أطفال العراق.. أجيال محرومة من الرفاهية

مطالبات بمسرح وسينما ومدينة تهتم باحتياجاتهم

أطفال من قرية الديوانية شرق محافظة النجف محرومون من كل وسائل الترفيه (أ.ف.ب)  -  أطفال عراقيون يعبثون بالقمامة حيث لا أماكن ترفيهية شرق مدينة النجف (أ.ف.ب)
أطفال من قرية الديوانية شرق محافظة النجف محرومون من كل وسائل الترفيه (أ.ف.ب) - أطفال عراقيون يعبثون بالقمامة حيث لا أماكن ترفيهية شرق مدينة النجف (أ.ف.ب)
TT
20

أطفال العراق.. أجيال محرومة من الرفاهية

أطفال من قرية الديوانية شرق محافظة النجف محرومون من كل وسائل الترفيه (أ.ف.ب)  -  أطفال عراقيون يعبثون بالقمامة حيث لا أماكن ترفيهية شرق مدينة النجف (أ.ف.ب)
أطفال من قرية الديوانية شرق محافظة النجف محرومون من كل وسائل الترفيه (أ.ف.ب) - أطفال عراقيون يعبثون بالقمامة حيث لا أماكن ترفيهية شرق مدينة النجف (أ.ف.ب)

أحمد حميد، طفل بصري لا يتجاوز السابعة من العمر، أصر ومنذ انطلاق موجة الاحتجاجات في العراق على حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي بسبب نقص الخدمات كل يوم جمعة، إلى التظاهرات ومشاركة أبيه وهو يرفع العلم العراقي وكأنه عمره تعدى سنه بكثير وهو يتحدث بلسان جيل كامل (جيل المستقبل بالعراق)، حيث لهم مطالب كثيرة يتمنون على الحكومات المحلية والمركزية تحقيقها.
أحمد وهو يتحدث إلى «الشرق الأوسط»، قال إن «للأطفال وفي كل المحافظات العراقية وخصوصا في الوسط والجنوب الكثير من المطالب وهي مشروعة فنحن جيل الغد ويجب الاهتمام بنا كالكبار فليست الخدمات فقط التي تنقصنا».
وأضاف أن «مطالبنا هي تأمين المستقبل لنا والاهتمام بنا كقادة للغد من خلال وضع برامج تنمي قدراتنا وهواياتنا وهي كثيرة، فمدننا تفتقر لكثير من تلك الأمور».
وعند التجول في مدينة وسط العراق وجنوبه وخصوصا البصرة وذي قار وكربلاء وبابل تجد أنها تكاد أن تخلو من المنشآت الترفيهية الخاصة بالطفل، إذ تعتمد العائلات فيها على المطاعم السياحية والحدائق والمتنزهات العامة للترفيه فقط.
وقالت آسر الخفاجي، طفلة من مدينة بابل (100 كلم جنوب بغداد) واعتادت على الخروج بالتظاهرات، إن «الطفل العراقي وخصوصا في مدن وسط وجنوب العراق لا يوجد أي اهتمام به ولا توجد أماكن للترفيه».
وأضافت أنه «لا وجود لمسرح خاص بالطفل ولا سينما ولا مدينة تهتم بالترفيه وأن الدول المجاورة ليست أغنى أو أفضل من العراق لذا فهذا مطلبنا من الحكومة وعليها تحقيقه».
العراقيون غالبهم يتفقون مع مطالب أطفالهم فتجد منهم من يصطحبه معه في التظاهرات ويشجعه على المطالبة بحقه الذي يؤكدون أنه مشروع في ظل بناء دولة ديمقراطية تهتم بكل شرائح المجتمع.
وقال واثق الدعمي، أب لثلاثة أطفال من مدينة النجف (161 كلم جنوب غربي بغداد)، إن «البحث عن الترفيه هنا في النجف يكاد أن يكون صعبا فهي مدينة سياحة دينية وتخلو من المنشآت الترفيهية لذا نلجأ عند الخروج مع العائلة إلى التوجه نحو المطاعم حتى نرفه عن أطفالنا».
وأضاف أن «الحكومة المحلية اليوم مطالبة بتوفير مثل هذه الأمور، وخصوصا مدن الألعاب للأطفال أو حتى مسرح للطفل ومكتبة عامة لهم وهذه أبسط الأمور».
إلى ذلك، قالت أم فاطمة، موظفة حكومية وأم لطفلين من مدينة كربلاء (110 كلم جنوب غربي بغداد)، إن «أطفالنا لهم مطالب كما للكبار من مطالب وهي توفير أماكن للترفيه وهذا واجب على الحكومة المحلية والإعلان عن قرب افتتاح مدن للألعاب خبر مفرح لكن نريد المزيد».
وتابعت أن «مسرحًا للطفل ودارًا للسينما خاصة بهم وغيرها من المنشآت حق لهم وكذلك نحن العائلات نريد أماكن تكون مريحة ونستطيع فيها نسيان تعب العمل حتى تكون عطلة نهاية الأسبوع مريحة».
من جهتها، قالت الخبيرة التربوية سارة الشمري في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن «الطفل العراقي تجده اليوم أكبر من سنه بكثير فهو طفل ولد وتربى بأزمة، لأن العراق مليء بالأزمات ومنذ أكثر من أربعين عامًا فتجد أجيالنا المتعاقبة تكبر بطريقة لافتة للنظر، فهناك جيل الصراعات البعثية الشيوعية، تلاها جيل الاسترخاء أو العصر الذهبي وهو جيل سبعينات القرن الماضي، ثم جيل الحرب العراقية الإيرانية، ثم جيل الحصار وهو الأصعب، بعده أتى جيل الاحتلال، ثم هذا الجيل الأزمات الداخلية وداعش والتقشف والسرقات من أموال الشعب». وأضافت أن «الحديث عن هذا الجيل تجد أن الحكومات المتعاقبة ومنذ 12 عامًا لم تعمل شيئًا لتأمين الأطفال بناة الغد، إذ لا سياسة ولا تخطيط للمستقبل، وأبسطها لم تطبق تجارب الدول القريبة منا، كتركيا حين طبقت (أيباد) لكل طالب، أو دول الخليج حين أمنت ما يعرف بالصناديق السيادية لخدمة الأجيال».
وتابعت: «على حكومة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي التوجه نحو إعداد برامج لتنمية الأجيال وهذا واجب عليها إذا ما أرادت أن تبني العراق بحق».
ومدن وسط العراق وجنوبه مقدسة، لا توجد فيها أماكن كثيرة للترفيه، إذ تحتفظ أغلبها بقدسية في العادات والتقاليد والروادع الدينية التي تحدد أماكن النزهة بالنسبة للعائلات والأطفال، إذ لا تجد تلك الأسر بدا من اللجوء إلى المطاعم ومحال المرطبات في الوقت الذي يقضي فيه الشباب وقتهم في المقاهي.
يذكر أن العراق يشهد حراكًا جماهيريًا واسعًا وخلال الفترة الأخيرة احتجاجًا على تردي الخدمات وتفشي الفساد وعدم قدرة الحكومات المتعاقبة على معالجة ذلك وخرجت أولى المظاهرات في البصرة لتعم بعد ذلك جميع المدن الواقعة تحت سيطرة الحكومة العراقية.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT
20

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».