المغربي حسن بورقية يعرض «ألوان من كلمات» في الدار البيضاء

قدم 18 لوحة نتاجا لثلاث سنوات

جانب من لوحات حسن بورقية بقاعة «ماتيس» في الدار البيضاء («الشرق الأوسط»)
جانب من لوحات حسن بورقية بقاعة «ماتيس» في الدار البيضاء («الشرق الأوسط»)
TT

المغربي حسن بورقية يعرض «ألوان من كلمات» في الدار البيضاء

جانب من لوحات حسن بورقية بقاعة «ماتيس» في الدار البيضاء («الشرق الأوسط»)
جانب من لوحات حسن بورقية بقاعة «ماتيس» في الدار البيضاء («الشرق الأوسط»)

كلمات نفكر فيها كما تفكر فينا، لها إيقاع معين يتأرجح معناه بين السرعة والبطء واللون، كلمات تشبه الكائنات العظمى التي تحيا بالتجربة التي يفرغها فيها أو يحملها إياها الفنان التشكيلي المغربي حسن بورقية، الذي افتتح أخيرا معرضه في قاعة «ماتيس» في الدار البيضاء، تحت عنوان «ألوان من كلمات». ألوان تقوم على المغامرة ذهابا وإيابا بين الكتابة وبين التشكيل، تلون الكلمات من جنس تعبيري (الكتابة) إلى آخر يتمثل في التشكيل.
وعرض بورقية 18 لوحة هي نتاج لثلاث سنوات من البحث، اعتبرها الحاضرون مفارقة لا سيما أنه عادة لا يشتغل على الألوان، بيد أنه عُرف باستعمال اللون الواحد، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «وجدت الفكرة عند ثلاثة من الكتاب أو المفكرين الذين ينتمون إلى شجرة أنسابي الثقافية من بينهم الكاتب والروائي المغربي ادمون عمران المليح والكاتب البرتغالي فرناندو بيسوا».
لوحات فضل التشكيلي المغربي أن تكون دون عنوان، في إشارة منه إلى أن وضع العناوين هو إيهام للمشاهد، مؤكدا أن لوحاته تعتبر نصوصا على الأقل تدفع المتلقي إلى تأمل العلاقة ما بين التشكيل وأصل فكر هذا الزمان. وأبرز بورقية أن فنه يشتغل على أفكار مرتبة ورؤية معينة، إضافة إلى الإصغاء بعمق للتجربة الإنسانية، كما يرى أن لوحاته تسافر معه، مشيرا إلى أنه اشتغل عليها في مرسمه بمدينة بني ملال وأنهاها بمرسم آخر في مراكش.
وحول دواعي تنظيمه المعرض، عد بورقية ثلاثة أسباب؛ أولها أنه بعد نضج تجربته أراد أن يقدمها على شكل سؤال جانبي للمتلقي والأصدقاء والناس في إطار التراكم الفني الذي يقدمه الفنان، ثم يتمثل السبب الثاني في رغبته في شكر الصدفة التي تعرف فيها على أعمال بعض الكتاب وعلى رأسهم الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه، وثالث الأسباب رغبته في إضافة دم جديد لتجربته، يتمثل أساسا في البحث عن مسائل جديدة، عن سؤال الغرابة وعن عمق الإنسان العام.
وفي هذا السياق، ذكر بورقية أن الفلسفة هي آيديولوجية توجد في كل شيء، وأن سؤال التشكيل يدخل ضمن سؤال قلق الموت والزمان والفناء والقلوب وغير ذلك، مضيفا أن لوحاته أسئلة كالأسئلة التي يطرحها الأدب بصفة عامة، والرواية والشعر على الخصوص، وتشبه إلى حد ما رواية «البحث عن الزمن الضائع» للكاتب الفرنسي مارسيل بروست، التي أراد أن يسترد فيها الطفولة ويستحيل بتاتا أن يعود.
وينفي بورقية انتماءه الفني لمدرسة ما، وعزا ذلك إلى أنه «مهووس بالحرية، وهذا ما علمني إياه نيتشه وإدمون»، مفيدا بأنه لا وجود لدرس أكاديمي أو قانون معين في التشكيل، وأن العالم يشبه عالم الرواية منذ أن دشنه «سرفانتس»، معتبرا أن الكل يملك الحرية في قول ما يريد ولا وجود لحقيقة معينة «وإنما هناك الخيالات والأوهام والحرية والدفاع عن أقنعة وغيرها»، مضيفا أن لوحاته الفنية فيها اشتغال على الأشياء التي تعيش على هامش العالم أو الحياة أو الأسئلة، وهو نوع من الاشتغال على الهامش، الذي يتركه الرأسمال داخل دولة نامية أو صاعدة أو بقايا الرأسمال والاستهلاك وغيرهما، أوضحه بورقية على شكل شذرات لإعطاء لغة لهذه الأشياء المتروكة التي تمر دون الانتباه إليها.
ويهدف بورقية من خلال معرضه أن يطرح أسئلة للتأمل والرغبة في توسيع فهم الحياة، مؤكدا أن الفن هو عبارة عن توسيع فهم الحرية ومقاومة الموت وللتكرار.
يذكر أن الفنان المغربي أقام معارض سابقة في بداية السبعينات وظف فيها الألوان، وفي بداية الثمانينات تحولت إلى ألوان التراب، وبعد مضي سنوات انتقل في تجربته إلى صيغة الرماد بكل معانيه، وهو اليوم يجمع ألوان الكونية الأربعة (تراب وماء وهواء ونار) ويشتغل عليها.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».