شارع الصالحية.. الأزمة والحرب حولتاه إلى سوق باهتة وسط دمشق

سكنته العائلات الثرية الأوروبية والرئيس التونسي الراحل بورقيبة.. وشهد بناء أول دار سينما

جانب من شارع الصالحية ويظهر جامع الشهداء التاريخي  -  سوق الصالحية يجمع التناقضات جميعها في دمشق
جانب من شارع الصالحية ويظهر جامع الشهداء التاريخي - سوق الصالحية يجمع التناقضات جميعها في دمشق
TT

شارع الصالحية.. الأزمة والحرب حولتاه إلى سوق باهتة وسط دمشق

جانب من شارع الصالحية ويظهر جامع الشهداء التاريخي  -  سوق الصالحية يجمع التناقضات جميعها في دمشق
جانب من شارع الصالحية ويظهر جامع الشهداء التاريخي - سوق الصالحية يجمع التناقضات جميعها في دمشق

يراهن الكثير من المهتمين والمتابعين أنه لا يوجد زائر لدمشق من سوريا وخارجها ولو لبضع ساعات إلاّ ومرّ به وتسوق من محلاته. فهو يعتبر السوق الأشهر في العاصمة السورية لأسباب كثيرة لعلّ أهمها أنه يكاد يجمع التناقضات جميعها! يجمع التراث والمعاصرة والرقي والحالة الشعبية وهو يتوسط المدينة. أنه «شارع وسوق بوابة الصالحية» الذي يمتد من ساحة مبنى المحافظة والتي يطلق عليها ساحة «يوسف العظمة» حيث ينتصب في وسطها تمثال لوزير الدفاع السوري الأسبق والأشهر في تاريخ سوريا المعاصر. من هذه الساحة الجميلة والمتميزة بحجارتها التراثية السوداء وبنوافيرها الرائعة ينطلق شارع وسوق بوابة الصالحية غربًا متقاطعًا في وسطه مع شارع العابد ليبدأ بعدها القسم الثاني من شارع الصالحية والمسمى جادة الشهداء ومن ثم ساحة وحديقة عرنوس وجادة الطلياني وشارع الحمراء الشهير.
السوق حاليا وبعد أربع سنوات من الأزمة والحرب السورية تراه باهتة ينتظر عشّاقه بحنين. فالعابرون منه تشاهدهم مسرعين إما نحو مقهى الروضة أو لشراء الألبسة والأحذية خاصة في مواسم التخفيضات والتي تخصصت معظمها في أزياء الرجال، بينما تخصصت محلات سوق الحمراء المجاور بأزياء النساء أو متجمهرين أمام الصرافات الآلية الموجودة في بداية السوق وفي نهايتها.
أحمد سكر (أبو عدنان) السبعيني واحد من أقدم الموجودين في سوق بوابة الصالحية قال لـ«الشرق الأوسط»: «أنا موجود في هذه السوق منذ نصف قرن، وكما ترى فإنه كان يجذب جميع الناس بمختلف شرائحهم وفئاتهم وأعمارهم وهذا ليس بجديد عليه فهذا المنظر من الازدحام البشري اليومي موجود منذ عشرات السنين حيث يعتبر الكثير من الدمشقيين أن زيارة سوق بوابة الصالحية إن لم يكن يوميًا فأسبوعيًا تقليد لا بد منه ليطلّعوا على الجديد في محلاته وما تعرضه من ألبسة وغيرها وإن لم تكن زياراتهم بقصد التسوق فهي للمشوار والاستمتاع بالتجول في السوق كطقس اجتماعي. في حين يعتبر الكثير من زوار دمشق من المحافظات الأخرى ومن البلدان العربية أنّ زيارتهم لن تكتمل إلاّ بزيارة بوابة الصالحية ولذلك السؤال الذي يُوَاجِهْ هؤلاء الزوار عند عودتهم لمدنهم وبلادهم من قبل أقاربهم وأصدقائهم ما هو الجديد في محلات سوق الصالحية وكيف كان مشواركم في بوابة الصالحية. لقد أثرّت الأزمة والحرب على هذا الطقس يقول أبو عدنان».
ولماذا أخذت السوق هذه التسمية «بوابة الصالحية». يجيب الكثير من المؤرخين والباحثين أن دمشق اشتهرت بسبع بوابات وجدت بين سور المدينة القديمة في حين انتشرت بوابات أخرى خارج السور وجدت بعد انتشار الأبنية والأحياء في دمشق خارج حارات المدينة القديمة في العهود الأيوبية والمملوكية والعثمانية. فكان هناك باب مصلى الذي ينطلق منه حي الميدان جنوب دمشق وباب الصالحية شمال دمشق الذي ينطلق منه حي الصالحية الكبير والذي بني على سفوح جبل قاسيون من قبل مهاجرين من القدس هاربين من الصليبيين فأسسوا حي الصالحية سنة 1156م حيث أطلق الدمشقيون عليهم لقب «الصالحين» فسمي الحي بهذا اللقب. في حين يؤكد الباحثون أن منطقة بوابة الصالحية كأبنية معمارية ودكاكين تأسست في بدايات القرن العشرين. وقد أنشأ فيها مباني مهمة أزيل بعض المباني وحلّ مكانها أبنية تجارية بينما ما زال بعضها قائمًا ومنها مبنى البرلمان (مجلس الشعب) الذي بُنِي سنة 1929، وكان قد بُنِي قبله وفي مكانه أول دار سينما في دمشق وافتتحت من قبل جمال باشا سنة 1916، واحترق المبنى بعد أشهر من افتتاحه. وهناك نادي الضباط القديم ومسرح الحمراء أشهر مسارح دمشق العامة والذي افتتح سنة 1967 وسط سوق الصالحية. كما تضم السوق أقدم ملاهي دمشق الليلية والتي افتتحت منذ عشرات السنين ومنها الكازا (الماسة) وسميراميس والحصان الجامح وغيرها. وهناك مقهى الروضة الذي صار أحد معالمه بعد أن تحول لمقصد الأدباء والمثقفين والسياسيين كحال بائع الصحف (أبو عادل) المجاور له والذي ما زال صامدًا في مكانه بعد أن استلم ابنه عادل زاوية بيع الصحف رغم افتقار زاويته كحال بائعي الصحف في دمشق للإصدارات اليومية العربية والأجنبية ولمعظم الدوريات والمجلات العربية التي حرمت الحرب والأزمة القراء السوريين منها.
يؤكد المؤرخون أن مباني شارع جادة الصالحية افتتحت سنة 1903في عهد الوالي العثماني حسن ناظم باشا، في حين بدأ النشاط العمراني فيها سنة 1921حين سكنتها العائلات الثرية الفرنسية والإيطالية وشيدت فيها الكثير من الدور والمباني مدمرة بذلك بساتين الغوطة التي كانت تفصل المدينة القديمة عن أحياء الصالحية.
الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة، قبل أن يصبح رئيسًا، سكن مستأجرًا في منطقة بوابة الصالحية خلف سينما الأمير حيث كان لاجئًا سياسيًا جاء لدمشق أواخر ثلاثينات القرن العشرين.
وفي القسم الثاني من شارع الصالحية هناك جادة الشهداء ما زالت تنتشر فيها الأبنية القديمة التي تعود لبدايات القرن المنصرم كما يتوسط الجادة مبنى تاريخي وهو جامع الشهداء، والمميز في هذا القسم من شارع الصالحية أن أرضيته رصفت بحجر اللبون التراثية ومنعت السيارات من السير فيه حيث خصص للمشاة فقط. وقد شهد هذا القسم من سوق الصالحية في تسعينات القرن المنصرم انتشار ظاهرة رسّامي الشوارع ولكن منعت محافظة دمشق هذه الظاهرة بعد سنوات قليلة من انتشارها بحجة عرقلة هؤلاء الرسامين لحركة الناس والمتسوقين في السوق. كذلك شهدت السوق ظاهرة ثقافية جميلة حيث كان يحتل واجهات دكاكينه المغلقة كل يوم جمعة بائعو ومبسطو الكتب القديمة ولذلك أطلق عليه البعض لقب «سوق عكاظ» وشبهوه بسور الأزبكية في القاهرة وشارع المتنبي في بغداد إذ كان يتعرف القارئ على الكاتب فكان ملتقى للكتاب والمثقفين والقراء في كل يوم جمعة مع بائعي الكتب على البسطات الذين يعرضونها على الرصيف وعلى واجهات الحوانيت المغلقة. وقد استمرت هذه الظاهرة حتى منتصف الثمانينات لتحاصر محافظة دمشق عمل بائعي الكتب القديمة حيث منعتهم من عرض الكتب بحجة أن هذه الظاهرة لا تليق بشارع الصالحية وسوقه الشهير وسط المدينة مع أن اليوم هو جمعة والمحلات مغلقة، ولكن نفذ قرار المحافظة في ثمانينات القرن المنصرم وافتقدت سوق الصالحية هؤلاء الباعة والمثقفين والكتّاب الذين غابوا قسرًا عن موعدهم الأسبوعي.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».