح السويسري الذي أعلن في الثامن والعشرين من هذا الشهر وشكل مفاجأة طيّبة كونه أدى إلى تمييز فيلم أخرجه العراقي سمير جمال الدين (يكتفي باسم سمير احترافيًا) بعنوان «أوديسة عراقية».
إنه فيلم تسجيلي طويل (من 162 دقيقة) حول التشتت الذي أصاب حياة أسرة المخرج منذ غزو العراق ليجد أفرادها العديدون أنفسهم موزعين ما بين الولايات المتحدة وأستراليا وسويسرا. ما يثير الإعجاب في هذا الفيلم هو البذل الكبير والدقيق الذي صرفه المخرج لتحقيق هذا العمل، تأليفا وتشكيلا وكجمع للمعلومات ثم لتنفيذ هذا الكم الكبير من الساعات المصوّرة سواء أكانت مقابلات أو لقطات إضافية خاصة بالفيلم ثم مزجها بالمواد الوثائقية المستخدمة بدقة لا يعيبها سوى عدم قدرته على التخلّص من نصف ساعة أو نحوها رغم أن الإمكانية متوافرة. ويسبر المخرج غور التاريخ العراقي الحديث من أيام الاحتلال البريطاني إلى نهاية النظام البعثي. وفي حين أنه ينتقد غياب الحريّة والنزعة للسُلطة وغياب الديمقراطية في كل العهود فإنه يسدد لنظام صدّام حسين أكثر نقده من دون أن يغفل عن عرض المأساة بصور عريضة تنتقل عبر أزمنة مختلفة ولو أنها تصب في صميم الحياة الصعبة داخل الوطن.
أما الفيلم المرشح عن دولة لوكسمبورغ فيحمل عنوانًا مركّبًا هو Baby‪(‬A‪)‬lone لدوناتو روتونو الذي يتداول مخرجه (وهو إيطالي المولد) حكاية مجموعة من الفتيات والفتيان الذين يمثلون الجيل الجديد في أوروبا يجدها، حسب مواصفات الرواية التي اقتبس عنها، حائرة الاتجاهات.
أما بالنسبة للنرويج، فقد أعلنت في اليوم ذاته (الثامن والعشرين من هذا الشهر) عن قائمة تحتوي على ثلاثة أفلام سيتم اختيار واحد منها للترشيحات. هذه الأفلام تمثّل أفضل ما حققته النرويج مؤخرًا وهي «العودة» إلى الوطن» (Returning Home) لمارتن دولسباكن و«مشتاق للوطن» (Homesick) لآن سيوتسكي و«الموجة» لرور أوثوغ.
يتمحور «الموجة» حول كوارث طبيعية. في الأول ينهار ممر جبلي يؤدي إلى شلالات غيرانجر السياحية مما ينتج عنه تسونامي ثلجي بارتفاع 85 مترا. أما «العودة إلى الوطن» فهو عن شقيقين شابين قررا البحث عن أبيهما الذي خدم في الحرب الأفغانستانية ثم اختفى في رحلة صيد في النرويج. أما «مشتاق للوطن» فهو عن شاب وشقيقته من غير أب يلتقيان للمرة الأولى ويبدآن بفحص حياة والديهما عن كثب.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».