العد التنازلي للأوسكار (1): الممثلات المرشحات في أدوار أولى وثانية

كيت التي تحيا بين عالمين ونيونغ التي تعيش القهر على كل صعيد

جودي دنش
جودي دنش
TT

العد التنازلي للأوسكار (1): الممثلات المرشحات في أدوار أولى وثانية

جودي دنش
جودي دنش

ثمانية أيام تفصل بيننا وبين حفلة الأوسكار التي ستقام في الثاني من الشهر المقبل. لا شيء جديدا ومميزا في المناسبة الـ86 لأكبر الجوائز السينمائية في العالم عن المناسبات السابقة؛ حرارة المنافسة مرتفعة، الإعلام مستعد، الجمهور يتابع والمرشّحون يزينون احتمالاتهم، ويفكرون ماذا سيقولون لو فازوا. هناك قوائم جاهزة بالأسماء، وسوف تشمل توجيه التحية إلى الزوج أو الزوجة والبابا والماما والمحامي والوكيل، وكل من شارك في الفيلم، وعلى رأسهم المنتجون.
الممثلون في هذا الخضم يبقون الأكثر عرضة للأضواء. والحديث عن فوز هذا الممثل أو تلك أكثر طرحا من الحديث عن فوز كاتب أو مخرج أو منتج. ليس فقط لأن الممثلين والممثلات أكثر تعرضا للأضواء، بل لأنهم يتواصلون على الشاشة على نحو مباشر، كما لا يفعل أي عنصر سينمائي آخر في الفيلم.
بالنسبة للممثلات، قد تبدو المنافسة سهلة في الوهلة الأولى ستذهب الجائزة إلى كيت بلانشيت والسلام.. ألم تستحوذ سلفا على كل جائزة رئيسة حتى الآن عن دورها في فيلم «بلو جاسمين»؟ لكن يا ليت الأمور بهذه البساطة. والأجدر تأجيل أي نوع من التكهنات قبل محاولة تفكيك وقراءة المعطيات، التي على أساسها يتبارى الممثلون والممثلات في سباقيهما للوصول إلى الأوسكار هذا العام.

* لحظات متواصلة
* إنها الحياة وكيف تُعاش بالنسبة للأدوار المطروحة على بساط البحث بالنسبة للممثلات: حياة مزدوجة بالنسبة لآمي أدامز في «نصب أميركي» وحياة مضطربة لدى كيت بلانشيت في «بلو جاسمين»، ثم حياة من البحث المضني عند جودي دنش في «فيلومينا»، وأخرى من التشبّث بالمنوال نفسه بالنسبة لميريل ستريب في «أوغست: مقاطعة أوساج».
وهي ليست حياة على الإطلاق عندما تفقد ساندرا بولوك الاتصال مع الأرض لمعظم الوقت المتاح في «جاذبية».
دور آمي أدامز في «نصب أميركي» دور من السماء. إنها شخصية مركّبة بعناية لامرأة تعيش حياتين في جسد واحد، أو بالأحرى شخصيّتان مختلفتان، ولو أنهما مختلفتان عن قرار وليس نتيجة صدع نفسي ما.
أدامز، التي بدأت حياتها على الشاشة قبل 12 سنة فقط، رُشّحت سابقا أربع مرات ولم تفز بعد. في عام 2005 عن «Junebug»، وعام 2008 عن «ريب» (الذي رُشّحت عنه أيضا ميريل ستريب) وعام 2010 عن دورها في «المقاتل»، ثم سنة 2012 عن دورها في «ذَ ماستر». في كل هذه المرّات جاء ترشيحها في قسم الممثلات المساندات. هذه المرة هي في سباق الممثلات الرئيسات. نقلة تستحقها لأنها بهذا الدور تترك وراءها الأفلام الخفيفة لتؤم بطولة فيلم من وزن «نصب أميركي».
منافستها الأساسية (ومنافسة الجميع الأساسية في الواقع) هي كيت بلانشيت، ليس لأنها سبق لها وأن رُشحت خمس مرات من قبل (ونالتها مرة واحدة عن دورها المساند في «الملاح» سنة 2004) بل لأن أداءها في فيلم وودي ألن الجديد «بلو جاسمين» مؤلف من لحظات متواصلة من العمق والتجسيد، الذي لا يسقط أو يهبط. إنها المرأة التي تجد نفسها تنتقل من مستوى اجتماعي إلى وسط اجتماعي آخر فجأة. هي بين عالمين مختلفين؛ واحد من اليسر والثراء والحياة فوق مستوى معظم البشر، وآخر يتطلّب التأقلم والتخلي عن الرغد وقبول الحدود الاجتماعية الدنيا، تنحدر إليه بعدما خسرت الأول.
لكن ما يحدث لها ليس ما يجعل أداء بلانشيت مميّزا، بل هو في كيفية امتلاكها القدرة على هضم ذلك الحدث والتعبير عنه سلوكا وعادات ومفاهيم. إذا لم يكن القارئ شاهد «Blue Jasmine» بعد فليفعل وينظر إلى عيني الممثلة وهي تفحص كل شيء وكل من حولها. تبدو منهكة من البحث، وفي سن لا تريد أن تخسر معه أي فرصة لكنها تفعل.
إحباطها في تلك اللحظات ثروة تعبيرية أدت بها إلى الفوز بالـ«غولدن غلوبس» والبافتا وجمعية الممثلين، وأعضاء جمعية الممثلين يحتلّون معظم كراسي أعضاء أكاديمية العلوم والفنون السينمائية، لذا يبدو فوزها مضمونا أكثر من فوز الباقيات خصوصا أن أربعا من منافساتها الخمس في جوائز جمعية الممثلين ينافسونها في سباق الأوسكار، وهم ميريل ستريب وساندرا بولوك وجودي دنش. الخامسة كانت إيما تومسون (عن «إنقاذ مستر بانكس»)، وهو المكان الشاغر التي وصلت إليه آمي أدامز.

* مشاعر ذنب
* المشكلة أمام ميريل ستريب ليس أنها رشحت 18 مرة (بما فيها ترشيحات هذه السنة) ولا أنها فازت ثلاث مرّات آخرها سنة 2011 عن «السيّدة الحديدية» فحسب، بل في أنها تلوك الدور الذي تقوم بأدائه من دون جهد. هذه نعمة وربما نقمة معا، كونها تمثل ثانية بحضور يتجاوز العناصر الفنية كاملة. في «أوغست: مقاطعة أوساج» تلعب شخصية الأم الطاغية التي ما زالت تمارس عاداتها في التفريق والسيادة.
لكن لنلاحظ أنها لا تمثّل بقدر ما تعيش الحضور المعتاد لها. تعرف الدور عن ظهر قلب. هذه موهبة لكن ما تجلبه معها على الشاشة ليس جديدا. في سياق التأكيد على ذلك، لاحظ أيضا أنها لم تفز بأي من الجوائز الرئيسة هذا العام. إذا ما ربحت الأوسكار، فستربحه بأصوات قليلة. هناك أسلوب تشخيص متشابه بينها وبين البريطانية جودي دنش.
في الـ79 من العمر لكن نجاحها وشهرتها وردت متأخرة نوعا، فهي مارست التمثيل من عام 1959 حين كانت في الـ25 من العمر.
في السنوات الـ16 الأخيرة برزت كواحدة من أكثر الممثلات موهبة.
جودي دنش تمثّل في «فيلومينا» (الذي يضعها على سدة الترشيحات للمرة السابعة) شخصية المرأة المحمّلة بمشاعر الذنب التي تبحث عن مصير ابنها الذي خطفه الدير منها وباعه لزوجين أميركيين جاءا آيرلندا بحثا عن ولد للتبنّي. جودي تؤم الدور بقناعة تثمر إقناعا. لكنها مثل ستريب هناك سهولة أكثر مما هناك تحديا ولا عجب أنها لم تنل عنه حتى الآن جائزة رئيسة حتى في بلدها، إذ ذهبت جائزة بافتا في هذه الدورة الأخيرة إلى منافستها كيت بلانشيت.
يبقى من بين الخمس المرشحات هنا لأوسكار أفضل تمثيل نسائي رئيس ساندرا بولوك عن دورها في «جاذبية» (Gravity). وسبق لها أن فازت في السباق نفسه، عن دورها في «جانب أعمى» سنة 2009. الفارق بين تلك المرة وهذه المرة هي أننا رأينا وجهها في دور درامي في السابق. هذه المرة وجهها تحت الخوذة في غالبية المشاهد.
هل يمكن منح كرستيان بايل جائزة أوسكار عن تمثيله تحت قناع «باتمان» أو روبرت داوني جونيور عن دوره في «آيرون مان»؟ لكن لا بد من ملاحظة أن ساندرا بولوك لا تكتفي بالظهور تحت خوذة فضائية بل تمثّل تحت تلك الخوذة وتخترق الفاصل الزجاجي والمعدني الفاصل بينها وبين المشاهد.
تتلو عليه ما تشعر به وتدرك أنها تعايشه. تمنح الدور، بل الفيلم، الجانب الإنساني بأسره. لذلك هي هنا ولو أن احتمالات فوزها محدودة.
معاملة عنصرية
في سباق التمثيل النسائي المساند لا بد من استذكار الأسماء أولا:
سالي هوكنز عن «بلو جاسمين»، جنيفر لورنس عن «نصب أميركي»، لوبيتا نيونغ عن «12 سنة عبدا»، جوليا روبرتس عن «أوغست: مقاطعة أوساج» وتجون سكويب عن «نبراسكا».
أربعة منهن دخلن أخيرا المنافسة ذاتها في سباق بافتا هن لوبيتا نيونغو وجنيفر لورنس وجوليا روبرتس وتجون سكويب. لكن سالي هوبكنز خسرت الترشيحات هناك وحلت مكانها أوبرا ونفري عن دورها المقبول في «رئيس الخدم».
لوبيتا نيونغو هي اكتشاف العام بين كل الممثلات، رئيسات ومساندات. لعبت دورها كعبدة مهدورة الحقوق في فيلم ستيف ماكوين «12 سنة عبدا» (وليس «12 سنة في العبودية» ولا «12 سنة من العبودية» كما ورد في ترجمتين غير دقيقتين في مقالات آخرين) عليها أن تتعرض نفسيا وعاطفيا وجسديا لأسوأ معاملة عنصرية ممكنة. وهي تفعل ذلك بتلقائية. تتطبّع تماما وتمنح الشاشة تجسيدا كاملا يستحق الأوسكار، كما تستحقه كل الممثلات ذوات الخبرات المنافسات جنيفر وجوليا وتجون وسالي. الحصول عليه هو أمر ثانٍ. ففي العادة أن المرات الأولى لا تحسب (وهذه تجربة نيونغ الأولى في الأوسكار). لكن ما يشد من أزرها هنا، لجانب مستوى الأداء، حقيقة أنه من غير المحتمل كثيرا أن يفوز شيوتوول إجيوفور عن دوره الأول في هذا الفيلم نفسه. البعض سيوازن بين عدم التصويت له والتصويت لها كبديل، وهنا ستقوى احتمالات فوزها.
الثانية في الاستحقاق تجون سكويب (84 سنة). لم يسمع بها أحد من قبل لأن معظم ما حققته من أعمال (42 عملا) تلفزيونيا (26 مسلسلا). وهي نسبيا بدأت متأخرة 1990 عندما مثلت تحت إدارة وودي ألن دورا مساندا في «أليس» (أحد الأفلام الـ13 التي لعبت ميا فارو بطولتها تحت إدارة المخرج - الممثل ألن). صحيح أن سكويب لها دور محدود في «نبراسكا» (زوجة بروس ديرن المرشح بدوره لأوسكار أفضل ممثل رئيس عن الفيلم نفسه)، لكنها تؤديه بطلاقة ملحوظة. لاحظها بين رجلي الفيلم الأساسيين ديرن وول فورت، تجدها تمنح المشاهد بعدا ثالثا تاما.
سالي هوبكنز دائما جيدة، لكن عناية ألن بها كانت توظيفية. في «بلو جاسمين» لعبت دور الشقيقة (بالتبني) لكيت بلانشيت التي كانت محور الفيلم. هوبكنز كان المضاد الكامل، لكن مشاهدها (من حيث الكتابة) لم ترتفع لتكشف عمقا. هوبكنز هي مَن منحت ذلك القدر من العمق على خفوته.
جنيفر لورنس لديها في «نصب أميركي» دور مركّب مثل أدوارها السابقة باستثناء الدور الذي لعبته قبل ثلاث سنوات عندما كانت لا تزال جديدة عن دورها الأول في «عظمة شتوية» Winter‪›‬ Bone، الذي لا يزال أكثر أدوارها تعقيدا.
إنه مساو في لحمته للدور الذي نالت عليها أوسكار أفضل ممثلة أولى (أو رئيسة) وهو «كتاب مطرّز بالفضة» (2012). نراها هنا عرضة للغضب والإحباط. آمالها في حياة أفضل مهدورة ليس اقتصاديا فقط، بل حين تكتشف أن زوجها (كرستيان بايل) لم يكن مخلصا لها.
بالنسبة لجوليا روبرتس أتساءل إذا كان دورها كابنة ميريل ستريب في «أوغست: مقاطعة أوسانج»، وحيال أدوار الأخريات، كافيا لمنحها أوسكار أفضل ممثلة مساندة. نعم، هي تؤدي الدور بمصداقية، لكن حضورها في نهاية الأمر يبهت سريعا بعد كل مشهد. مميّز باسمها أكثر مما هو مميز بفنها.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».