ميادة الحناوي تعود للغناء بعد انقطاع سنوات في مهرجانات بعلبك الدولية

أعربت عن سرورها بالمشاركة «في المكان الذي يعبق بالحضارة والتاريخ»

ميادة الحناوي قدمت توليفة من أغانيها الشهيرة، منها {كان يا ما كان} و{انا باعشقك} في مهرجان بعلبك (أ.ف.ب)
ميادة الحناوي قدمت توليفة من أغانيها الشهيرة، منها {كان يا ما كان} و{انا باعشقك} في مهرجان بعلبك (أ.ف.ب)
TT

ميادة الحناوي تعود للغناء بعد انقطاع سنوات في مهرجانات بعلبك الدولية

ميادة الحناوي قدمت توليفة من أغانيها الشهيرة، منها {كان يا ما كان} و{انا باعشقك} في مهرجان بعلبك (أ.ف.ب)
ميادة الحناوي قدمت توليفة من أغانيها الشهيرة، منها {كان يا ما كان} و{انا باعشقك} في مهرجان بعلبك (أ.ف.ب)

بعد انقطاع سنوات عن الحفلات بسبب الحرب التي تشهدها بلادها سوريا منذ أكثر من أربع سنوات اعتلت المطربة ميادة الحناوي مسرح مهرجانات بعلبك الدولية أول من أمس. وعلى مدار أكثر من ساعتين غنت ميادة التي يعتبرها بعض النقاد أنها آخر عنقود الزمن الضارب بالإبداع.
ابنة حلب الواقفة بين جيلين والتي ترقب بلدها بنظرة خوف تمكنت من إمتاع جمهورها واللعب معه على وتر الماضي الجميل الذي يسكن البال، فكانت هي «الحب إلى كان» والبعض يرى فيها «نعمة النسيان» وحالة فنية تعاقدت مع دفء الصوت فبلغت حصادا توجها مطربة للجيل.
وبعد انقطاع عن الحفلات في لبنان لأكثر من 13 عاما اعتلت ميادة الجمعة مسرحا دوليا يحاكي الهياكل وعبره أطل طيف بليغ حمدي ولاحت سمرة الموجي واستقر السنباطي نغما بين زوايا المعابد.
وبالأبيض والأسود وقفت مطربة الأجيال على مدرجات معبد باخوس في القلعة التاريخية تحيط بها فرقة موسيقية مؤلفة من 21 عازفا بقيادة المايسترو اللبناني إيلي العليا لتغني «هي الليالي كده» للملحن عمار الشريعي.
ووسط تصفيق الحضور قدمت توليفة من أغانيها الشهيرة، منها «كان يا ما كان» و«انا باعشقك» من كلمات وألحان الموسيقار بليغ حمدي و«نعمة النسيان» للملحن فاروق سلامة و«أنا مخلصالك» و«الشمس» من ألحان صلاح الشرنوبي و«دوا عيني» للملحن يحيى الموجي.
وطبعت ميادة السعادة والفرح على الحفل وعبّر الحضور عن سرورهم عبر مشاركتها الغناء والرقص والتصفيق والهتاف وردت هي بعبارات الثناء والشكر معربة عن سرورها بالمشاركة في مهرجانات بعلبك الدولية «في المكان الذي يعبق بالحضارة والتاريخ». واعتبرت مشاركتها في المهرجانات «دعما للفرح والمحبة والتآخي والألفة».
وقال المغترب اللبناني أحمد يحفوفي: «هذا الحفل أعاد إلى الأذهان وقفات العز الكبيرة التي عاشتها مهرجانات بعلبك ولبنان والزمن الماضي وناس ذلك الزمن».
وفي ختام الحفل اعتلى بعض المسؤولين المسرح لتكريم الحناوي وإلباسها عباءة مطرزة. وقال رئيس بلدية بعلبك حمد حسن: «عادت اليوم هياكل بعلبك إلى عزها».. وأضاف: «السيدة ميادة الحناوي وجهت تحية إلى الشعب اللبناني ونحن بدورنا من خلالها نوجه التحية للشعب السوري الشقيق وللدولة السورية ولكل المخلصين لهذا الوطن».
واعتبر محافظ بعلبك بشير خضر أن «عودة المهرجانات إلى بعلبك تؤكد لنا أن أيام العز عادت إلى بعلبك، فقد ولى في بعلبك زمن الحرمان والإهمال والتهميش وعادت بعلبك إلى الواجهة».
وتأثرت بعلبك ذات الأغلبية الشيعية وهي أحد معاقل حزب الله بالصراع الدائر في سوريا منذ أكثر من أربع سنوات.
ويستمر المهرجان الذي بدأ في آخر شهر يوليو (تموز) الماضي حتى آخر الشهر الحالي ويستقبل حفلا أميركيا يمزج بين الأنغام الكلاسيكية والديسكو والسول وفرقة رباعية تعزف على الآلات الوترية.
وانطلقت مهرجانات الصيف الفنية اللبنانية هذا العام وسط مخاوف أمنية وقلق سياسي. وتعتبر المهرجانات واحدا من أبرز معالم صناعة السياحة في لبنان، إذ يتنقل اللبنانيون وخصوصا المغتربين منهم والسياح العرب والأجانب بين أطلال بعلبك الرومانية الأثرية وقصر بيت الدين الشهابي وقلعة بيبلوس الفينيقية.
ومع أن كل المهرجانات الصيفية في لبنان لها أهميتها السياحية فإن مدينة الشمس لها رمزية تاريخية كونها الأقدم والأكثر شهرة.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».