كردستان العراق بين ناري الانتخابات والتجاذبات مع بغداد

«ملاذ آمن» لمختلف القوميات والطوائف في المنطقة

كردستان العراق بين ناري الانتخابات والتجاذبات مع بغداد
TT

كردستان العراق بين ناري الانتخابات والتجاذبات مع بغداد

كردستان العراق بين ناري الانتخابات والتجاذبات مع بغداد

يتميّز إقليم كردستان العراق من حيث التركيبة الجغرافية والسياسية والسكانية والقبلية عن باقي مناطق العراق الأخرى. ومن أبرز ميزاته التنوّع القومي والديني الكبير، بالمقارنة مع مناطق وسط العراق وغربه وجنوبه، ولقد أسهم هذا التنوّع في أن تكون هذه البقعة من العراق ملاذًا آمنًا لعدد هائل من القوميات والطوائف والأقليات التي هجرت مناطقها واستقرت فيها.
من ناحية أخرى، عاش الشعب الكردي في العراق منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 كثيرا من الحروب والويلات في عهود الحكومات المتعاقبة، التي شنّ عدد منها هجمات على الشعب الكردي لقمع انتفاضاته. وكان من نتائج هذه السياسة حرمان أبناء القومية الكردية طويلاً من استعمال لغتهم الأم، كما تعرّض كثيرون منهم للتهجير القسري إلى مناطق في وسط البلاد وجنوبها.
كانت أعنف الحملات التي يصفها أكراد العراق بـ«حملات الإبادة الجماعية» التي شنتها عليهم سلطات بغداد تلك التي شنها نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين (1979 - 2003), وتمثّلت في «حملات الأنفال».
إذ تٌتهم القوات العراقية بدفن أكثر من 182 ألف كرديًا وهم أحياء في صحارى الجنوب العراقي، وارتكاب مجزرة جماعية بحق 8000 كردي، وقصف مدينة حلبجة بالأسلحة الكيماوية ما نتج عنه مقتل أكثر من خمسة آلاف شخص وإصابة أكثر من عشرة آلاف بجروح ما زالوا يعانون من آثارها حتى الآن، إضافة إلى فقدان الآلاف من الأطفال وتدمير أكثر من 4500 قرية.
بعد الغزو العراقي للكويت في أغسطس (آب) من 1990، شنت قوات التحالف الدولي هجومًا على القوات العراقية فأرغمت صدام حسين على الانسحاب من الكويت، وفرضت حصارًا اقتصاديًا على العراق. وفي ربيع عام 1991 انتفض أكراد العراق بوجه الحكومة، وتمكنت قوات البيشمركة الكردية من إخراج الجيش العراقي الأجهزة الأمنية التابعة للنظام من المدن الكردية، لكن الجيش سرعان ما عاد مرة أخرى إلى الإقليم، واستؤنفت الحرب، واضطر آلاف المدنيين الكرد إلى الهروب نحو المناطق الحدودية مع إيران وتركيا. وتوفي كثيرون منهم جراء ظروف النزوح الصعبة المتمثلة بقسوة الطرق والجوع والعطش والبرد الشديد وانتشار الأمراض، وكان الأطفال والنساء والشيوخ في مقدمة الضحايا.

* تطوّر الحكم الذاتي الكردي
غير أن المجتمع الدولي أجبر نظام صدام حسين في ما بعد على سحب قواته من كردستان العراق، وأعلن التحالف الدولي «منطقة حظر طيران» في المناطق الكردية المحرّرة من جيش النظام، بينما ظل في المناطق التي يصفها الأكراد بـ«المناطق المتنازع عليها» بين سلطات الإقليم والحكومة المركزية في بغداد. وفي عام 1992 أسست أول حكومة لإقليم كردستان العراق، كما أسس برلمان الإقليم بعد إجراء انتخابات شارك فيها المواطنون الكرد. ومع أن السنوات التي تلت عام 1992 كانت فترة عرفت بـ«سنوات الحرب الداخلية» بين الحزبين الرئيسين، وهما الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، استمرت حتى عام 1998، فإنها انتهت بـ«اتفاقية واشنطن للسلام». وحقًا استطاع الإقليم بعد تلك السنوات أن ينهض من جديد ويمحو آثار الحروب التي نكبته، ويباشر بناء مجتمع ديمقراطي مدني. ثم بعد إسقاط نظام الرئيس العراقي صدام حسين شارك القادة الأكراد في بناء العراق الجديد متطلعين لأن تكون حقوق الشعب الكردي محفوظة في العهد الجديد، لكنهم لا يبدون اليوم راضين عمّا تحقق، وهم يتهمون الحكومات العراقية المتعاقبة منذ عام 2003، وحتى الآن، بأنها لم تفِ بأي التزام اتجاه الشعب الكردي، ويرون أن سلطات بغداد ما زالت تحاول «إثارة المشكلات لإقليم كردستان ومواطنيه».
من ناحية ثانية، استطاع رئيس الإقليم مسعود بارزاني عام 2005، بعد توليه منصبه، «توحيد البيت الكردي» بالتعاون مع الأطراف الكردية الأخرى، فشُكلت أول حكومة موحّدة بعد الحرب الأهلية في الإقليم بقيادة رئيس الحكومة الحالي نيجيرفان بارزاني في العام ذاته. ويمكن القول إنه خلال السنوات الـ24 الماضية استطاع الإقليم أن يؤسس لنموذج ناجح من الديمقراطية في المنطقة رغم المشكلات والضغوط الإقليمية.

* الطبيعة الجغرافية لكردستان العراق
تمتاز التركيبة الجغرافية لإقليم كردستان بتنوع غني. وعن هذا التنوع يقول البروفسور خليل إسماعيل، الخبير في الجغرافية السياسية وأستاذ قسم الجغرافية في جامعة صلاح الدين بمدينة أربيل، لـ«الشرق الأوسط» في لقاء معه: «تمثل مرتفعات حمرين وابتداءً من مناطق جنوب قصبة مندلي وبدرة وجسّان التي تمتد إلى حدود جنوب كركوك، وتحادد حدود محافظة كركوك، ثم تخترق منطقة الفتحة وتتجه إلى الشمال الغربي من مدينة الموصل، إلى أن تصل إلى مرتفعات سنجار، الحدود الطبيعية لإقليم كردستان العراق. وأهم ما يمكن أن نشير له بهذا الصدد هو التقرير الذي قدّمته لجنة عصبة الأمم عام 1924 إلى عصبة الأمم يوم ذاك في إطار مشكلة ولاية الموصل. هذا التقرير أكد على أن العراق يتميز بثلاثة أقاليم، هي: إقليم العراق وإقليم كردستان وإقليم الجزيرة، وأشار التقرير إلى أن إقليم كردستان ينفصل عن إقليم العراق من خلال مرتفعات حمرين ومكحول إلى مرتفعات سنجار. وبالتالي فهذه المنطقة تختلف تماما من الناحية الطبيعية عن المناطق الواقعة جنوب مرتفعات حمرين».
وعن تضاريس إقليم كردستان، أوضح إسماعيل: «ليس غريبا أن تأخذ هذه المنطقة اسم الإقليم، لأن الإقليم هو المنطقة المتميزة عن المناطق المجاورة، فإقليم كردستان يتميّز عن المناطق المجاورة الأخرى من حيث ارتفاع الأرض وانخفاضها. ذلك أن الأرض ترتفع من مرتفعات حمرين باتجاه الشمال والشمال الشرقي إلى الحدود العراقية الإيرانية والحدود العراقية التركية، في حين تتميز المناطق الواقعة جنوب حمرين بانبساطها ولذا سميت من القديم باسم إقليم السواد. وكذلك من حيث نسبة الأمطار، يختلف إقليم كردستان تماما عن مناطق وسط العراق وجنوبه، إذ إن المناطق الواقعة في شمال حمرين تتميز بكونها ذات أمطار نسبية أعلى بكثير من نسبة الأمطار في المناطق الواقعة جنوب حمرين، وبالتالي يتميز إقليم كردستان باكتفاء مائي لافت، بل إن إقليم كردستان العراق يمثل المصدر الرئيس لموارد المياه بالنسبة لوسط العراق وجنوبه. وأما من ناحية درجات الحرارة فإن إقليم كردستان يتميز باعتدال درجات الحرارة في الصيف، ولذا يعد كثير من مناطق الجبال مراكز سياحية ليس فقط للعراقيين بل لكثير من السياح من دول الجوار ودول الخليج العربي».

* التركيبة السكانية
وعن تفاصيل التركيبة السكانية للإقليم، قال إسماعيل: «يتميز التوزيع السكاني لإقليم كردستان بأنه منتشر جغرافيًا، بعكس حال مناطق وسط العراق وجنوبه، حيث تتركز الكثافة السكانية في حوضي نهري دجلة والفرات وفروعهما. كذلك من ناحية التركيب القومي أو الإثني، يتميّز إقليم كردستان بتنوع قومي/ إثني يختلف عن حال باقي مناطق العراق الأخرى، فهو يجمع بين قوميات متنوعة، فبالإضافة إلى الكرد الذين يمثلون الغالبية العظمى من سكانه، فهناك التركمان والعرب كذلك».
وعن التركيبة الدينية والطائفية – المذهبية في الإقليم، يشرح البروفسور قائلاً: «التركيبة الدينية هي الأخرى متنوعة في الإقليم، فإلى جانب المسلمين الذين يشكلون غالبية سكانه، هناك المسيحيون والإيزيديون والأرمن والصابئة والكاكائيون. ثم هناك تنوّع طائفي – مذهبي غني. هذا الوضع الذي يندر وجود مثيل له في أي منطقة أخرى من العالم، جعل سكان إقليم كردستان العراق، بصفة عامة، أكثر حرية وتسامحًا من كثرة من مواطني هذه المنطقة، ويعتبر الإقليم الملتقى لكثيرين من الأقليات والطوائف التي ظلمت واضطهدت خلال الفترات السابقة سواءً من المسيحيين أو العرب أو غيرهم. كل هؤلاء وجدوا في الإقليم الملاذ الآمن لحين الفرج والعودة إلى بلادهم». وتابع: «ثم إن موقع إقليم كردستان الذي تحده من الشرق إيران ومن الشمال تركيا ومن الغرب سوريا ومن الجنوب باقي مناطق العراق الأخرى، أتاح له أن يحتضن الآلاف من الأكراد الهاربين من إيران وتركيا وسوريا بسبب السياسات التي تنتهجها حكومات هذه الدول ضد مواطنيها الأكراد».

* الأحزاب الكردية
في ما يخص الحياة الحزبية في إقليم كردستان العراق، تنشط في الإقليم عشرات من الأحزاب والحركات السياسية التي مرت - بحسب المتخصصين السياسيين - بعدة مراحل من العمل السياسي، أبرزها مرحلة سبقت انتفاضة عام 1991 ومرحلة أخرى بدأت بعد الانتفاضة اتسمت بعد مرور عدة سنوات بولادة أحزاب المعارضة.
وفي هذا السياق، قال الدكتور صباح صبحي، رئيس قسم العلوم السياسية في كلية القانون والسياسة بجامعة صلاح الدين، لـ«الشرق الأوسط» موضحًا: «من الناحية التاريخية مرّت الأحزاب السياسية في الإقليم بعدة مراحل: المرحلة الأولى منها تتمثل بالمرحلة التي سبقت انتفاضة عام 1991، فالتركيبة الحزبية في ذلك الوقت كانت مختلفة عما هي عليه الآن. ذلك أن مصالح الأحزاب الكردية آنذاك كانت الوصول إلى هدف واحد ألا وهو تحرير كردستان، وتشكيل تحالفات من أجل الوصول إلى حقوق الشعب الكردي في الإقليم. بعد تلك البداية جاءت مرحلة التنافس على السلطة، التي تمثل المرحلة الثانية من مراحل عمل هذه الأحزاب. وبالفعل فتشكلت أحزاب جديدة، وظهرت الأحزاب الإسلامية المعتدلة في الإقليم. واعتمد العمل الحزبي على المكاسب التي سبقت عام 1991، ولمن سيكون الأولوية للوصول إلى السلطة. واستمرت هذه المرحلة حتى عام 2009. عند هذا المفصل حدث تغيّر في الحالة الحزبية، فالحالة التي ظهرت منذ عام 2009 كانت تختلف تمامًا عما سبقها، وكان من أهم سماتها ظهور أحزاب المعارضة. هذه الأحزاب ظاهرة جديدة في المجتمع السياسي الكردي، ولقد بدأت أحزاب المعارضة استغلال سخط الفئات الشعبية غير الراضية عن أداء السلطة، والتعهد لها بتحقيق مطالبها وأمانيها. ومن ثم ساهمت الحالة الجديدة في إضفاء تغيير على مسار الائتلافات الحزبية ومسار سياسات الأحزاب، وبعدما كانت السياسات العامة الحزبية في السابق تعتمد على الاتفاقيات المبرمة بين الأحزاب السياسية، صار الوضع بعد 2009 يعتمد على أي الأحزاب هي الأكثر شعبية وقدرة بالوصول إلى الجمهور. وهكذا نما الجمهور المسيّس أكثر فأكثر، وأصبح الناس أكثر وعيًا بما يريدون ومن يحاسبون، وصاروا يولون اهتماما أكبر بالسياسة، ويقدرون أكثر أهمية أصواتهم في الإقليم. ولكن التركيبة الحزبية الحالية في الإقليم يجوز وصفها من الناحية العلمية بالتركيبة الضبابية، إذ إننا لا نستطيع الزعم بأن لدينا أحزابا يمينية ويسارية كالأوروبيين، بل لدينا فسيفساء واسعة على خريطة الأحزاب في الإقليم. لدينا أحزاب قومية وأحزاب دينية وأحزاب علمانية، كما أن الأحزاب الإسلامية على نوعين: إسلامية معتدلة وإسلامية تمثل الوسط بين المعتدل والمتطرف».
وأضاف صبحي: «الأحزاب السياسية الكردية لا تعتمد تقليديًا على السياسات، والسياسات لديها ليس مهمة بقدر أهمية التاريخ والمبادئ والبرامج، لكن الاهتمام بالسياسة بدأ أخيرًا يظهر شيئًا فشيئًا، لذا نرى إن الموقف السياسي لكل حزب أصبح ذا أهمية خاصة للوصول إلى الجمهور. ويجري حاليًا على الساحة السياسية في الإقليم تنافس قوي حول مسألة الرئاسة لعله أحسن دليل على هذا، فالأحزاب الكردية تعبّر عن مواقفها للوصول إلى الجمهور».
واستطرد الدكتور صبحي: «يبلغ عدد الأحزاب السياسية المجازة رسميًا في إقليم كردستان العراق حاليًا 36 حزبًا، وبحسب قانون ميزانية الأحزاب، الصادر عام 2015 الحالي، فإن ميزانية الأحزاب تعتمد على عدد مقاعدها في البرلمان وعدد أصواتها في الانتخابات وتاريخ هذه الأحزاب. وعليه، يمكننا أن نصنف أحزاب الإقليم إلى أحزاب صغيرة وأحزاب متوسطة وأحزاب كبيرة،، وتتحرك الأحزاب الصغيرة حول الأحزاب المتوسطة والكبيرة، بينما تبحث الأحزاب المتوسطة عن أقطاب خاصة بها لتؤثر على الشارع والسياسة في الإقليم. وعمومًا، تتجه الأحزاب الصغيرة نحو الزوال، بحكم قانون ميزانية الأحزاب إذا جرى تطبيقه بشكل فعلي، وكذلك ففشل هذه الأحزاب بدخول البرلمان سيساهم في انكماشها أكثر فأكثر، وبناءً عليه أرى أن مجتمعنا السياسي لا يتجه نحو التعددية المتطرفة، بل نحن نتجه إلى عدد معين الأحزاب الرئيسية التي تتنافس في ما بينها». واستطرد لافتًا: «التشكيلة الثامنة لحكومة إقليم كردستان تشكلت في يونيو (حزيران) من عام 2014 الماضي، وهي المعروفة بـ(حكومة القاعدة الواسعة) لأنها تضم أحزاب المعارضة وأحزاب السلطة معا. إنها تتكوّن من خمسة أحزاب رئيسة في إقليم كردستان متمثلة بالحزب الديمقراطي الكردستاني (حزب الأغلبية الذي يتزعمه رئيس الإقليم مسعود بارزاني) والاتحاد الوطني الكردستاني (الذي يتزعمه الرئيس العراقي السابق جلال طالباني) اللذين كانا يقودان حكومة الإقليم قبل تشكيل هذه الحكومة. أما الأحزاب الثلاثة الأخرى الرئيسة المشاركة في الحكومة، فهي عبارة عن أحزاب المعارضة المتمثلة بـ(حركة التغيير) التي انشقت عن الاتحاد الوطني الكردستاني وأعلنت عن نفسها رسميًا عام 2009 والاتحاد الإسلامي الكردستاني والجماعة الإسلامية الكردستانية».
وأوضح صبحي أن «الأحزاب المعارضة الآن تمتلك حقائب وزارية في الحكومة، وفي الوقت ذاته تلعب دور المعارضة في البرلمان وفي الشارع. وهي الآن تحمل صفة السلطة والمعارضة معًا، وهذه صفة سياسية غير صحية، لأن المفترض بأحزاب المعارضة أن تبقى خارج السلطة التي يشكلها حزب الأغلبية مع الأحزاب المتآلفة معه، وتقوم بتعيين نواقص الحكومة للعمل عليها بعد أربع سنوات من أجل الحصول على مكاسب، وتشكل شخصية سياسية خاصة بهما لكي يستطيع الناخب الذي يصوت للمعارضة التعرّف على سياساتها».

* التركيبة القبلية
القسم الآخر المهم من تركيبة إقليم كردستان هي التركيبة القبلية، فالإقليم يضم المئات من القبائل الكردية التي تمتد جذورها في أعماق التاريخ. ولمعرفة تفاصيل هذه التركيبة المتنوعة من القبائل، التقت «الشرق الأوسط» الصحافي هيمن صالح، الباحث الاجتماعي مدير تحرير جريدة «باس» الأسبوعية الكردية الذي شرح قائلاً: «التركيبة الاجتماعية لإقليم كردستان تتكوّن من مجموعة من القبائل، التي تتوزّع على المناطق التي كان آبائها وأجدادها يسكنونها في الماضي. ومن ثم توزعت هذه القبائل على مدن الإقليم حسب قربها من القرى والمناطق التي كان أبناؤها يعيشون فيها»، وأردف: «هناك عدد كبير من القبائل في الإقليم، من أبرزها البارزانيون والجاف والزيباريون والسورجيون والخيلانيون والكوران والكلهر والدلو والزنكنة والسندي والسليفاني والشمديناني والشمزيناني والشيروان والمزوري والهركي والكردي والأركوازي ولسورميري ولجمور وقبائل أخرى كثيرة. ولقد استطاع الشعب الكردي المحافظة على نفسه من خلال هذه القبائل عبر مراحل التاريخ المختلفة. وكانت القبائل الكردية في الماضي ضرورة للحفاظ على الهوية الكردية للمواطن في الإقليم، لكن بمرور الوقت وتطور العالم لم تبقَ هذه القبائل في مناطقها الأصلية، بل نزحت باتجاه المدن. مع هذا، لحد الآن نلاحظ أن الطابع القبلي ما زال سمة من السمات البارزة في إقليم كردستان، فلو سألت أي شخص في الإقليم فسيعرف نفسه عن طريق قبيلته».

* الوضع الاقتصادي في الإقليم
أخيرًا، من الناحية الاقتصادية، يشهد إقليم كردستان العراق الآن مرحلة الوصول إلى الاستقلال الاقتصادي عن السلطة المركزية العراقية في بغداد. ووفق المصادر الكردية فإن هذا الاستقلال الاقتصادي بات ضروريًا بعدما مارست سياسة حكومة رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي وحكومة بغداد الحالية برئاسة حيدر العبادي تهميش الكرد العودة لمعاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية.
وتتهم المصادر الكردية حكومتي المالكي والعبادي بـ«شن حرب اقتصادية» على الإقليم أثرت على مجمل مجالات الحياة فيه، «إذ مضى أكثر من سنة ونصف السنة على قطع موازنة الإقليم من قبل حكومة بغداد، الأمر الذي دفع بالإقليم – وفق المصادر – إلى إيجاد حل للخروج من الأزمة الاقتصادية، عبر تصدير نفطه بشكل مستقل عبر تركيا إلى دول العالم، والاستفادة من واردته في صرف رواتب موظفيه ودفع الديون المترتبة عليه. ومن ثم إعادة بناء البنى التحتية التي توقفت غالبية مشاريعها بسبب الأزمة المالية، وبالتالي الحصول على نقطة قوة رئيسية يعتمد عليها الإقليم مستقبلاً».



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.