الأوروبيون يسارعون بالاستثمار في إيران .. وأميركا منهمكة في الجدل حول «النووي»

الشركات الأميركية تلتزم الحذر خوفًا على سمعتها بين ساسة البلاد

اجتماع بين مسؤولين إيطاليين وإيرانيين بحضور وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ونظيره الإيطالي باولو جينتيلوني في طهران في 4 من الشهر الحالي (رويترز)
اجتماع بين مسؤولين إيطاليين وإيرانيين بحضور وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ونظيره الإيطالي باولو جينتيلوني في طهران في 4 من الشهر الحالي (رويترز)
TT

الأوروبيون يسارعون بالاستثمار في إيران .. وأميركا منهمكة في الجدل حول «النووي»

اجتماع بين مسؤولين إيطاليين وإيرانيين بحضور وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ونظيره الإيطالي باولو جينتيلوني في طهران في 4 من الشهر الحالي (رويترز)
اجتماع بين مسؤولين إيطاليين وإيرانيين بحضور وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ونظيره الإيطالي باولو جينتيلوني في طهران في 4 من الشهر الحالي (رويترز)

لم يكد الحبر يجف على صفحات أكبر اتفاق تاريخي مع إيران للحد من برنامجها النووي، حتى لامست عجلات إحدى الطائرات الحكومية الألمانية المحملة بنخبة رجال الأعمال هناك مدرج الهبوط في مطار طهران.
كان هؤلاء أول دفعة من الوزراء الأوروبيين ورجال الأعمال الذين بدأوا يتدفقون على السوق الإيرانية التي تستعد لمعاودة الانفتاح على العالم بعد سنوات من العقوبات الاقتصادية الطاحنة. حجزت الوفود الأوروبية الغرف في أفخم فنادق طهران وأصبحت الطاولات في أرقى مطاعمها شحيحة مع تزاحم الأجانب القادمين لعقد المفاوضات والصفقات، حتى في خضم عدم اليقين حول ما إذا كان الرئيس أوباما سيتمكن من التغلب على معارضة الكونغرس الشرسة للاتفاق المبرم.
ويأتي التدفق المستمر من الزوار إلى طهران كآخر المؤشرات على هوة الأطلسي الواسعة التي تفصل بين الولايات المتحدة وأوروبا، التي تشهد معارضة طفيفة للاتفاق الذي يهدف لتشذيب الطموحات النووية الإيرانية. وجه الرئيس أوباما ووزير خارجيته جون كيري التحذير للمعارضين للاتفاق من أنهم لن يكون بمقدورهم إعادة فرض الحظر التجاري متعدد الجنسيات إذا ما رفض الكونغرس تلك الخطط. كما أخبرت الدول الخمس الأخرى، التي ساعدت في الوساطة لإبرام الاتفاق، الكونغرس بأنهم لن يعاودوا الجلوس على طاولة المفاوضات مجددا. وتشير الرحلات الجوية رفيعة المستوى إلى أن قادة الولايات المتحدة لا يمكنهم مجرد منع الأوروبيين من حجز تذاكر رحلات الطيران إلى طهران قبيل التصويت الأميركي على قرار الكونغرس، والذي تحدد له تاريخ 17 سبتمبر (أيلول) المقبل.
ويقول جو كيسر، المدير التنفيذي لشركة «سيمنس»، التكتل الصناعي الألماني الكبير، في مقابلة مع التلفزيون الألماني الشهر الماضي: «إننا نتحدث عن 80 مليون مواطن في حاجة إلى إمدادات الطاقة، كما يحتاجون لخدمات الرعاية الصحية، ويودون البدء في - والاستفادة من - صناعتي النفط والغاز. هناك فرص وإمكانيات (مهمة) في إيران». وأرسلت شركة «سيمنس» أحد كبار مسؤوليها إلى طهران الشهر الماضي برفقة نائب المستشارة الألمانية، سيغمار غابرييل. وقد هبطت طائرتهما في مطار الإمام الخميني الدولي بعد خمسة أيام من موافقة القوى الدولية على الاتفاق النووي بتاريخ 14 يوليو (تموز) الماضي.
وبدوره، يوضّح السيد غابرييل: «أبرم الاتفاق بين مجموعة (3+3) وإيران في فيينا وقد مهد السبيل لتطبيع العلاقات الاقتصادية مع إيران»، مستخدمًا مصطلحًا آخر للإشارة إلى القوى الدولية الستة التي تفاوضت بشأن الاتفاق والتي عادة ما يشار إليها بمجموعة (5+1). وكان برفقة نائب المستشارة الألمانية مجموعة من كبار المسؤولين لدى كبريات الشركات الألمانية، ومن بينها شركة «دايملر»، و«فولكس فاغن»، و«تيسينكروب».
ومنذ زيارة غابرييل، قام وزراء بارزون من فرنسا وإيطاليا بدورهم بزيارة العاصمة الإيرانية. كما يخطط فيليب هاموند، وزير الخارجية البريطاني، إلى زيارة إيران اليوم لإعادة افتتاح سفارة بلاده هناك، وسط مخاوف من أن مجال الأعمال البريطاني يشهد تراجعا مقارنة بنظرائه داخل القارة الأوروبية. وتخطط كل من إسبانيا والسويد وبولندا لمتابعة الزيارات الرسمية خلال الخريف المقبل. ورافق معظم المشرعين والنواب كبار رجال الأعمال في هذه الزيارات الرسمية.
ومن جانبه، يخطط الرئيس النمساوي، هاينز فيشر، لزيارة إيران خلال الشهر المقبل ليكون أول رئيس أوروبي يزور طهران منذ عام 2004. كما استضافت فيينا كذلك أكبر مؤتمر تجاري أوروبي - إيراني خلال أول أسبوع من التوقيع على الاتفاق.
يقول مايكل توكاس، رئيس غرفة التجارة الألمانية - الإيرانية إن «الكثير من الشركات تستعد في الوقت الراهن للتوقيع على الاتفاقيات بمجرد رفع العقوبات الاقتصادية». وأضاف أن الغرفة التجارية تعمل على تنظيم رحلة كل أسبوع للشركات المعنية بعقد الاتفاقيات مع الجانب الإيراني.
في المقابل، ما زالت الصفقات التجارية الغربية مع إيران تشوبها الكثير من الشكوك القانونية، مما يجعل الشركات تتحرك بمنتهى الحذر حتى الآن. إذ إن الشركات متعددة الجنسيات التي تربطها علاقات أعمال مع الولايات المتحدة تخشى استهدافها من قبل العقوبات القانونية الأميركية إذا ما رفض الكونغرس الأميركي الاتفاق النووي الإيراني. كما تتمتع وزارة الخزانة الأميركية بنفوذ قوي على النظام المالي العالمي، مما يجعل من تدفق الأموال أمرًا عسيرًا من وإلى إيران ومن شأن ذلك تعقيد الاتفاقيات التجارية المبرمة والقانونية بموجب نظام العقوبات الاقتصادية الحالي.
كما يشكل احتمال انتهاك إيران بنود الاتفاق النووي عائقًا كبيرًا، حيث سيحفز ذلك حزمة العقوبات «الارتدادية» والتي يمكنها التهام كل الأموال الغربية المستثمرة هناك.
ولكن على الرغم من كافة هذه المخاوف، فإنه تم التوقيع على بعض الاتفاقيات المبدئية، مع أختام الموافقة الحكومية عليها. ذلك حيث وقع بنك «ميديوبانكا» الإيطالي على مذكرة تفاهم في طهران هذا الشهر بهدف تمويل الاتفاقيات التجارية ما بين الشركات الإيطالية والإيرانية. وتخضع القروض لضمان شركة ائتمان الصادرات المملوكة للحكومة الإيطالية، والتي قدرت أن إلغاء العقوبات الاقتصادية قد يزيد من الصادرات الإيطالية إلى إيران بمقدار 3.3 مليار دولار بحلول عام 2018.
ويفيد الكثير من المحللين أن صناع القرار الأوروبيين لن يكون لديهم فائض من الصبر حيال الرفض الأميركي للاتفاق النووي، والذي أبرم بعد عامين من المفاوضات المضنية بقيادة إدارة الرئيس أوباما. خاصة وأن أوروبا لم تقطع العلاقات التي تربطها بإيران تماما كما فعلت الولايات المتحدة. وفي هذا السياق، يقول فرنسوا هايزبورغ، المحلل الدفاعي لدى مركز البحوث الاستراتيجية ومقره في باريس، إنه «ليس هناك من سبب محدد يدعو الأوروبيين إلى التعرض لذات التأثيرات التي أصابت الولايات المتحدة إثر علاقاتها مع إيران». قد يؤدي رفض الكونغرس الأميركي للاتفاق إلى إحباط بعض الاستثمارات داخل إيران على المدى القصير، لكن بمرور السنين، سوف تعثر الشركات الأوروبية على سبل للتحايل على أية قيود مفروضة على التمويل. وكانت المؤسسات الأوروبية شديدة التطلع إثر احتمال التوصل لاتفاق مع إيران، وكان القادة يستعدون للتوقيع على الاتفاقيات في أقرب وقت.
ومن جهته، يقول باولو سكاروني الذي التقى، حال رئاسته لشركة «إيني» النفطية الإيطالية، مع وزير النفط الإيراني بيجان نامدار زنكنه وتناقشا حول الاستثمارات المحتملة من أن إيران واحة النفط الغنية. وأثناء الاجتماع الذي انعقد في ديسمبر (كانون الأول) من عام 2013، قال سكاروني: «كانت بالفعل رائحة رفع العقوبات أو التخفيف منها قد بدأت تفوح في الأفق».
ولكن في خضم ذروة الزيارات بين أوروبا وطهران، لا تزال الاتصالات بين الولايات المتحدة وإيران هادئة.
على المدى القصير، سوف تحقق الشركات الأميركية أرباحًا أقل بكثير مما تحققه الشركات الأوروبية المناظرة، على الرغم من أن الكثير من الإيرانيين يفضلون المنتجات الأميركية وسيدفعون بكل سرور للحصول عليها. غير أن الاتفاق سوف يرفع العقوبات المتعلقة فقط بالبرنامج النووي الإيراني، ويمدد في ذات الوقت الكثير من القيود الأميركية المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان في إيران ودعمها للإرهاب.
وعلى الرغم من ذلك، سيفتح الاتفاق النووي الباب أمام بعض الشركات الأميركية لتوسيع أعمالها مع الجمهورية الإسلامية ويمهد الطريق للمزيد من العلاقات التجارية والاستثمار في السنوات المقبلة. ويتيح بند مستقل في الاتفاق ببيع الطائرات التجارية وقطع الغيار إلى إيران، والتي ترغب في شراء ما لا يقل عن 400 طائرة تجارية جديدة عبر السنوات العشر المقبلة من شركتي «بوينغ» و«إيرباص».
ووفقًا لحجم السوق الإيرانية وتفضيل مستهلكيها للمنتجات الأميركية، كما يقول ريتشارد نيفيو، كبير الخبراء الأميركيين في العقوبات الاقتصادية الذين تفاوضوا مع إيران وحتى وقت مبكر من هذا العام، فمن المستغرب أن الكثير من الشركات الأميركية لم تتحمّس لأجل الاتفاق حال استعداد الكونغرس للتصويت بشأنه. ولما سأل مدير إحدى الشركات مؤخرا عن السبب، أوضح له أن إبرام الصفقات التجارية مع إيران قد تكون له «عواقب مؤثرة على سمعة الشركات». ويستطرد نيفيو قائلا إنه «خلال ثلاث أو أربع أو خمس سنوات من الآن، يمكنني أن أرى تلك الشركات تذهب إلى الكونغرس وتقول: «إن الأوروبيين يحققون أرباحًا كبيرة بينما نحن واقفون على جانب الطريق ننتظر، ثم يطالبون بالتغيير. لكن الأمر برمته يبقى مرهونا بما إذا ساهمت العقوبات الباقية في إيقاف الإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان».
وعلى الرغم من اهتمامهم، فإن الكثير من الشركات الأميركية لا تتوقع البدء في استكشاف السوق الإيرانية لبعض الوقت. تسمح العقوبات الحالية بصفقات تجارية محدودة مع إيران وتهدف إلى التخفيف من المعاناة الإنسانية هناك، مثل الأدوية، والأغذية، والمعدات الطبية. ومن الناحية العملية، لا تحقق الكثير من الشركات أقصى استفادة ممكنة بسبب أن العقوبات لا تسمح بتسهيل التجارة إلا لعدد محدود للغاية من الشركات.
يقول فرهد علوي، وهو محام متخصص في العقوبات الاقتصادية لدى مجموعة «اكريفيس» القانونية في واشنطن: «يمكنني وفقًا للقانون إرسال جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي إلى إيران، بموجب تصريح. ولكن من الصعوبة إيجاد شركة لشحنه وإرساله. كما يصعب التقاضي على هذا النشاط. ومع رفع الولايات المتحدة للعقوبات، يمكن لشركات من دول أخرى تقديم خدماتها في ذلك». ويضيف علوي أن معظم الشركات التي تواصلت معه منذ الإعلان عن إبرام الاتفاق تضع في اعتبارها نظرة طويلة من الاحتمالات الاستثمارية هناك، ولكنه أضاف أنهم قد يجدون الشركات الأوروبية قد احتلت مركزها بالفعل داخل السوق الإيرانية. واستنتج: «إيران موجودة على رادار الجميع الآن».
* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ {الشرق الأوسط}



ما المتوقع عراقياً في استراتيجية إيران؟

إيرانية تمرّ أمام لوحة إعلانية مناهضة لإسرائيل كُتب عليها بالعبرية: «في الدم الذي سفكتَه ستغرق» (إ.ب.أ)
إيرانية تمرّ أمام لوحة إعلانية مناهضة لإسرائيل كُتب عليها بالعبرية: «في الدم الذي سفكتَه ستغرق» (إ.ب.أ)
TT

ما المتوقع عراقياً في استراتيجية إيران؟

إيرانية تمرّ أمام لوحة إعلانية مناهضة لإسرائيل كُتب عليها بالعبرية: «في الدم الذي سفكتَه ستغرق» (إ.ب.أ)
إيرانية تمرّ أمام لوحة إعلانية مناهضة لإسرائيل كُتب عليها بالعبرية: «في الدم الذي سفكتَه ستغرق» (إ.ب.أ)

كتب مرّة الصحافي الأميركي توماس فريدمان أن العالم أصبح مسطّحاً (Flat) بسبب الثورة التكنولوجيّة. هي نفسها الثورة التي جعلت العالم معقدّاً جدّاً، خاصة مع هجمة الذكاء الاصطناعي.

في مكان آخر، أراد الكاتب الأميركي فرنسيس فوكوياما إيقاف التطوّر التاريخيّ بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وبشّر بالليبراليّة الديمقراطيّة بوصفها نموذج أوحد لدول العالم.

يشهد عالم اليوم فوضى في كل المجالات. عادت القوميات والآيديولوجيات، وكثرت الحروب، الأمر الذي يُبشّر بمرحلة خطرة جدّاً قبل تشكّل نظام عالمي جديد، وعودة التوازنات الكونيّة.

باختصار، عاد الصراع الجيوسياسيّ إلى المسرح العالمي لكن مع ديناميكيّة سريعة جدّاً تسببت بها الثورة التكنولوجيّة، وفيها تبدّلت العلاقة العضوية بين الوقت والمسافة، إذ سُرّع الوقت وتقلّصت المسافة في الأذهان.

تسعى الدول عادة إلى تحديد مسلّماتها الجيوسياسيّة. وهي، أي المسلمات، قد تتقاطع مع مسلّمات الدول الأخرى خاصة القريبة جغرافياً. لكنها أيضاً قد تتضارب.

عند التقاطع الإيجابيّ يكون التعاون. وعند التضارب يقع الصراع وصولاً إلى الحرب. يحدّد خبراء الجيوسياسّة أهميّة دولة ما من خلال ثلاثة معايير هي: الموقع، والثروات المؤثرة في الاقتصاد العالمي، كما الدور الذي تلعبه هذه الدولة في النظام العالميّ. إذا توفّرت هذه الشروط كلها في دولة ما، فهي قوّة عظمى أو كبرى بالتأكيد.

إيرانيون يحرقون علماً إسرائيلياً في مظاهرة وسط طهران يوم 18 أكتوبر 2024 (رويترز)

الاستراتيجيّة الإيرانيّة في المنطقة

في عام 1985، وإبان الحرب العراقيّة - الإيرانيّة، وبعد تراجع قدرات العراق العسكريّة، طلب المرشد الإيراني الأول الخميني من الرئيس السوري السابق حافظ الأسد التعاون لإسقاط العراق وفتح الباب إلى القدس.

رفض الأسد الطلب لأن سقوط العراق يعني خسارة دولة عازلة لسوريا مع إيران. وهو، أي الأسد، وإن قبل بإسقاط العراق، فسوف يكون لاعباً ثانوياً (Junior) بسبب التفاوت في القدرات بين سوريا وإيران.

حقّقت الولايات المتحدة الأميركيّة حلم الخميني في عام 2003. سقط العراق، وبدأ المشروع الإيرانيّ الإقليميّ بالتشكّل. تعد إيران أن هذا المشروع من المسلّمات الجيوسياسيّة الأهم. فهو يحميها، ويحقق مردوداً جيوسياسيّاً أكبر بكثير من حجم الاستثمارات فيه.

لكن هذه المسلمات تضاربت مع العديد من مسلّمات القوى الإقليميّة، كما مع مسلمات الولايات المتحدة. وإذا كانت أميركا قادرة على التعويض الجيوسياسيّ في مواجهة المشروع الإيرانيّ، فإن التعويض غير ممكن لكثير من دول المنطقة. فما تربحه إيران قد يكون خسارة لهذه الدول لا يمكن تعويضها.

وبسبب هذا التضارب في المسلّمات، بدأ الصراع وصولاً إلى الحرب الحالية. فمع إسرائيل ضرب المشروع الإيراني الأمن القومي الإسرائيلي في العمق، إن كان في غزّة أو في لبنان. ومع دول المنطقة، تجلى المشروع الإيراني من خلال جماعات مسلحة قوية في العمق العربي، لا سيما في لبنان وسوريا والعراق.

المنطقة جيوسياسيّاً

تعد استراتيجيّة الاتجاه غرباً (Look West Strategy) أمراً ثابتاً بالنسبة لإيران، إن كانت في ظل الإمبراطورية الفارسيّة أو مع الدولة الإسلاميّة. فإيران لم تُّهدد من شرقها إلا مرّة واحدة من قبل أفغانستان عام 1722، وبعدها استعاد السيطرة نادر شاه.

أما من الغرب، فقد أسقط الإسكندر الأكبر، الإمبراطور داريوس الثاني. ومن الغرب أيضاً حاربها صدّام حسين، ومن بعده أتى الأميركيون، ثم تنظيم «داعش» بعد خروج الأميركيين.

ماذا يعني العراق لإيران؟

* يشكّل العراق مركز ثقل في وعي الأمن القومي الإيرانيّ. لا تريد إيران دولة عراقيّة قويّة معادية لها قادرة على تهديدها من الغرب. من هنا دعمها لجماعات مؤيدة لها تحاول توسيع نفوذها داخل الدولة العراقيّة. تلعب هذه الجماعات دوراً هجيناً. هي في الدولة، وهي خارجها في الوقت نفسه. ترتبط مالياً بخزانة الدولة العراقية، لكنها في الحرب والسياسة ترتبط بإيران.

* يعد العراق مركز ثقل لإيران من ضمن ما يُسمّى محور المقاومة. فهو جغرافياً نقطة الانطلاق للتأثير الإيراني في الهلال الخصيب. أما سوريا، فهي المعبر والممر من العراق إلى لبنان. فيها بنى تحتيّة تربط لبنان بالعراق، ثم إلى الداخل الإيرانيّ.

أنظمة صواريخ لـ«الحرس الثوري» خلال عرض جنوب طهران (أ.ب)

طوفان الأقصى بعد سنة ونيّف

على الورق، سقطت حركة «حماس» عسكرياً. تدخّل «حزب الله» للربط معها، فسقط هيكله التنظيمي. مع ذلك، لم يخسر الحزب حتى الآن، ولم تخسر «حماس» أيضاً. وبناء عليه لم تحسم إسرائيل الأمر نهائيّاً.

لكن الأكيد أن «حزب الله» لم يعد قادراً على لعب الدور الأهم الذي أعد له في الاستراتيجيّة الإيرانيّة. بالتالي، ستحاول إسرائيل والولايات المتحدة استغلال هذا الضعف. وإذا لم تعد إيران – على الورق - قادرة على استغلال جبهتها المتقدّمة ضد إسرائيل من خلال «حماس» و«حزب الله»، فإن هناك من يعتقد أنها ستركز اهتمامها السياسي والميداني في محيطها المباشر، حيث مناطق نفوذها في العراق، وهو أمر يسلّط الضوء بلا شك على ما يمكن أن تشهده الساحة العراقية في الفترة المقبلة، خصوصاً في ظل التهديدات الإسرائيلية بشن هجمات على فصائل عراقية تدعمها إيران.