تقرير: أكثر من نصف أعضاء منظمة التعاون الاقتصادي لا تلتزم بمكافحة الفساد عبر الحدود

«الشفافية الدولية»: الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا الأكثر التزامًا.. وأقلها 20 دولة بينها تركيا وإسرائيل وروسيا

تقرير: أكثر من نصف أعضاء منظمة التعاون الاقتصادي لا تلتزم بمكافحة الفساد عبر الحدود
TT

تقرير: أكثر من نصف أعضاء منظمة التعاون الاقتصادي لا تلتزم بمكافحة الفساد عبر الحدود

تقرير: أكثر من نصف أعضاء منظمة التعاون الاقتصادي لا تلتزم بمكافحة الفساد عبر الحدود

قالت منظمة الشفافية الدولية، إن 22 دولة من بين 41 دولة، وقّعت على اتفاقية منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، بشأن مكافحة الفساد، لم تلتزم خلال السنوات الأربع الماضية، بتنفيذ إجراءات تتعلق بمكافحة الرشوة الأجنبية، لمواجهة الفساد عبر الحدود.
وقال تقرير الشفافية الدولية، الذي صدر أمس (الخميس)، إن 4 دول فقط وتشكل 22.8 في المائة من صادرات العالم، وهي الولايات المتحدة وألمانيا وسويسرا وبريطانيا، تحسّنت جهودها في تنفيذ هذا الأمر وقامت بالفعل بملاحقة الشركات التي تدفع رشى لمسؤولين أجانب للحصول العقود والتراخيص والامتيازات أو لتضخيم الأسعار.
وأضاف التقرير، وهو الحادي عشر من نوعه، أنه بعد مرور 16 عامًا على تنفيذ الاتفاقية أصبح هناك 6 دول في خانة التنفيذ المعتدل للاتفاقية، وهي إيطاليا وكندا وأستراليا والنمسا والنرويج وفنلندا، وهؤلاء يشكلون 8.8 في المائة من صادرات العالم، في حين هناك 9 دول يمكن وصفها بأنها تعمل في إطار التنفيذ المحدود، وهي فرنسا، وهولندا، وكوريا الجنوبية، والسويد، والمجر، وجنوب أفريقيا، والبرتغال، واليونان، ونيوزيلندا، وهؤلاء يشكّلون 12.7 في المائة من صادرات العالم.
بينما هناك 20 دولة لا تفعل سوى القليل أو تكاد لا تفعل شيئًا لضمان أن شركاتها لن تقوم بنشر الفساد في العالم، وجرى استبعاد آيسلندا ولاتفيا من التصنيف لضعف صادراتهما.
وفي بيان تلقينا نسخة منه، قال خوزيه أوجاز، رئيس منظمة الشفافية، التي تتخذ من برلين مقرًا لها: «إن نصف الدول تقريبًا التي وقّعت على اتفاقية منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، حول مكافحة الفساد، وعلى الرغم من تعهد حكوماتها بالعمل على مكافحة الرشوة الخارجية، فإنها لم تفعل ذلك، وينبغي أن تكون هناك ضمانات بأن تكون هناك متابعة والتزام، وألا يكون هناك تسامح مع أي انتهاك للالتزامات الدولية لمحاربة الرشوة الخارجية».
وقال التقرير إن 20 دولة، ويشكلون جميعًا 20.4 في المائة من الصادرات العالمية، هم في خانة العمل المنخفض أو يكاد يكون منعدمًا، لمكافحة الفساد عبر الحدود، وذلك لعدم وجود الإرادة السياسية، وعدم وجود الموارد اللازمة لإجراء تحقيقات، كما أن هناك 12 دولة موقّعة على الاتفاقية ومنها دول راسخة في الديمقراطية وذات النفوذ السياسي، عرفت عرقلة لسير العدالة الجنائية، كما أن هناك 21 دولة من الدول الموقعة، لا يوجد بها عقوبات منصوص عليها في القانون لردع رشوة المسؤولين الأجانب، مما يعرقل جهود تنفيذ الاتفاقية. وكان التقرير الذي أصدرته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية العام الماضي، قد أشار إلى أن 17 دولة فقط من 41 دولة هي التي تفرض العقوبات المناسبة في هذه الأمور، وسجلت النرويج تحسنًا وانتقلت من منطقة التحرك المحدود إلى التنفيذ المعتدل، كما تحولت اليونان وهولندا وكوريا الجنوبية من خانة ضعف التنفيذ إلى التنفيذ المحدود، أما الأرجنتين فهي البلد الوحيد الذي تراجع من المحدود إلى المنخفض. ولمح التقرير إلى أن ست دول من دول مجموعة الـ20 موجودة في خانة المنخفضة أو منعدمة التنفيذ. وأوصى التقرير بأنه لتحسين مكافحة الفساد عبر الحدود بين الدول الموقعة على الاتفاقية، والتي تمثل ما يقرب من ثلثي صادرات العالم، لا بد أن يبدأ المجتمع المدني والقطاع الخاص، في تنفيذ برامج للتغلب على أوجه القصور في حكوماتهم. وأما الدول المحدودة أو المنعدمة في تنفيذ الالتزامات، فهي اليابان، وروسيا، وإسبانيا، وبلجيكا، والمكسيك، والبرازيل، وآيرلندا، وبولندا، وتركيا، والدنمارك، والتشيك، ولوكسمبورغ، والأرجنتين، وتشيلي، وإسرائيل، وسلوفاكيا، وكولومبيا، وسلوفينيا، وبلغاريا، وإستونيا. وجرى استبعاد آيسلندا ولاتفيا لصغر حصتهما من الصادرات العالمية.
وقالت منظمة الشفافية الدولية، إن دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فشلت في الالتزام بتعهداتها، التي تتعلق بمنع شركاتها من تقديم رشى، للفوز بأعمال في الخارج. وجاء التقرير تحت عنوان «تصدير الفساد». وتناول التقدم المحرز في 2015 في ما يتعلق بتنفيذ اتفاق منظمة التعاون الاقتصادي، بشأن مكافحة الرشوة الخارجية. وقالت «الشفافية الدولية»، إن الغرض من الاتفاقية هو مواجهة الفساد عبر الحدود، ولا بد من الموقّعين عليها أن يلتزموا قانونيًا بالتحقيق، وأيضًا مقاضاة ومعاقبة الشركات التي تقدم رشى لمسؤولين في دول أجنبية.. «وهو أمر يقوض التنمية، ويشوه الأسواق، ويكلف دافعي الضرائب»، بحسب تقرير الشفافية الدولية. وهو تقرير مرحلي سنوي ويعتبر الحادي عشر من نوعه، وسلط الضوء على الدول التي فشلت في تحقيق أي محاكمات حتى ولو في قضية واحدة من قضايا الرشوة خلال السنوات الأربع الماضية. واستعرض التقرير أوجه القصور على المستوى الوطني بالنسبة للأطر القانونية في البلدان الأعضاء، والممارسات، والتطورات ذات الصلة.
ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية هي منظمة دولية مكونة من مجموعة من البلدان المتقدمة، التي تقبل مبادئ الديمقراطية التمثيلية واقتصاد السوق الحر. ونشأت في سنة 1948 عن منظمة التعاون الاقتصادي الأوروبي، للمساعدة على إدارة خطة مارشال لإعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. وبعد فترة تم توسيعها لتشمل عضويتها بلدانًا غير أوروبية، وفي سنة 1960 تم إصلاحها لكي تكون منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية.
والمنظمة تمنح فرصة تمكن الحكومات من مقارنة التجارب السياسة والبحث عن إجابات للمشكلات المشتركة، تحديد الممارسات الجيدة وتنسيق السياسات المحلية والدولية. المنظمة تشكل منتدى للضغط التي يمكن أن تكون حافزًا قويًا لتحسين السياسات وتنفيذها عن طريق سن قوانين غير الملزمة التي يمكن أن تؤدي أحيانًا إلى المعاهدات الملزمة.
وتتم التبادلات بين الحكومات المشتركة في المنظمة، عن طريق تدفق المعلومات والتحليلات التي تقدمها الأمانة العامة في باريس. والتي تقوم بجمع البيانات ورصد الاتجاهات والتحليلات والتنبؤات الاقتصادية. كما تبحث التغيرات الاجتماعية أو تطور في أنماط التجارة والبيئة والزراعة والتكنولوجيا والضرائب والمجالات الأخرى. وخلال العقد الماضي، عالجت المنظمة مجموعة من القضايا الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وكذلك ساهمت في تعميق المشاركة مع دوائر الأعمال، ونقابات العمال وغيرهم من ممثلي المجتمع المدني. على سبيل المثال المفاوضات في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية في المجال الضريبي والتسعير التحويلي، وقد مهد الطريق للمعاهدات الضريبية الثنائية في جميع أنحاء العالم.
ويوجد أربعة وثلاثون عضوًا كامل العضوية، وهم الأعضاء المؤسسون (1961): أبرزهم الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبلجيكا وهولندا وسويسرا والسويد وكندا وإيطاليا والنرويج وتركيا. وهناك 14 دولة التحقت بالمنظمة في سنوات تالية آخرها شيلي وسلوفينيا في عام 2010.
وسبق أن أشارت المنظمة إلى خطورة الفساد عبر الحدود في تقارير سابقة ومنذ سنوات طويلة، فعقب صدور التقرير الأول في 2003، أكد بيتر إيجن رئيس منظمة الشفافية العالمية وقتها، أن محاربة الفساد تسهم في جذب الاستثمارات وتحسن المناخ الاقتصادي بصفة عامة. وقال إن الفساد لا يقتصر على المجال السياسي، وإنما هناك أيضًا فساد في المجال الاقتصادي، حيث تقوم بعض الشركات الدولية بدفع رشى لمسؤولين في بعض الدول للفوز بتعاقدات، مشيرًا إلى أن استطلاعًا أجرته المنظمة كشف عن أن هناك 20 شركة دولية تستخدم الرشى لتسهيل معاملاتها.
وأضاف إيجن في حديث لـ«الشرق الأوسط» خلال زيارته للقاهرة عام 2004 أن البنك الدولي يساند حاليًا وبقوة مشروعات محاربة الفساد في دول العالم المختلفة، ويعد أحد كبار الممولين لبعض مشروعات المنظمة. وقال أيضًا: «هناك مؤشر قوي لمستوى الفساد الاقتصادي هو تقاضي الرشى، وقد أصدرنا عام 2003 مؤشر دافعي الرشى الذي يبحث في قيام الشركات الاقتصادية الدولية بدفع رشى للفوز بتعاقدات في دول أخرى.



هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».