مهور الزواج في السعودية تحت المجهر

مبادرة أطلقها أمير مكة لتحديد سقفها الأعلى

الوثيقة حددت مهر العروس البكر بخمسين ألف ريال ومهر العروس الثيب بثلاثين ألف ريال
الوثيقة حددت مهر العروس البكر بخمسين ألف ريال ومهر العروس الثيب بثلاثين ألف ريال
TT

مهور الزواج في السعودية تحت المجهر

الوثيقة حددت مهر العروس البكر بخمسين ألف ريال ومهر العروس الثيب بثلاثين ألف ريال
الوثيقة حددت مهر العروس البكر بخمسين ألف ريال ومهر العروس الثيب بثلاثين ألف ريال

عهد جديد سجلته السعودية أمس (ممثلة بإمارة مكة المكرمة) في وأد ظاهرة المغالاة في المهور التي كثيرا ما تسببت بثني الشباب عن الزواج، حيث وجه الأمير خالد الفيصل، مستشار خادم الحرمين الشريفين وأمير منطقة مكة المكرمة، بإعداد وثيقة لمعالجة ارتفاع المهور والحد من الإسراف في مناسبات الزواج.
وتأتي هذه الخطوة لكبح جماح المبالغة في قيمة المهر، التي أصبحت ظاهرة مقلقة للمختصين وعائقا أمام الراغبين في الزواج، بعد تمادي بعض الأسر في المغالاة في المهور والتسابق في إظهار البذخ والإسراف في حفلات الزواج، وهو ما جعل المهر «يقصم الظهر» كما يقال، فكم من خطوبة فسخت بسبب خلافات مادية تتعلق بالمهر الذي حوله البعض من حق شرعي للمرأة إلى مبلغ باهظ، الأمر الذي تطلب التدخل بصورة رسمية من جهات عليا.
وتضمّن نص البرقية التي وجهها الأمير خالد الفيصل، التالي: «عطفا على ما لوحظ في الآونة الأخيرة من غلاء في المهور عند بعض الأسر، ما أسهم في ارتفاع معدلات العنوسة، فإن الأمر يستدعي التقاء محافظي المنطقة، بشيوخ القبائل لسنّ وثيقة تحديد مهور الزواج، يجري تصديقها من محاكم المحافظات، والرفع بها لأمير المنطقة»، وحددت الوثيقة مهر العروس البكر بخمسين ألف ريال ومهر العروس الثيب بثلاثين ألف ريال. ويصف الدكتور فؤاد الجغيمان، وهو منسق البرنامج الوطني لتأهيل المقبلين على الزواج في السعودية، هذه الخطوة بـ«المباركة»، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «في ظل زيادة المهور - حاليا - والتباهي بها، نرى أن المجتمع بحاجة لضبط هذا التباهي بقرار من إمارات المناطق، بحيث يجري تحديد سقف أعلى للمهر».
وأضاف: «إن كنا سنتكلم من ناحية شرعية، فربما لا يوجد تعارض في رغبة الفرد بإنفاق المهر سواء كان أقل أو أكثر مما هو متعارف عليه، لكن من ناحية اجتماعية؛ نجد الآن أن التباهي والتفاخر بارتفاع المهور أصبح فوق طاقة الشباب الذين قد يعجزون عن تقديم المهر المعقول»، وتمنى الجغيمان أن تتأسى بقية المناطق بهذا القرار، وألا يكون حصرا على منطقة مكة المكرمة.
من ناحيتها، ترى منى العرفج، وهي مستشارة أسرية، أن «تحديد المهور أصبح يمثل حاجة ملحة في ظل تفاخر وتباهي بعض الأسر بارتفاع مهر فتياتها»، مضيفة: «البعض يعتقد أن غلاء مهر الفتاة يدل على ارتفاع منزلتها ومكانة عائلتها أو قبيلتها، وهذا مفهوم اجتماعي خاطئ ويسهم في إرهاق الشباب الراغبين في الزواج».
وتتابع العرفج: «تحديد المهر من المهم أن يكون بوضع سقف أعلى يتناسب مع احتياجات الواقع المعاصر ومقدرة الفئة السائدة من الشباب، لأن المغالاة في المهور - التي نشهدها اليوم - صارت تمثل عائقا كبيرا أمام الشباب الراغبين في الزواج، وهو ما يتطلب موقفا حكوميا من جهة عليا لحسم هذه المسألة، ونتمنى أن تحذو بقية المناطق حذو ما جرى إقراره في مكة المكرمة».
يذكر أن بعض الأسر السعودية عمدت - أخيرا - إلى تحديد مهور الزواج، من خلال اتفاقيات تعقد داخلها، بهدف تشجيع الشباب على الإقدام على الزواج، وذلك بشرط أن يكونوا من داخل الأسرة، وتتراوح قيمة المهر بين ما هو متعارف عليه، في حين يذهب البعض إلى تحديد مبالغ زهيدة جدا، بهدف حفظ كرامة المرأة من اعتبارها عرضة للتسليع أو المتاجرة بالمهر، وكذلك لوقف مسلسل العنوسة التي بدأت تزيد نسبتها في المجتمع.
يذكر أن دراسة سعودية صدرت حديثا، أشارت إلى ارتفاع نسبة عنوسة الفتيات في السعودية خلال العام الحالي إلى 4 ملايين فتاة، مقارنة بقرابة 1.5 مليون فتاة في عام 2010، في وقت أرجع فيه اختصاصيون اجتماعيون ارتفاع النسبة إلى غلاء المهور، وتكاليف الزواج الباهظة.
ووفقا للإحصاءات الرسمية، فإن السعودية تأتي في المرتبة الثانية بين الدول التي زادت النسبة المئوية للعنوسة فيها على مدى العقدين الماضيين، حيث ازداد عدد غير المتزوجات 15 ضعفا مقارنة مع عام 1995، الأمر الذي يرى المختصون أنه يتطلب اتخاذ إجراءات رسمية عاجلة لمعالجة هذه الإشكالية الاجتماعية، وهو ما تنبأ به أمير منطقة مكة المكرمة الذي اتخذ خطوة فعلية في تخفيض سقف المهور لإعانة الشباب على الزواج وتقليل نسب العنوسة.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».